"130"سيارة مرسيدس تُزيِّن موكب رئيس الجمهورية،فيما عدد أَسرَّة غسيل الكلى 20 سريراً.. !!

"130"سيارة مرسيدس تُزيِّن موكب رئيس الجمهورية،فيما عدد أَسرَّة غسيل الكلى 20 سريراً..!!

مُخُّ التعاسة أن تغادر منزلك، مستوطناً سبع بلاطات من ممرّ عام.
التعاسة ذاتها، أن يبلغك الطبيب بالحُكم التالي: أنت مصابٌ بفشل كلوي. زدْ على ذلك، منِّي، حُكماً أبشع: لست في هولندا، أنت في اليمن.
 بلد يأكل ساكنوه الجراد. يُدمن ساستهُ الرَّغي. فيما يُجهز مسؤولوه على القروض والمال العام.
 بلد بلغ فيه الفساد سن النبوءة. فيما مركز السرطان -المُمول، أصلاً، من جيب القطاع الخاص- يحبو: ابن سنة أو تزيد!
 عمر السرطان (المرض) في اليمن، يضاهي عشرات المرات عمر السرطان (المركز)، تصوّورا أن يحدث هذا!! وفي موازاته، يُسجل العالم، ممتناً، اكتشاف ميكانيزم السرطان، باسم الدكتور خليل عبدالعزيز العريقي، العامل، منذ أَمَد، في مستشفى القلب ببرمنجهام.
 السرطان مُرعب. الفشل الكلوي رُعبان: رُعب إرهاق المريض وأسرته، نفسياً وجسدياً، ورعب الفتك، طبعاً، حال مرّ اسبوع زمن، دون ثلاث جلسات غسيل.
 في اليمن، خلافاً للعالم، خُفضت جلسات الغسيل إلى جلستين، في أحسن الحالات وأوفرها حظاً، وإلى جلسة واحدة، يكون على عاتقها استعادة مريض تعب من موت محقق! ولهذا السبب لا يمارس غالبية مرضى الكلى حياتهم بشكل طبيعي.
 في اليمن، لا توجد مياه نقية للشرب! وتوجد ديناصورات فساد.
تحقيق : محمد العبسي  absi 
وتصوير:  أحمد المقولي
 
فارق كذب
مستشفى الثورة الحكومي، قياساً بالأُخريات، أفضل: كادراً ونظاماً وقدرة استيعابية: أظنه الوحيد الذي لا تُذكّرك صالة طورائه ب «باصات» الحصبة، ظهيرة كل يوم!
 في الجهة الغربية منه، يقطن مركز القلب والكلى: مُتقابلان وجهاً لوجه، طاروداً لآخر، بؤس المرافقين واحد.
 ينم كلا المركزين، شكلاً ومحتوى، عن لمسة «مودرن»، في التخطيط والادارة على حد سواء، وعن رغبة حقيقية في تقديم خدمة موجبة لمريض بلا تأمين صحي، في بلد، دخْل الفرد فيه أكثر من حقير!
 مرضى المشفى، ككل، في كفّة. ومرضى المركزين، في كفة أخرى. إذ يقصدهما المرضى من مختلف «شوالات» الجمهورية، سيما مركز الكلى الذي يعمل بطاقته القصوى: 24 ساعة في اليوم دون توقف أو فرملة: 20 ساعة فعلياً.
 افتتح المركزين، طبعاً، رئيس الجمهورية، صبيحة 27 سبتمبر 2004م. وقف هنا، في هذا الطارود المكتظ يومياً بالمرضى والشهقات، وقال، بالحرف الواحد: «الانسان هو الأهم وليس الآلة».
 طبعاً، لا حاجة للخوض في مضمون الخبر «النينجا» الذي بثته وكالة سبأ صباح اليوم التالي. هذه نتفة صغيرة من شطحاته: ذكر الخبر أن القدرة الاستيعابية للمركز تبلغ 130 سريراً. فيما القدرة الاستيعابية، كما سيأتي تفصيلاً، لمركز الكلى والمسالك البولية، مجتمعين، 79 سريراً لا غير! وبالتالي، 130-79 =51 جهازاً/ سريراً «فارق كذب».
 وإذ كان النظام يكذب بنسبة تتجاوز 40٪_ في مركز للكلى؛ فبأي نسبة سيكذب عندما يتعلق الأمر بحقول لا متناهية من النفط أو غيره من الثروات الغاطسة؟!
 إن المغالطة غريزة متجذرة في النظام، والشواهد، بالجملة والتجزئة: 1 - نُضوب النفط عام 2010، كحقيقة رسمية، في مقابل دراسة علمية للخبير الدولي عسكر علي حسين، يذهب فيها إلى طمأنة اليمنيين، كافة، من غد مجهول، بتوكيد حقيقة غير متداولة. إنكم تجلسون على مليونيْ برميل نفط. 2 - الإحصائية الأخيرة لعدد سكان اليمن، كذلك، كعينة ثانية: يومها خرجت ثلاث صحف رسمية، هي: «الثورة، الجمهورية، الوحدة»، بثلاثة مانشيتات متناطحة، الفارق السكاني بين احصائية كل صحيفة، على حدة، مليون نسمة.. ببساطة لأنها على صلة بهبات وقروض المانحين. 3 - مرضى الكلى.
 
