حكاية حسن عبدالوارث ، مع.. الملائكة

حكاية حسن عبدالوارث ، مع.. الملائكة

حكايتي مع  .. الملائكة
 
قيلَ إن الإنسان خليط من ملاك وشيطان.. بمعنى أن الخير والشر حالتان لازمتان في تكوين كل إنسان، برغم أن إحداهما قد تطغى على الأخرى تحت ظرف ما، فطري أو قسري.
ويُقال أن لكل إنسان ملاكين، عن شمال ويمين، هما «رقيب» و«عتيد».. الأول يكتب حسنات المرء، والآخر يُسطِّر سيئاته بصورة أمينة ودقيقة، لا يشوبها غبار التقارير السرَّية التي يكتبها مُخبرو الأجهزة «إَّياها» أو الزملاء «إيَّاهم»!! أي أن «رقيب» و«عتيد» يصيران -عند البعض- «نقيب» و«عقيد».!!
ولكن... هل حكايتي مع الملائكة -حسب عنوان هذه السطور- مقصود بها ملائكة السماء، من قبيل: جبريل واسرافيل وميكائيل وعزرائيل..إلخ؟؟... أم أن ثمة «ملائكة» أخرى هي المقصودة؟؟
في أحد نهارات الشهر الرابع من العام 1979.. تأبَّطتُ أول محاولة شعرية اقترفتها، وذهبت بها إلى أكبر صحف عدن حينها، فيما القلق والخوف والتوجس والتردُّد والخجل وكل المشاعر السوداء والزرقاء والصفراء والرمادية ترتديني من أُمِّ رأسي حتى أخمص قدمي.
دلفتُ بوابة مبنى الصحيفة.. سألتُ عن صاحب الأمر والنهي في الشأن الثقافي هناك.. دلَّوني عليه.. وإذا بي أقف قبالته وكأنني أقف قبالة أحمد شوقي شخصياً.. مَدَدْتُ إليه بمولودي الأول.. فراح يمرُّ بعينيه بين سطور النص الخجول.. وبعد لحيظات -مرَّت عليَّ قروناً- أعاد إليَّ النص بفتور، ناصحاً إيَّاي بأن أحاول مرةً أخرى (على طريقة الأنسرماشين حق الموبايل هذي الأيام!!) حتى أتمكَّن من أدواتي الشعرية!
وكان الشاعر والصحافي المصري الاستاذ زكي عمر رحمه الله (وكان يقيم ويعمل في عدن حينها) حاضراً هذا المشهد، فتبعني إثر خروجي من مكتب المحرر الثقافي في الصحيفة، وطلب مني أن أعطيه النص..وبعد أيام فوجئت به منشوراً في زاوية كان يُحرِّرها في الصحيفة ذاتها.. وكانت المرة الأولى التي تنشر لي فيها الصحافة شيئاً اقترفه قلمي!
لا أدري لماذا حقدتُ علىذلك المحرر الثقافي آنذاك.. فحزمتُ أمري على الإنتقام منه، بصورة توقعه في شرِّ أعماله، من وجهة نظري، اللئيمة.. وفي الوقت نفسه، تعيد لي- أو بالأصح لقصيدتي- الإعتبار!
ذهبتُ إليه بعد أسابيع، مضمراً سلاح الانتقام.. فقد حملتُ إليه نصاً، قرأه كما قرأ الأول، وأعاده إليَّ كالمرة الأولى تماماً، وأكمل المشهد بالعبارة ذاتها، مضيفاً: «يا إبني، يبدو إنك مستعجل على النشر.. أنصحك بالقراءة كثيراً، والمحاولة طويلاً، قبل أن يحين موعد النشر»..
غير أن المشهد كله انقلب رأساً على عقب بعد هُنيهات.. إثر أن كشفتُ له أمراً أذهله ثم أخجله، لا سيما أن عدداً من زملائه كانوا حاضرين بيننا..فالاستاذ المُبجَّل أدرك يقيناً أن النص الشعري الذي رفضه للتوِّ، بدعوى عدم صلاحيته للنشر، ليس للعبد الفقير إلى الله.. إنما للشاعرة العربية الرائدة «نازك الملائكة».
------------------------------------------
رئيس تحرير صحيفة «الوحدة»