التحاق أبرز المدارس الثانوية في صنعاء وحضرموت بالمطالبين بإسقاط النظام

التحاق أبرز المدارس الثانوية في صنعاء وحضرموت بالمطالبين بإسقاط النظام

في مدرسة الكويت ترفع 3 أعلام وطنية وأزيد من 80 صورة للرئيس. لكن هذا التكريس أثر بصورة عكسية فباتوا يكرهون الرئيس أكثر من غيرهم
هلال الجمرة
تزداد مجاميع الطلاب المطالبة بإسقاط نظام علي عبدالله صالح يومياً، وتستقبل ساحة التغيير (أمام جامعة صنعاء) مئات من هؤلاء الغاضبين الذين تجاوزوا توجيهات مدراء مدارسهم "القمعية"، وجاؤوا للتعبير عن قناعاتهم في هذا المكان بحرية، مع كافة فئات الشعب. ظهر السبت وصل نحو 70 طالباً من مدرستي الكويت وابن ماجد الثانويتين، إلى ساحة التغيير، يرددون بملء فمهم: "الشعب يريد إسقاط النظام". وكان المعتصمون يرحبون بهم: "حيا بهم حيا بهم".
ساحة التغيير ليست المكان الأول الذي يعبر فيه هؤلاء عن رفضهم لحكم "ديكتاتور حوّل السلطة إلى ملكية خاصة له ولأسرته"، فقبل انضمامهم إليها كان هؤلاء خاضوا معارك شرسة داخل مدارسهم، تعرضوا خلالها للقمع والمطاردة.
حتى اليوم، خرجت عديد مدارس في صنعاء وعدن والمكلا من قبضة إداراتها. وأصبح الطلاب يخرجون إلى الميادين المطالبة بإسقاط النظام دون اعتبار لأيٍّ من وسائل الترهيب والقمع التي يستخدمها المدراء ضدهم. ويشارك غالبية من طلاب أبرز وأكبر ثانويات العاصمة؛ "الكويت، وابن ماجد، والحورش، وهائلـ"، تحت شعار "إزالة النظام القائم".
صباح الثلاثاء قبل الماضي، 21 فبراير، أرعبت الهتافات الطلابية التي هزّت أركان مدرسة الكويت النموذجية، إدارتها. فخلال فترة الراحة اجتمع نحو 5 طالباً في الطابق الثاني للمدرسة، وبدأوا يرددون شعار: الشعب يريد إسقاط النظام. وخلال هبوطهم سلم المدرسة إلى وسط ساحتها، وصل عددهم إلى "نحو ألف طالبـ"، طبقاً للطالب أمجد في الصف الثاني الثانوي.
مدير المدرسة، أحمد أحمد الحبابي، الذي كان في مكتبه، لم يجد طريقة ملائمة لاحتواء الخطر القادم من الساحة. فحمل "باكورة حديدية (هراوة) وشرع ينزل بها جام غضبه على الطلاب الذين يهتفون برحيل نظام صالح الفاسد، بالضرب العشوائي"، طبقاً لرواية حمدي علي، طالب في ثالث ثانوي. تفرقت الجموع بعد دقائق من الضرب ونداء الإدارة الذي دعاهم إلى العودة إلى فصولهم.
بعد دقائق من دخولهم الفصول تفتقت قريحة الحبابي إلى دعوة الطلاب الذين يعتقد أنهم بدأوا الهتاف، لطلب اليمين منهم. وقال أمجد إنه طلب منهم أن يقسموا "بعدم تكرار الهتاف مرة أخرى داخل المدرسة". ملوحاً لهم أنه لن يعترض أي شخص "يهتف بعد الخروج من المدرسة". واتخذ قراراً عقابياً نفذه أسبوعاً كاملاً، مفاده "إلغاء فترة الراحة اليومية والتدريس بشكل متواصل ل5 حصص".
يتولى أحمد الحبابي موقعاً قيادياً في الحزب الحاكم، وهو ما يعتقد كثيرون أن نشاطه في الحزب هو الذي مكنه من إدارة المدرسة منذ ما لا يقل عن 20 سنة. وقد فسر البعض إدارته للمدرسة لفترة طويلة بأنه "جزء من التكريس للشخصية المعمول به في نظام علي عبدالله صالح". فطبقاً ل7 من طلاب المدرسة، فهو يتعامل "بعنف مع الطلاب، ويضربهم دون مراعاة لمكان الضربـ".