 إذ يجمع الله
 بين عُسرين!
 
كان يجب على «فيكتور هوجو» أن يكون يمنياً. كان يجب، بالتالي، أن يكتب روايته الشهيرة «البؤساء»، على كرسي ما، هنا، في مستشفى الثورة.
 لا يطاق مركز الكلى! هناك تتحقق، قبل أوانها، الآية الكريمة: «وترى الناس سكارى وماهم بسكارى»!
 يتحول المرضى، مُجبرين، إلى مشارعين وهتيفة محاكم. فيما يتحول العاملون في القسم، مجبرين مرتين، إلى حُراس للمرمى الحكومي تارة، وإلى شِبَاكٍ تتلقى أقذع الشتائم والسب.. تارتين!
 في الخارج، يقضي المرافقون أزيد من أربع ساعات، تكون، أعنفها، حادية عشرة كل ليلة، في انتظار ذويهم، بين البرد وبلياردو القلق.
 نقالات وكراسي، روشتات وأدوية، ويحمل حارس القسم الشاب سلسلة مفاتيح «فالصو»: لا تفتح ولا يستفتح بها! يحمل، أيضاً، في جوفه، كلمةً: لعنة،طعنة، حرشة، مدببة الرأس كصميل. كلمة تردُّ، عشرات المرضى.. باليوم.. بالساعة.. بـ«مليان»!
 «مليان»! قالها بخجل وخوف. الخجل: من نفسه، منا، من أشجار الفيكاس في الخارج، من قربة بول مدلاة بين ساقي مريض. أما الخوف، فمن دعوة مجهولة، يخشى أن يبعثها مريض ما، إلى بريده الالكتروني، على هيئة.. فَيرُس!
 «مليان».. تُفحِّط في أذنيك كطقم مُسرع!
 «مليان».. مطْيبة أسيت على الوجه.
 لا يجمع الله بين عُسرين: المرض و«مليان».
 
 سرير لكل 13 مريضاً!
 
أصل القصة، أن اجهزة غسيل الكلى، غير متوفرة لدى مستشفيات القطاع العام، إلا في اثنين: العسكري والثورة. الأول له ربٌ يحميه وعسكر. أما الثاني، فيحُجُّ إليه الناس من اكثر من 14 محافظة موبوءة.
 يبلغ عدد اجهزة الغسيل في «العسكري» 31 سريراً: 13منها في عسكري صنعاء، 10 في عسكري تعز، و8 أسرة في مستشفى باصهيب في عدن!
 لـ«الثورة» وضع آخر: تبلغ عدد الأجهزة، في سبع محافظات، دون العاصمة، قرابة 70 سريراً، تتوزع على النحو التالي: إب (10 أسرة). تعز (10) الحديدة (15)، وسيتم توسعة مركز الحديدة إلى 28 سريراً باعتبارها من اكثر المحافظات الموبوءة.
 11 سريراً في جمهورية عدن، 18 سريراً في المكلا والقطن، معاً، بدعم من فاعل خير (بقشان).إضافة إلى مركز بائس في مستشفى السلام بحجة، لا يغطي مرضى المحافظة، لانه يعمل لساعات بسيطة في اليوم على خلاف المراكز الأخرى.
 إذن، سبعون سريراً، في المحافظات، زائد عشرين في المركز الأم بالعاصمة، يساوي 90 سريراً.. (إجمالي عدد اجهزة الغسيل في بلد يبلغ عدد سكانه عشرين مليون نسمة)!
 90 سريراً فقط. ترى كم عدد المصابين بالفشل الكلوي، تحت الغسيل؟
 لا توجد أية دراسة بهذا الصدد، لا من قبل وزارة الصحة ولا المنظمة الصحة العالمية. جمعية الرحمة الخيرية (الله يفتح عليها) قامت بإجراء دراسة لا بأس بها، معتبرة أن عدد مرضى الفشل الكلوي، الخاضعين للغسيل، 1200 مريض فقط. الرقم متواضع. إلا أنه عند قسمته على عدد اجهزة الغسيل الموجودة في مختلف المحافظات، وهو 90 سريراً، سيبدو رقماً كارثياً! وهو بالفعل كارثي؛ لأن 1200/90=13.3أي بمعدل 13 مريضاً وثلث للسرير الواحد.
 
