اليمن صديق الصوماليين.. قصة الدور اليمني الناقص في الصومال

اليمن صديق الصوماليين.. قصة الدور اليمني الناقص في الصومال - أحمد الزرقة

يثير وصول شيخ شريف محمد -رئيس مجلس شورى المحاكم في الصومال- إلى صنعاء وتفضيله اللجوء السياسي فيها، الكثير من علامات الاستفهام عن حقيقة الدور اليمني في الصومال خاصة بعد رفض الاول عرضاً كينياً بالبقاء في أراضيها وممارسة نشاطه من هناك لكنه فضل الانتقال إلى صنعاء التي قدمت له عرضاً بالإقامة فيها دون شرط أو قيد. شريف تجاوب مع ذلك العرض سريعاً وحزم أمتعته هرباً من الضغوط التي كانت تمارسها ضده الولايات المتحدة الأمريكية من خلال مطالبتها له عبر سفيرها في نيروبي بالتخلي عن المحاكم التي يرأسها والتي يعد من أبرز مؤسسيها إلى جانب طاهر عويس الذي تتهمه أمريكا بأنه يمثل القاعدة في الصومال وأنه التقى بابن لادن ثلاث مرات لكن دون أن تقدم دليلاً مادياً على ذلك. ويدرك شيخ شريف أنه في صنعاء سيكون أقرب إلى مقديشو وأن مطار صنعاء يبدو أقرب سياسياً لمقديشو ورئيس حكومتها الانتقالية الذي يرتبط بعلاقات ود واضحة مع الرئيس صالح الذي يمتلك خطوط تواصل مع جميع الاطراف المتصارعة في الصومال بدليل مشاركة اليمن في جميع الحوارات التي دارت بين الفصائل الصومالية منذ سقوط نظام سياد بري عام 1991م، كما أن اليمن استضافت خلال العام الماضي مؤتمري مصالحة بين الفصائل الصومالية. وتبدو صنعاء أكثر مصداقية من دول محيط الصومال والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بل وحتى الجامعة العربية من أجل حل المسألة الصومالية التي طال سكوت المجتمع الدولي عنها. وتتحمل اليمن بصبر عجيب المشاكل الناجمة عن تدفق آلاف الصوماليين على شواطئه. وتتميز اليمن عن دول الجوار الصومالي بأنها ليست ضمن الصراعات الاقليمية هناك ولم تتورط بشكل مباشر في تلك النزاعات. على العكس من دولة أثيوبيا التي خاضت ثلاث حروب مع الصومال، ايام حكم سياد بري على اقليم اوجادين المتنازع عليه والذي ضمته اثيوبيا إليها عقب استقلالها، أو كينيا التي إقتطعت إقليم (إن. إف. دي)، أو جيبوتي التي كانت تعرف بالصومال الفرنسي ولم تتورط في الصومال مثل الولايات المتحدة الامريكية التي دخلت قواتها إليه عام 1993م تحت مسمى إعادة الامل وانسحبت بعد مقتل عدد من جنودها على يد قوات الجنرال محمد فارح عيديد الذي تحالف مع الإسلاميين حينها لإخراج القوات الأمريكية من الصومال. واليمن تفهم جيدا طبيعة الصراع في الصومال بسبب تشابه البنية القبلية بينهما وتلك النقطة التي لم تدركها الولايات المتحدة الامريكية عندما تدخلت في الصومال. ويبدو الدور اليمني واضحاً وجلياً للعيان إذا أدركنا أن اليمن كانت حاضرة في مؤتمر المصالحة الذي استضافته مدينة "عرت" في جيبوتي عام 2000م والذي استمر لمدة ستة أشهر وانتهى بتنصيب الرئيس عبد القاسم صلاد رئيساً للحكومة الانتقالية وهي الفعالية التي حضرها الرئيس اليمني علي عبد الله صالح ودعا خلالها الأطراف والفصائل الصومالية لإنهاء سنوات الاقتتال بينهم، وأبدى إستعداده لدعم تلك الحكومة التي لم تستمر طويلاً ليدخل الصوماليون مؤتمر مصالحة خلال 2002 - 2004 في نيروبي والذي أسفر عن تنصيب الرئيس عبد الله يوسف رئيساً للحكومة الفيدرالية الانتقالية. وكان مندوب اليمن حينها والسفير الحالي في الصومال أحمد حميد عمر موجوداً في تلك المحادثات وممثلاً لليمن. وفي القمة العربية التي عقدت في الجزائر مطلع عام 2005م تبنت اليمن طرح الملف الصومالي ضمن جدول إجتماعات القمة ونجحت اليمن في الخروج بتوصية تنص على دعم حكومة عبد الله يوسف بمبلغ ستة وعشرين مليون دولار تتقاسم دفعها الدول العربية وسلمت اليمن مبلغ 500 الف دولار هي حصتها من تلك المعونة وإلى اليوم لم تقدم الدول العربية.