لكن الطلاب، الذين ظل مدير مدرستهم يتعامل معهم بجلافة، ويضربهم بعنف طيلة 20 عاماً، كانوا كسروا كل القيود، وكسروا كل حواجز الخوف، وخرجوا إلى ثورة شبابية تطالب "بتغيير جدري لنظام عاث فساداً، والإطاحة بكل مستبد بمن فيهم هذا المدير". وقد عادوا منذ السبت الهتافات في المدرسة، لكن الإجراءات العقابية التي فرضت عليهم بإلغاء وقت الراحة، طبقت مجدداً.
في مدرسة الكويت ترفع 3 أعلام وطنية وأكثر من 80 صورة للرئيس. لكن الحاصل أن هذه الصور خلقت انطباعات وطنية وبعكس ما أريد لها. وبات هؤلاء الطلاب يكنون له كل كره يتجاوز نسبة الصور التي تفرض عليهم. ويقول الطلاب إن عدد الصور المعلقة في كل فصل 3 إلى 4 صور. لكن هذه الصور لن تجبرهم على تقديرها، فأنفسهم تمقت الكذب والفساد.
في مدرسة الحورش أيضاً يخرج الطلاب إلى باحة المدرسة يومياً ليرددوا العبارة التي تتناسب مع مستوى تفكيرهم. وقد عطلوا الدوام الدراسي بصورة شبه كاملة، ويشترطون للعودة إلى الدراسة رحيل الرئيس من الحكم: "لا دراسة.. لا تدريس.. حتى يرحل الرئيس"، ويقولون الطالب.. يريد إسقاط النظام".. كذلك في مدرستي هائل وابن ماجد.
سلمان، 17 سنة، طالب في مدرسة هائل الأساسية الثانوية، يقول إنه ملّ الحياة دون تغيير، وأنه جاء إلى هنا لإسقاط النظام. ويأتي بشكل يومي، فهو يخرج أوقات فراغ الحصص وبعد العصر. ولفت إلى أن لديه أملاً كبيراً في أن النظام لن يستمر كثيراً، وأنه سيسقط وفق إرادة الشعب.
زميله سعد، 16 سنة، قارن بين الديمقراطية الحقيقية "في أمريكا وديمقراطيتنا: كل 4 سنوات ينتخبوا رئيس جديد، وإحنا 33 سنة وما معانا إلا رئيس واحد".
في مدينة سيئون انطلق الطلاب عقب طابور الصباح في مسيرة من ثانوية الأديب الصبان، تطالب برحيل الرئيس وإسقاط نظام حكمه. وعندما وصلوا إلى وسط المدينة انضم إليهم عشرات المواطنين، وساروا للمطالبة بإسقاط حكم علي عبدالله صالح. وبحسب وسائل إعلام محلية، فإن قوات الأمن أحكمت الإغلاق على المدخل الغربي لمدينة سيئون، ومنعت طلاب الثانويات القادمين من مدينة الغرفة وحي شحوح من دخول المدينة، والذين كان من المقرر مشاركتهم في هذه المسيرة. وتم اعتقال عدد من الطلاب فتغير مسار المظاهرة إلى أمام مديرية الأمن للمطالبة بالإفراج عن المعتقلين. مع ذلك لم يتراجع الطلاب رغم إصابات عدد منهم، عن مطلب إسقاط النظام.
************
 
في التحرير.. انخفاض عدد المؤجرين للمطالبة ببقاء الرئيس
يلعب ميدان التحرير في صنعاء دوراً مضاداً لثورة الشباب، بعكس ميدان التحرير في القاهرة، الذي مثّل شعلةً للثورة ومصدراً للنور. مع ذلك فكلاهما يخلقان تأثيرات متنوعة لنهاية ديكتاتوريات متشابهة: إنهما يعجلان بسقوط أنظمة عتيقة. فبالرغم من تضادهما في نبل المقصد والهدف، إلا أنهما يصنعان لنهاية واحدة.