مشكلة اليمن انها بلا كليتين
 
يستقبل المركز الرئيس، قسم الغسيل (الاستصفاء)، المكوّن من عشرين سريراً فقط، بين 96 إلى 100 مريض يومياً، من أصل 310 مرضى مسجلة اسماؤهم في دفاتر الحجز بالمركز.
 أين يذهب المائتا مريض الباقون؟
 أين يذهب المرضى الجدد غير المسجلين!؟
 أمام المريض خياران لا ثالث لهما: البقاء في طارود المستشفى.. أو البكاء في طارود المستشفى.
 التفكير بذهنية برجوازية غير وارد في هكذا حالات. إذ لو قرر المريض الذهاب إلى مستشفى خاص، مضطراً، فإن جلسة الغسيل الواحدة تكلفه «100 $: ون هندرد دولار».
 أي 900 $ في الشهر، في حالة غسلتين اسبوعياً، 1300 $، في حالة ثلاث غسلات كما هو مفترض وملزم طبياً.
 الكلى «فلتر» الجسم. تقوم حبتا الفاصوليا هاتين، بتصفية الدم وتنقيته من مختلف السموم والسوائل الضارة. وبالتالي، يتوجب على فاقد الكليتين، اخضاع دمه إلى غسيل صناعي 3 مرات اسبوعياً، بمعدل 12 ساعة بالاسبوع، اربع ساعات بالجلسة. مالم فان نسبة السموم في الدم، ترتفع، بسرعة فادحة، مؤدية، في مجملها، إلى مضاعفات، أريحها الموت!
 مرضى الكلى في البلدان النامية، يخضعون لثلاث جلسات غسيل في الاسبوع. في اليمن: غسلتين، بشقِّ الأنفس، للمحظوظين، فقط، والصابرين، فيما غالبية المرضى، أو جزء كبير منهم، يقنعون بالغسلة اليتيمة.
 لهذا مضاعفات خطرة: غيبوبة تجتاح المريض، اختناق، اصفرار الجلد، انتفاخات مائية في الجسم.. إلخ.
 يضطر اطباء مركز الكلى، مشكورين، في الحالات جد حرجة، إلى معالجة انسانية الدافع، عزرائيلية الناتج: يقومون باستبدال مريض في منتصف جلسة الغسيل، بآخر في منتصف حلقوم الموت، معرضين حياته للخطر، وأنفسهم للمساءلة.
 يعرف الأطباء أن كلا المريضين عرضة للموت، ولا يعرفون ماذا بوسعهم غير التعليق بقول أحدهم: «الله يلعن ابوها مهرة»!
 تخيلوا أن يفارق احدهم الحياة حينها، وهذا وارد بنسبة 100٪_!
 ماذا نسمي ذلك؟
 استهدافاً للمؤسسة العسكرية؟!
 تآمراً على منجزات الثورة والوحدة؟
 ام انه النظر بنظارة سوداء؟!!
 التآمر الحقيقي ان يكون عدد اسرة الغسيل، قسم الاستصفاء، بمستشفى الثورة، 20 سريراً، فيما تُزيّن موكب رئيس الجمهورية 130 سيارة مرسيدس! دون: الحبَّة، الجيب، اللندكروزر... الخ.
 التآمر الحقيقي أن يُزهق قرض بواقع مليار وثلاثمائة مليون، بكل هبالة، لتجديد اسوار مقابر العاصمة صنعاء!! شر البلية ما يفعل هؤلاء! 
  في أي بلد نعيش؟! أما كان مرضى الكلى أحق بها من خلال توسعة، وإضافة، مراكز الغسيل.
 هذا قرض، من عشرات القروض والهبرات، وفارق سعر النفط، الذي ذكره النائب علي عشال في حديث صحفي صادم!
 مشكلة اليمن انها بلا كليتين: جسم يحبس السموم. فالفاسدون في إقامة جبرية على كراسيهم الدوارة، فيما الثروات تُرعَّف على مرأى ومسمع من الجميع!
 
