عبدالباري طاهر و " الانتخابات المروعة "

عبدالباري طاهر و " الانتخابات المروعة "

 ينتظر اليمنيون بكثيرٍ من الحيرة والقلق الانتخابات الرئاسية القادمة في سبتمبر هذا العام. وينظر الناس بمزاج نافد الصبر باستمرار الرئيس صالح في إعلان رفض ترشيح نفسه، في حين يتصاعد التشكيك في النوايا، ويجري التعامل مع الإعلان بقدر من الريبة من قبل المعارضة. وينشط حزب الحاكم (المؤتمر الشعبي العام) في تجميع التوقيعات، وتحريض الناس على مطالبة الرئيس بالتراجع عن عدم ترشيح نفسه.
 ما يثير في هذه الأجواء اللاطبيعية تصاعد الخلاف بين الحكم والمعارضة؛ فالمعارضة تشكك في حياد ونزاهة اللجنة العليا للانتخابات، وتَصِمُها بالتبعية للحكم. وتقوم الصحف الحكومية ووسائل الإعلام المختلفة وتصريحات الرئيس بتجريم وتخوين المعارضة، وتتوعدها بالويل. ويترافق مع الحملات الإعلامية المتبادلة انقطاع سبل التحاور، وتبادل الاتهامات من حول إفشال الحوار، ووجود نوايا مبيتة لتزييف الانتخابات كتهم المعارضة، أو
العمل على إفشال الانتخابات والإضرار بالديمقراطية والحياة السياسية كتهم الحكم.
عدم تراجع صالح حتى الآن عن قراره بعدم الترشح وإحجام المعارضة عن تقديم مرشح جدي تجمع عليه أحزاب اللقاء المشترك (المعارضة)، يلقي بظلال داكنة وكثيفة من حول الانتخابات الرئاسية والمحليات في آن واحد! حقيقة الأمر أن التشكيك والطعن في حياد ونزاهة اللجنة العليا للانتخابات له ما يبرره؛ فاللجنة قد تحولت إلى مؤسسة إدارية تنصاع لإرادة الدولة وتنزل على حكمها، وعملها ليس بعيداً عن الشبهات؛ فقد وصل قيد سجل الناخبين إلى أكثر من تسعة ملايين وخمسمئة ألف في شعب لا يتجاوز تعداده العشرين مليوناً، أكثر من 57 % من دون السن القانونية للانتخابات. وتحجم كثرة كاثرة من النساء خصوصاً في الأرياف عن ممارسة هذا الحق رغم إقراره دستورياً وقانونياً. كما أن هناك أكثر من مليوني مهاجر في مختلف أنحاء الدنيا. وإذا ما أخذنا العجزة والعازفين عن الشأن السياسي وهم كُُثُر -أيضاً- فإن التسعة ملايين ونصف شاهد الفضيحة حقاً.
 الفاجع، كلما اقتربنا من هذا الاستحقاق  كلما تصاعد دخان الاختلاف، واشتد أُوار الاتهامات والاتهامات المعاكسة. يلوِّح الحكم بالجيش والأمن، وتلوح المعارضة بالنزول إلى الشارع والاحتكام إلى إرادة الناس.
 ويتجلى المأزق في أزمة اقتصادية اجتماعية طاحنة؛ فمتوسط دخل الفرد لايتجاوز الثلاثمئة دولار، ويعيش ما يقرب من نصف السكان في خط الفقر، وموراده الشحيحة والمحدودة ينخرها الفساد، والبطالة تصل إلى أكثر من 16 % من إجمالي القوى العاملة.
 ويشكل الفساد تحدياً حقيقياً للحكم؛ فقد حرمت البلاد من اللحاق ببرامج مساعدة الألفية، كما خفض البنك الدولي من مساعداته الثلث، ويتعرض الحكم لحملة دولية قاسية بسبب الفساد والذي استشرى وأصبح اقتصاداً مستقلاً حسب بعض الهيئات الدولية.
إن إجراء الانتخابات بدون إصلاح شروط اللعبة الانتخابية والتوجه الجدي لإصلاح شامل سوف يعمق الأزمة، ويدفع بالبلاد إلى مزيد من الاحتقان والتوتر والاضطراب؛ فالإصلاح الشامل، وتحديث الدولة، والبنية الاجتماعية هي الحرف الأول في البناء الديمقراطي.
والتجاذب الحالي بين الحكم والمعارضة السياسية لا يمكن أن يحل بالاتهامات والاتهامات المضادة أو القطيعة والتباعد في المواقف؛ فاليمن بحاجة إلى الأمن والسلام والاستقرار، ومواجهة غول الفساد الذي أهدر الموارد الفقيرة وأضر بالحياة برمتها.
 المفارقة الفاجعة حقاً الشطط المتنامي في الخطاب الإعلامي. والأكثر إثارةً وإخافةً أن يميل رئيس الدولة إلى هذا الخطاب المجرمِّ والمتوعٍّد؛ فرأس الدولة ينبغي أن يكون حجر القبان، وأن يكون الحَكَم في الحياة السياسية برمتها؛ فهو ليس رئيساً – أو هكذا ينبغي أن يكون- لحزب سياسي بعينه.
إن التحديات الكبيرة والمحدقة باليمن، والتي يعود الأكبر منها إلى سوء إدارة الحكم وممارساته القامعة وسوء وفساد استخدام السلطة لا يمكن أن يستمر والانتخابات القادمة بأمس الاحتياج إلى توافق الإرادة من حول الإصلاحات الشاملة ومنها سجل قيد الناخبين.
إجراء الانتخابات في أجواء متوترة لا يعني سوى إعلان اغتصاب الحكم، والاستمرار في التفرد، وإلغاء الهامش الديمقراطي؛ مما يعني العودة إلى عهود الشمولية والدكتاتورية. والأخطر أنه يفتح الباب واسعا أمام الاحتراب والتمردات التي مثلت الوحدة اليمنية عام 90 تجاوزاً لها.
الإصرار على تزييف إرادة الناخب، وتجريم المعارضة السياسية يعني- أول ما يعني- انتصار الفساد المدمر، والدفع باليمن إلى جحيم الصراعات الدامية ومتاهات المجهول.