وعن العلاقات الخارجية أيضا.. منظمات المجتمع وإبقاء اليمن مواطنا صالحا للحياة

وعن العلاقات الخارجية أيضا.. منظمات المجتمع وإبقاء اليمن مواطنا صالحا للحياة - نبيل الصوفي

رغم أن فكرة مقالي الأسبوع الماضي عن علاقات اليمن والعلاقات الخارجية بدأت فكرته أثناء حضوري مشاركات باسم اليمن "الخاص" في عدد من الفعاليات في دول عربية وأوربية مؤخراً، بترتب من منظمات مجتمع مدني، فللأسف أن مقالي –سالف الذكر- انتهى دون الحديث عن هذا الجانب الهام إلا ملحقا بأداء السفارة الأميركية بصنعاء.
لقد مثلت منظمات المجتمع المدني فضاءً رحباً للديمقراطية اليمنية، حمتها من الضمور، ووسعت آفاقها، وأبقتها بضاعة يمنية كادت انتصارات 94 أن تغلق كل "دكاكينها".
ومع الضمور المريع الذي تشهده المؤسسة الرسمية المدنية اليمنية لصالح قوى متنازعة على كل شيء إلا على تقاسم النفوذ فيما بينها، فقد كانت هذه المنظمات وحدها التي قاومت وأد اليمن حيا.
لقد أبقت مشاركات منظمات المجتمع المدني اليمنية اسم اليمن حاضرا في كل محفل، ووحدها من حمت انتماء اليمن للديمقراطيات الناشئة، والذي أثمره مؤتمر الديمقراطيات الناشئة الذي يعود الفضل الأول في نجاحه للمعهد الوطني الديمقراطي، وتاليا المؤسسة الرسمية المدنية في اليمن.
إن هذه المنظمات تستحق كل التقدير والشكر على جهود قاومت كثيراً من المعوقات، ويمكن، لولا أجواء الانتخابات الأخيرة وشعارها نحو "اليمن الجديد"، لكانت أصبحت مجرَّمة دستورا وقانونا. خاصة وقد أسس لها جهاز خاص هو جهاز الأمن القومي الذي تسلَّمه مدير مكتب رئاسة الجمهورية، الرجل الدؤوب، بمعنى أن نشاط هذه المنظمات استقطب اهتماما حقيقيا من أعداء العلاقات الخارجية الذين يشعرون بالتوجس من كل "خارج" مع أن اليمن وحضورها الإنساني رهن بكل هذا الخارج، ويمكن لولا نزعة الرئيس علي عبدالله صالح للحركة الدائمة تجاه مختلف دول المحيط، وعدم تغليبه –منذ تولى الحكم- الحلول الأمنية، لكان تمكن الأمن القومي من إعادة اليمن إلى ذات الظروف التي عاشتها أيام حكم الإمام يحيى -رحمه الله- حيث أنه اعتقل اليمن خوفا من سلبيات الانفتاح على الخارج، وكان ذلك لقناعات فكرية ودينية ووطنية وليس مجرد تخلف أو رغبة في القمع.
مع وجوب التنويه هنا بأن أجواء الانتخابات الأخيرة، وعودة الرئيس علي عبدالله صالح للوديان والقفار التي قطعها ملتقيا بيمنيين كاد مقيل صنعاء أن يلغي وجودهم أصلا، هذه الأجواء حمت جهازا مهما كـ"الأمن القومي" من نزعات كان يمكن أن توصله ليصبح شبيها بأجهزة "أمن الدولة" في الدول الأيدلوجية التي غادرت اليمن مربعها مع انتهاء فترة محمد خميس - رحمه الله رحمة واسعة. (أعتذر هنا لمن طالهم ذلك النهج بعد ذلك، غير أني أعتقد –وفقا لماتوفر لي من معلومات- أن تلك الممارسات تضاءلت كثيرا ولم تعد السياسة المعتمدة الأولى منذ تأسيس صحيفة الأمل في سياق التسوية مع اليسار، وتأسيس المؤتمر الشعبي العام الذي أفرج عن تعددية الرأي السياسي وإن واصل تجريم التعددية التنظيمية حتى قيام الوحدة).
ورغم اتفاقي وكثير من النقد الذي يتوجب توجيهه لمنظمات المجتمع المدني، التي تدعو للمؤسسية وهي عبارة عن شخص واحد يدير كل شيء، وعن الحقوق وهي لاتقيم لحقوق العاملين معها وزنا، وللتعددية وكل مؤسسة منها تسعى لإقصاء كل من وما يختلف مع مسؤولها الأول، ومع سوء إدارتها للاحتياجات اليمنية بسبب عجزها عن توطين التمويل، وهدرها التمويل في مجرد ندوات "يمكن تسميتها بالمقايل الحديثة"، واستعداد كل منظمة منها التصدي لكل قضية طالما توفِّر لها تمويلا، فإن من المعيب حصر كل جهود هذه المنظمات في "الشيكات التي تستلمها" أو حتى في "كونها قناة لترويج أفكار الخارج.
إن أداء هذه المنظمات يستحق –مع إبقاء المطالب الإصلاحية منها حية وملحة- تكريمها وبصوت عالٍ، لأنها هي من تصدت لإبقاء اليمن "مواطنا صالحا" في العالم كما كان يقول د.عبدالعزيز السقاف - رحمه الله.
صحيح أن ثمة خللاً في علاقة هذه المنظمات بالمؤسسة الرسمية، غير أن ذات الخلل أصلا قائم بين غالب مكونات المجتمع اليمني بسبب حداثة التجربة التي تعيشها اليمن، وبسبب افتقار الطموحات المعلنة للدعم الاجتماعي الذي يظل مأسورا لأسباب ليس هنا مجالها لخبرة مناقضة وهذه الطموحات.
ويصبح، وطالما نحن نتحدث عن أداء منظمات قامت بواجبات لو لم تقم بها لكانت اليمن توارت مبكرا عن أنظار العالم ومن ثم عن سمعه أيضا، يصبح الأمر مدعاة لمزيد من التقدير.
nbil