في المشهد المصري كانت ساحة الثوار (ميدان التحرير) تتسع وتتمدد بمرور الأيام، أما هنا، أي في ميدان التحرير بصنعاء، حيث يعامل الشخص كمتسوّل رخيص الثمن وجيء به فقط من أجل حماية نظام الرئيس صالح، فالحالة معكوسة. في الأول كان خروج الناس تلقائياً من أجل التغيير، وفي الثاني تم شراء الناس لاحتلال موقع يخشى النظام أن تكون نهايته منه -كما حدث في مصر عندما خيم المطالبون برحيل نظام حسني مبارك في الميدان، وأسقطوا عرشه من هناك. وكانت التوقعات أنه كلما ازداد الحشد دنت النهاية، على العكس في اليمن فكلما قلّ عدد المعتصمين قربت النهاية.
لقد انخفض عدد معتصمي ميدان التحرير "المؤجرين من الحزب الحاكم" للمطالبة ببقاء الرئيس وللعمل كبلطجية في بعض الأحيان، أزيد من النصف قياساً بعددهم قبل أسبوعين. وهناك من يقول إن تقليص المؤتمر الدعم المالي لهم -سيما مع توسع دائرة الاحتجاجات المطالبة بإسقاط النظام في أغلب محافظات الدولة– أثر، مما دفع بالكثير إلى مغادرة الميدان، وهناك من فضّل الانضمام إلى المعتصمين بساحة التغيير؛ المطالبين بإسقاط النظام. وقد أعلن هؤلاء عن تذمرهم غير مرة، وهددوا صراحة، ربما من باب الابتزاز، بالانضمام إلى المعتصمين في ساحة التغيير؛ المطالبون برحيل الرئيس. ويرى آخرون أن اليأس والإهانات التي توجه لهم يومياً -خصوصاً خلال موعد الأكل- كانت السبب وراء هروب الكثيرين.
قد نفاجأ بعد أيام بالساحة خالية الوفاض. الهروب هو الجديد على المكان الموبوء ببراز وبول المعتصمين ومخلفات القات والطعام. ويلاحظ حالة البؤس والإحباط التي يعيشها هؤلاء من خلال تفضيلهم فراش النوم داخل الخيام على الخروج والهتاف والسباق على الميكرفون ومكان الرقص.
ينتشر ما لا يزيد عن 400 شخص بين خيام وساحة ميدان التحرير التي لا تقل مساحتها عن 4000 متر مربع، فيما يقوم نحو 30 عامل نظافة على تنظيف مخلفات وقاذورات هؤلاء، إلا أن هذا العدد الكبير من عمال النظافة يبدو غير كافٍ مقارنة بحجم العبث والفوضى التي يعيشها هؤلاء.
تهافت المعتصمين على الميكرفون والتسابق على تسجيل الأسماء لإلقاء قصائد شعبية وخطابات مدججة بذم أحزاب المشترك وامتداح المضيف وصاحب الولائم اليومية "الرئيس"، انحسرت كثيراً. وبات من يشغل الميكروفون هم موظفون في التوجيه المعنوي أو في دوائر المؤتمر.
حتى إن المنصة التي تم نقلها إلى موقع آخر لم تعد محل اهتمام المعتصمين، فغالبيتهم يلجؤون إلى النوم والجلوس داخل الخيام، فيما يتجمع قرابة 30 شخصاً حول المنصة لتمضية الوقت فقط. يبدو الناس هنا متهالكين، والخيام شبه خالية، حتى إن بعض أسماء القبائل التي كانت تعلق على باب الخيام بدأت تختفي، وهو ما يوحي بأن مجاميع بأكملها قد غادرت الميدان إلى مكان ما.
كذلك اختفت دقات البرع التي كان يرقص على وقعها مؤيدو الرئيس ومحبو الرقصة من خارج المخيمات، كما بحّت أصوات أصحاب الزوامل الذين كانوا يجوبون الساحة وهم يصيحون بكلمات مديح للرئيس ونظامه.
الغريب أن صور الرئيس التي كان يحملها كل فرد في هذه الساحة مع هراوة في اليد الأخرى، بدأت تتلاشى، ولم تعد الصورة متواجدة سوى في أيدي البعض، ومعلقة على عدد من الخيام. قد يحمل هذا المشهد دلالات مفادها أن الرئيس لم يعد مقبولاً حتى هنا، وأن مغادرة هؤلاء الساحة مرهونة باختفاء آخر صورة للرئيس علي عبدالله صالح.