إلى فريد الظاهري بمناسبة رحيله الأول

إلى فريد الظاهري بمناسبة رحيله الأول

فريد..
يا صديقي الأسمر النحيل.. ذو الأسنان المضعضعة جراء مرض السكر.. ذو اللحية المشوبة بالبياض الذي لم يعرفه سوى قلبك المنهك.. ماذا سأجد لو فتشت جيوبك المثقلة بهموم الوطن..ربما سأجد الكثير الكثير من الورق ولكن ليس الورق (البنكنوت) بل الورق الورق. قصاصات لجرائد مصرية وأردنية وسورية، بل وحتى روسية كتبت عنك وعن إبداعك الذي لا تعرفه الصحف اليمنية. وربما أجد أيضاً قصاصات لمسرحية عالمية كنت تقوم بترجمتها لتقديمها لهذا الجمهور التعيس الذي يذهب لتخزين القات في صالات الأفراح والأحزان أكثر مما يذهب إلى المسرح. وقد أجد يا فريد مخططات لمسرحيات محلية لكتاب معروفين أو مجهولين قدمتهم دون ان تلتفت لأسمائهم. وربما تكون قصاصات مسرحيتي «الشحاذ والبحر» من بين تلك الأوراق -المشاريع التي كنت تنوي تقديمها.
اذكر يوم التقينا صدفة آخر مرة.. كان ذلك قبل حوالى سنة في حفل بالمركز الثقافي الفرنسي.. قلت لي يومها إن مسرحية «الشحاذ والبحر» تنام معك في فراشك كل يوم.. وانك تريد ان تقدم البحر كأحد ابطال المسرحية لتري الناس كيف ان الملوك والسلاطين الذين لا يحترمون شعوبهم يبدأون «شحاتين» وينتهون في البحر. اذكر يومها ايضاً انك قدمت لي أصغر ابنائك وهو في سن المراهقة قائلاً لي: هذا هو الذي كان رضيعاً يوم شاركنا سوياً في إخر نسخة من مهرجان المسرح العربي ببغداد المحاصرة حينها عام 1993م.
واذكر يا فريد أنك حدثتني عن مصاريف العيال ومتطلباتهم، وعن سفر زوجتك «سلمى» إلي روسيا لزيارة أهلها وكم يتطلب منك ذلك من المصاريف.
فريد.. هذا يجعلني متأكداً أني سوف أجد في جيوبك إلى جانب قصاصات اعمالك الكثير الكثير من الفواتير والسندات.. فواتير الايجار والكهرباء والتلفون وفواتير المدارس والجامعات وايضاً فواتير المستشفيات والصيدليات و.. و..
ولكنك تركت كل ذلك لمحسن ورحلت فجأة يا فريد. ترى هل سيكفي محسن الوقت لسداد كل هذه الفواتير، أم انه سيشغل وقته بمحاولة تحقيق أحلامك في تحويل صهاريج عدن إلى أكبر مسرح مفتوح في الوطن العربي وربما في العالم؟
اذكر ايضاً انك حدثتني عن تقديم عرض مفتوح في قلعة القاهرة -تعز.. أرجو ألا تكون قد حدثت محسن بهذه الفكرة المجنونة.
اليوم يقولون انه يصادف ذكرى يوم المسرح العالمي. نمت مضطرباً. كنت منهكا من العمل.. صحوت على اذان الفجر، صليت، ولم أتمكن من النوم فخرجت للركض داخل المجمع الذي اسكن فيه وقبل شروق الشمس لاحظت ان المسبح مفتوح فخلعت ملابسي ونزلت إلى الماء رغم البرد الشديد.
جاءت زوجتي جنان تركض.. نعم هي «جنان جرجيس» الفنانة المسرحية العراقية التي كنت تعرفها وتتفق معها كثيراً في نقدها الدائم لحال الثقافة في الوطن العربي وليس في اليمن فحسب.. جاءتني على عجل بكوب من الحليب الساخن إلى المسبح وقالت لي: اشرب هذا قبل أن يتوقف قلبك من البرد فأنت لديك مرض الضغط أصلاً.
ولكنها لم تكن تعرف ساعتها ان قلبي قد توقف فعلاً على سريرك يا فريد.
فريد يا نصير المسرحيين الثكالى.. يا صديقي الذي ترجل تاركاً أمجاده لعالم آخر لزمن آخر وربما لوطن آخر سوف لن اكتب جملة مسرحية واحدة بعد الآن؛ فهذا العالم لا يستحق، وارجو ان تكون قد أوصيت محسن بالبقاء بعيداً عن هذا الغول الذي يفترسنا في العراء واحداً تلو الآخر حيث نقدم للذبح بالذبحات الصدرية وبكل أنواع الأمراض القاتلة في يوم المسرح العالمي.
حيث لا يوجد لا مسرح ولا مايستحق المسرحة أصلاً سوى مأساتنا. كان ذلك آخر مشهد مسرحي شاهدتك فيه فيما سمي بعام الثقافة الذي توارى وتوارت الثقافة خلف أيامه.
وارجو المعذرة ايضاً يا فريد.. فمن عادتي عدم مشاهدة الفضائية اليمنية لأنها تسبب لي الكثير الكثير من الإحباط، ولكني لا أدري كيف تسللت عبر جهاز «الريموت كونترول» اليوم واستقريت على خبر المذيع ينعي وفاتك في نعي غريب قيل فيه انه سوف نصلي عليك يوم غد بعد ان تمت مواراة جثمانك مبكراً فلست ادري ألا يستحق كل ما فعلته لهذا البلد يا فريد التدقيق قليلاً في خبر النعي ومراجعته لمرة أخيرة كي يظهر بالشكل الذي يليق بوداعك؟! فشكراً من القلب لوزير الثقافة ولجميع القائمين عليها.. شكراً شكراً.

عبدالقادر صبري