الزراعة والتحضير.. يمنيان
 
بحثت، في المركز، عن الدكتور نجيب أبو أصبع رئيس قسم الكلى، فقيل لي إنه يقضي دوامه الصباحي في العيادة الخارجية. هناك، وجدت الرجل محاطاً بالمرضى من كل جانب كما لوكان «بابا نويل» ليلة رأس السنة!
 استند على كرسيه قائلاً: «نعمل 24 ساعة في اليوم وهذا مخالف للنظام العالمي». ثم تحدث بمرارة عن الزحام الكابوسي، عن لحظات «حريق الدم» التي يتعرض لها بشكل يومي، وعن دور الحكومة الايجابي في تطوير المركز، ورفده باحدث التجهيزات الطبية، واكثرها تقنية، بما يتناسب مع امكانات مستشفى الثورة المرجعي.
 يتكون مركز الكلى والمسالك البولية من ستة اقسام رئيسة، هي:
 1 - وحدة الاستصفاء الدموي «الغسيل» بقدرة استيعابية 20 جهازاً.
 2 - قسم امراض الكلى بقدرة استيعابية 29 جهازاً.
 3 - عناية مركزة بقدرة استيعابية 8 أجهزة.
 4 - وحدة الغسيل البريتوني بقدرة استيعابية 8 أجهزة.
 5 - قسم المسالك البولية بقدرة استيعابية 24 جهازاً.
 خلال الأعوام الماضية، سجل مستشفى الثورة، نجاح 21 حالة زراعة كلى، تم زراعتها من قبل كادر طبي يمني مؤهل، غير ان جميعها كانت «تُحضَّر» خارج البلاد: في مركز أمراض كلى المنصورة بجمهورية مصر الشقيقة.
 «بعد افتتاح مركز الكلى تغير الوضع -والحديث للدكتور ابو اصبع- صارت عمليات الزراعة والتحضير يمنية. وقد نجح المركز خلال فترة وجيزة في تسجيل خمس حالات زراعة كلى كان آخرها قبل 3 اشهر».
 ويضيف: «الحالات الخمس الأخيرة حُضِّرت بالكامل داخل أروقة المركز بما في ذلك الأنسجة»، منوها: « هذه عمليات دولية تحتاج إلى تجهيزات طبية عالية وفريق طبي عالي الكفاءة».
 يختلف الفشل الكلوي عن السرطان بعدة اشياء نذكر ثلاثاً: 1 - إنه، أي الفشل، أكثر انتشاراً من اللوكيميا. 2 - الفترة الزمنية بين جرعتين علاجيتين قصيرة جداً. 3 - انه مرض قابل للشفاء بنسبة 100٪_ في حال توفرت الامكانات.
 ولهذا السبب يدعو رئيس قسم الكلى «فاعلي الخير إلى إنشاء مراكز مماثلة» معللاً ذلك بالقول: « لو تسنى لمريض الكلى أن يحظى بثلاث جلسات غسيل في الاسبوع، فإنه سيكون إنساناً طبيعياً منتجاً في حياته وأسرته وعمله».
 