منتصف العام الماضي إتهمت الولايات المتحدة الامريكية اليمن بخرق قرار مجلس الامن الذي ينص على عدم تزويد الفصائل الصومالية بالأسلحة وهو ما نفته اليمن على لسان وزير خارجيتها الدكتور أبو بكر القربي الذي قال ان اليمن لم تخرق ذلك القرار بل قامت بتزويد قوات وزارة الداخلية الصومالية بعدد من الأسلحة الشخصية والملابس العسكرية بهدف مساعدة الحكومة الصومالية على إرساء دعائم الأمن في العاصمة مقديشو.
وبحسب مراقبين فإن الدور اليمني أثار حفيظة الجانب الامريكي بسبب فشله في إقامة أي علاقة مع الاطراف الصومالية وفشل تحالف امراء الحرب الذين دعمتهم في تأسيس تحالف السلام ومكافحة الحرب، الذي قام به أمراء الحرب في نوفمبر 2005م وهو التحالف الذي دعمته امريكا والاتحاد الاوروبي والذي كان عدد من قادته هم أعضاء في الحكومة الانتقالية لكنهم منو بهزائم كبيرة أمام قوات المحاكم التي تمكنت من طردهم من العاصمة وبالتالي من إنهاء ذلك التحالف.
كما أن الموقف الامريكي من الدور اليمني كان يهدف من أجل الضغط على الحكومة اليمنية لتدلي بالمعلومات التي تمتلكها عن الصراع في الصومال إلى معرفة أخطائهم في الصومال. وهو ما قاله لي في مقديشو حسين عيديد الذي كان نائباً لرئيس الوزراء وزيراً للداخلية، من أن الأمريكان إستفادوا من تجربة اليمن في تعاملهم مع الصومال بعد أن جلسوا مع المسؤولين اليمنيين.
يقول العديد من المسؤولين الصوماليين الذين إلتقيت بهم في مقديشو إن الرئيس اليمني يفهم الوضع في الصومال وأنه على معرفة دقيقة بأدق التفاصيل هناك ويعرف جيداً القبائل والعشائر الصومالية ويعرف انتماءات الزعماء السياسيين القبلية هناك. وبحسب الرئيس عبد الله يوسف فإن الرئيس صالح يتابع دوماً أدق التفاصيل والتطورات في الساحة الصومالية. ذلك الاهتمام اليمني بالوضع في الصومال جعل اليمن تعين سفيراً لها بداية عام 2006م وهو على دراية تامة بالملف الصومالي الذي كان مسؤولاً عنه في وزارة الخارجية لما يزيد على عشر سنوات وله علاقات جيدة مع جميع الاطراف في الصومال. وتوجت اليمن علاقتها تلك بافتتاح سفارتها في العاصمة مقديشو منتصف شهر يناير الماضي كأول سفارة عربية وأجنبية هناك منذ سقوط الدولة منذ عقد ونصف. وقد عبر العديد من الصوماليين عن سعادتهم بافتتاح السفارة وعدوه دليلاً على استقرار الأوضاع في مقديشو ومقدمة لعودة المزيد من السفارات ودليلا على نجاح الحكومة الانتقالية في فرض سيطرتها على العاصمة مقديشو.
