الحراك الجنوبي أمام تحدٍ وجودي جراء ثورة الشباب!

الحراك الجنوبي أمام تحدٍ وجودي جراء ثورة الشباب!

المحرر السياسي
يواجه الحراك الجنوبي تحدياً وجودياً منذ أسبوعين بعد أن وقفت بعض مكوناته على الضد من الثورة الشبابية التي خرجت في المدن اليمنية تطالب بإسقاط النظام.
خلافاً لمواقف أعلنها الرئيسان السابقان علي ناصر محمد وحيدر أبوبكر العطاس وشخصيات جنوبية بارزه أخرى، تبارك ثورة الشباب وترى فيها مدخلاً للتغيير والخلاص، لاحت شخصيات قيادية في الحراك الجنوبي منكمشة على نفسها ومتمترسة وراء شعارات تصب، راهناً، في مصلحة السلطة التي يصمونها بـ«سلطة الاحتلال». ها هنا أحد التباسات مفردة «مُحتَل»!
وتزخر مواقع ومنتديات حراكية بعناوين ومضامين تحذر من الثورة الشعبية التي الهبت مشاعر عشرات الآلاف من الشباب في عدن وأبين ولحج وحضرموت وشبوة والمهرة، فخرجوا عفوياً إلى الساحات والشوارع مطالبين بإسقاط النظام.
 بالموازاة للرجفة التي سرت في أوصال النظام الحاكم في صنعاء جراء توحد الشباب حول مطلب واحد، أصيب بعض الحراكيين بـ«صعقة» أفقدتهم الحس السليم بالزمن والحساسية الاخلاقية التي يفترض أن تكون في أعلى درجاتها عند مناضلين من أجل قضية وطنية نبيلة هي «القضية الجنوبية».
في الأيام الماضية عمد بعض هؤلاء إلى «فك الارتباط» بين الشمال والجنوب في موضع مقدس لا يحتمل المناورات الصغيرة، ف «ثورة الشباب» عندهم هي ثورة الشماليين فحسب، وعلى الشماليين أن يصدقونهم إذ يزعمون تأييدهم لها. حسناً .. ماذا عن عشرات الآلاف من الشباب في عدن وغيرها من مدن الجنوب الذين خرجوا إلى الشوارع والساحات ينشدون إسقاط النظام ويستشهدون من أجل هذا المطلب أم أن هؤلاء شماليون بالشعار وحسب؟
يقامر بعض الحراكيين بـ«القضية الجنوبية» إذ يضعونها في مواجهة مطلب «إسقاط النظام» في لحظة وطنية فريدة وغير مسبوقة. وهم بذلك يقوضون مصداقيتهم ويتموضعون في خانة الانعزالية البائسة التي تتعالى على القيم الإنسانية انطلاقاً من تعريف حصري للجماعة يجعل كل من هو خارجها عرضة للتنكيل والإقصاء في تماه كلي مع السلطة التي يعارضونها، تماهٍ في السلوك السياسي وفي الموقف الأخلاقي (اللااخلاقي) من الآخر.
الحراك الجنوبي الذي أذهل العالم في سنواته الأولى بما هو حركة شعبية كاسحة كسبت تعاطفاً يمنياً وعربياً ودولياً وفرضت القضية الجنوبية في صدارة أجندات القوى السياسية والمنظمات غير الحكومية في اليمن والخارج، مهدد الآن بالضمور بفعل شخصيات حراكية في الداخل والخارج تفتقر إلى الملكات القيادية وبخاصة ملكة النقد. كذلك صار «فك الارتباط» إلهاً يتطلب من عباده تملقه وتقديم الأضاحي دورياً إلى مذبحة، بما في ذلك القضية الجنوبية ذاتها.
في مايو 2009 تخلي بعض ممثلي القضية الجنوبية عن مطلب الاعتراف بها لصالح مطلب «فك الارتباط». وقد تحول هذا المطلب الذي بدا للوهلة الأولى تكتيكياً في مواجهة سلطة غاشمة إلى شعار مقدس تهون دونه أية قيمة.
هذه الانتقالة العاطفية الحقت ضرراً جسيماً بالقضية الجنوبية، ووضعت حداً للتعاطف المتنامي معها محلياً واقليمياً ودولياً، قبل أن تتحول مفاعيلها السلبية نحو دعاتها لتفرقهم شيعاً.
أدهى من ذلك أن البعض أراد للقضية الجنوبية أن تكون حكراً له، وحده من يمثلها (ومن يمثل بها)، فإذا بالحراك، تنظيمياً، نسخة أكثر رداءة من أحزاب وحركات سياسية يمنية عريقة شاخت بفعل البابوية والهرمية المقيتة والفساد المالي والانحراف الاخلاقي. كذلك انحسر الحراك وذوى في الحواضر الجنوبية، وبخاصة عدن وحضرموت، ليتموضع في قمم الجبال، تماماً مثل ما تفعل أية جماعات أقلوية أو عصابات مسلحة، على الرغم من شعبية القضية الجنوبية وطابعها السلمي.
وعندما اندلعت الثورة الشعبية السلمية في اليمن، شمالاً وجنوباً، طلعت قيادات حراكية، كما أية أوليجارشية (أقلية متحكمة بالمال والسلطة) بتصريحات وردود أفعال تماثل تماماً تصريحات وردود أفعال السلطة في صنعاء قبل 4 سنوات عندما طلعت المسيرات الشعبية في مدن الجنوب تطالب بالشراكة والحقوق والعودة إلى روح وحدة 22 مايو.
الحراك الجنوبي أمام تحدٍ وجودي، وعليه أن يقرِّر أين يتمركز: في ساحات المدن دفاعاً عن القضية الجنوبية أو في كهوف الجبال خدمة لمشاريع انعزالية خارج مفاهيم العصر والحداثة، على حد تعبير الراحل المقيم في الوجدان الوطني فيصل بن شملان.