الحياة تحت رحملة « فلتر» ب40 $
 
للإصابة بالفشل الكلوي عشرون سبباً. بيد أن علاجه واحد: الغسيل، دون ملل،لمدة مفتوحة: سنة، سنتان، عشر.. يعتمد ذلك على صبر المريض..وجيبه!
 تبدأ معاناتهم هكذا: يمد المريض جسده المتعب، على سرير متعب هو الآخر، هنا، مدة أربع ساعات، كل ثلاثة أوأربعة أيام.
 من وريد في اليد أو الرقبة يخرج دم المريض، كله، حتى آخر قطرة، ثم يعود إلى الجسم، بعد تنقيته من السموم والسوائل، عبر شريان يدوي ايضاً.
 اثناء ذلك, يمر الدم بمصفاة زجاجية، لا يتجاوز ارتفاعها 15سم، وعرضها5سم تدعى «فلتر» وتبلغ قيمتها، مع مستلزمات اخرى صغيرة، 40$، يرتبط مصير الفرد وأسرته بهذه العلبة!
 «يستخدم الفلتر مرة واحدة لمريض واحد» يقول الدكتور ابو اصبع، أي بمعدل 100 فلتر في اليوم، على اعتبار أن المركز يستقبل هذا الرقم، وهذا يكلف مستشفى الثورة، ممثلاً بالمركز، 4000$ يومياً لا تشمل اجور الاطباء والمهندسين وبقية العاملين ولا يتحمل المواطن منها اي عبء يذكر ف« الغسيل مجاني، والرقود رمزي جداً».
 في الهند، وبلدان أخرى، يتم استخدام الفلتر أكثر من مرة، بعد تعقيمه طبعاً، غير أن في ذلك مجازفة كبيرة بأرواح الناس.
 قبل سنة ونيف دوّj     في عدن فضيحة طبية، تم نقل دم مصاب بفيروس الإيدز إلى مريض سليم، بسبب خطأ ارتكبه مختص التحاليل في مستشفى الجمهورية تقريباً.
 يخشى مرضى الكلى الوقوع في «بلوة» كهذه غير أن الاجراءات الوقائية في المركز باعثة على الاطمئنان. اذ أن فحوصات شاملة تجرى للمريض أولاً. فضلاً عن الأقسام المعزولة مثل وحدة الغسيل البريتوkي المخصص للمصابين بفيروس الكبد: ا لفيروس c     على حدة والفيروس B     على حدة وهو الأخطر والأقوى من حيث القدرة على العدوى.
 
يوميات مرضى.. ومرض!
 
بمبادرة شخصية من الدكتور احمد العنسي مدير عام مستشفى الثورة تم استئجار مسكنين مجاورين للمستشفى تحت مسمى «جمعية اصدقاء مرضى الكلى»، خصص الأول للنساء، والآخر للرجال ويتكون كلاهما من ثلاثة طوابق شعبي.
 يؤوي مسكن الرجال 17 مريضاً -النساء كذلك- يتشاطر كل ثلاثة منهم غرفة، إضافة إلى اثنين ينامان، كلاً على حدة، في صالة مظلمة لا يتجاوز عرضها متراً ونصف المتر، في الدورين: الثاني والثالث.
 
 محمد نجم علي.. 25 سنة غسيل
 
زرت سكن الرجال مساء. صعدت درجاً أثرياً، مستعيناً بضوء الهاتف. هناك كان محمد نجم علي (45سنة) ممدداً على سريره، وإلى جواره، عربة إعاقة، سيقول لي لاحقاً انها تقله إلى المستشفى.
 جميع المرضى هنا يحملون كروتاً، بموجبها يتم دخولهم المركز مباشرة، دون حجز أو ما شابه، وحتى يحصل مريض ما على كرت مشابه فلا بد من وفاة احد هؤلاء. الموت لا الوساطة تمنح الكروت هنا.
 أصيب «نجم» بالفشل الكلوي قبل 25 سنة. كان يومها في السعودية، قبل ان تشهر ازمة حرب الخليج الثانية، كروتها الحمراء في وجوه كثير من المغتربين اليمنيين.
 هذا الرجل من ضحايا صدام حسين!
 يتحسر الرجل على أيام السعودية. كان هناك يحظى بثلاث جلسات غسيل في الاسبوع. عاد إلى «الوطن» فانهدت صحته، إذ يروي ان النصف الاول من تسعينات القرن الماضي، كانت جلسات الغسيل اليمنية مرة في الاسبوع ولمدة ساعتين او أقل وليس أربع! ولهذا السبب يعتقد أن صحته وصلت إلى ما هي عليه.
 الرجل «قانع»! تهربت من النظر إلى عينيه بجرد محتويات الغرفة: سرير، فرشان، شولة، صرصوران، إضافة إلى قطمة سكر من فاعل خير، تخيلوا من يكون!؟ مؤسسة الصالح الاجتماعية الخيرية.
 يا إلهي كم هو صبور: منذ 25 سنة يغسل دمه دون ملل، كل 3 أيام!
 
 منير القدسي.. تشرد أسرة!
 