وبحسب معطيات الواقع فإن اليمن تمتلك فرصة ثمينة للقام بدور أكبر في الملف الصومالي أساسه ترحيب جميع الاطراف الصومالية بالمبادرات اليمنية. حيث عبر الرئيس عبدالله يوسف عن تطلعه لمشاركة قوات يمنية في عملية حفظ السلام في بلاده في حال تمكنت من ذلك وهو الأمر الذي لا ترى فيه صنعاء ضرورة في الوقت الحالي حيث تفضل البقاء في خانة الراعي لجميع الأطراف مع تأكيدها على دعم الحكومة المنتخبة.
ويثمن الصوماليون عالياً وقوف اليمن إلى جانب بلادهم خلال سنوات الصراع التي عصفت بالصومال ونتج عنها تشريد ما يزيد على اربعة ملايين صومالي تستضيف اليمن حوالي نصف مليون نازح بل ولا يتحرج المسئولون هناك من التباهي بعلاقتهم باليمن والاعتزاز بجذورهم الممتدة إليه.
الجانب الأمريكي تنبه مؤخرا لأهمية اليمن كلاعب سياسي هام في الصومال وهو ما جعل نائبة وزيرة الخارجية للشؤون الأفريقية تزور عدن يناير الماضي وتحضر لقاء المصالحة الذي نجم عنه الاتفاق على إجراء لقاء بين المؤسستين التشريعة والتنفيذية والاتفاق على ان يتم اللقاء في مدينة بيدوا المقر الموقت للحكومة الانتقالية والبرلمان الصومالي، وهو اول لقاء يعقد منذ اكثرمن عشرة شهور بين المؤسستين ومنذ بسط المحاكم الاسلامية سيطرتها على مقديشو. وأثنت على الدور اليمني خلال لقائها الرئيس صالح مؤكدة في الوقت ذاته على اهمية استمرار اليمن في دعم جهود إحلال السلام ورعاية الحوار بين الفصائل الصومالية. جاء بعدها إعلان اليمن عن وصول حوالي أربعين شخصية من قيادات الصف الثاني في المحاكم ومن وصفتهم بالمعتدلين ولم يبد الجانب الامريكي او الحكومة الصومالية أي إمتعاض من الترحيب اليمني بهم.
ويأتي وصول شيخ شريف أحمد على صنعاء ليؤكد أن اليمن على أعتاب فتح جولة جديدة من الحوار بين الحكومة الصومالية الانتقالية والمعتدلين من قادة المحاكم خاصة بعد إعلان الرئيس عبد الله يوسف عن استعداد حكومته للتحاور مع المعتدلين من قادة المحاكم. وبحسب الوصف الأمريكي لشيخ شريف أحمد فإنه من القادة المعتدلين في المحاكم الإسلامية ويبقى الحوار معه مطلبا أمريكيا على عبد الله يوسف أن يستجيب له. ويُعرف عن شيخ شريف أحمد أنه شخصية لها شعبيتها وسط قبيلة الهوية التي تحكمت في مصير الصومال وأشعلت العديد من الحروب في الصومال وينتمي لها غالبية قيادات المحاكم الاسلامية وعدد كبير من أمراء الحرب.
ويبقى السؤال الاكثر أهمية هو: هل تنجح اليمن في تقريب وجهات النظر بين يوسف وشريف؟ وهل يقبل رئيس مجلس شورى المحاكم دخول المفاوضات مع الحكومة بعيدا عن قادة المحاكم الآخرين وعلى الاخص رجل المحاكم القوي حسن طاهر عويس؟ أم أنه سيشترط ان يتم التفاوض والتصالح مع المحاكم كتنظيم سياسي وبالتالي تدخل المحاكم كطرف في عملية المصالحة؟ هذا ما ستكشفه الايام المقبلة.