في الجهة الخلفية لبوابة المركز، وجدت الحاج سعيد عبدالله القدسي وأسرته. للرجل قصة مريرة مع المرض!
 أصيب ابنه المعاق حركياً منير (15 سنة) بالفشل قبل تسع سنوات. تغيرت، من يومها، حياته وأسرته!
 فالحاج سعيد -ذو الشعر الابيض- مستقر في قريته «قَدَس»، هناك نشأ وهناك كوّن اسرة، لينتقل بعد ذلك، وأسرته، إلى مستشفى الثورة بتعز!
 اربعة اعوام قضاها مع ابنه المحمول على عربة اعاقة، وأم لا تملك غير الدعاء، قبل انتقالهم إلى العاصمة صنعاء. وهاهم منذ خمسة اعوام يتخذون من المستشفى بيتاً! ومن بلاطات فيه، فراشاً وسماءً معاً!
 إلى جانب منير، الحاج سعيد أب لثلاث بنات، لا يدرسن ولا يعرفن الحديقة، إلا أن والدتهن، تظفّر شعورهن بأربال وتدهنها بالزيت، معلقة على حال بناتها «أكّا عشنا»!. لا يوجد للحاج سعيد رقم جوال. سألته من أين يعيش، فأجاب بثقة: «من عندالله»!
 
ثابت عَطْشَى.. يريد أتاري وكلية!
 
لا يستثنى الأطفال من الاصابة بالفشل. هذا ثابت احمد عطشى (10سنوات)، أسمر، مدور الوجه، درس حتى الصف الرابع الابتدائي. قبل8 اشهر ابلغت اسرته ان طفلها مصاب بفشل!
 نظرة ثابت حنونة، فيما ابتسامته تؤثت النفس بالراحة. لا يشعرك بانه مريض، يأتي إلى المستشفى، كل ثلاثة ايام بمفرده: «أركب باص باب اليمن وارجع سعوان بباص»، فيما يقضي نهاراته في الحارة في مراقبة الاولاد.
 يعول، ثابت اخوه علي (16 سنة)، والذي يعمل «مُبزغ قات»! وقد قام بطباعة «برشور» عن أخيه لتوزيعه على فاعلي الخير، تاركاً الرقم التالي:(711080372) وهو رقم قريب لهم.
 سألت ثابت ماذا يريد، فأجاب، ماهراً إجابته بابتسامه زرقاء:«أتاري.. وكلية».
 
محمد الفقيه.. من الهند إلى باكستان
 
في ليلة «دبور» شاهدت محمد الفقيه الشوافي (27سنة) في لحظة كان فيها خارج نطاق التغطية، ان جاز التعبير: غيبوبة تامة، قدماه ترتعشان، فيما انتفخ بطنه هضبة سوائل!
 سألت مرافقيه عن السبب فكانت الإجابة: «مضت 5 أيام دون خضوعه لجلسة غسيل».
 اكتشف محمد (أب لنورية ومحمود وحمدي) مرضه قبل أربعة أشهر. لم يستسلم، واستطاع، بتعاون اسرته، وبعد بيعه لسيارته وذهب زوجته، أن يجمع مبلغ 7000 $. توجه إلى الهند بمعية مرافقين كان يأمل ان يكون احدهما متبرعاً. قبل شهر عاد إلى اسرته بنصف المبلغ.. وبدون كلية! إذ أن كلا المتبرعين غير مطابق لكليته, هذا من ناحية. ومن ناحية أخرى أصدرت السلطات الهندية قانوناً يقضي بمنع بيع مواطنيها لكلاهم، وفي حال حدوث ذلك، فلابد أن يكون المريض قد اقام في الهند سنة كاملة.
 هو الآن يعتزم السفر إلى باكستان، حيث تتولى السفارة اليمنية هناك استقبال المريض وحجز المستشفى وايجاد المتبرع، خلافاً لنظيرتها في الهند، غير أن عملية زراعة كلية تكلف اربعة عشر الف دولار! مبلغ كبير جداً، غير ان ثقته بالله اكبر!
سيارة عابد
ترويع الصحفيين والاعتداء عليهم مألوف في بلد يحترف الانتهاك. لقاء قيادة النقابة الاخير برئيس الوزراء ووزير الإعلام خرج بنتائج ايجابية سيما إلغاء قرار ايقاف صحف: «الرأي العام» و«يمن أبزرفر» و«الحرية».  نأمل سرعة إلقاء القبض على مطاردي الزميل عابد المهذري وناهبي سيارته!