السيدة – السيدا!!

السيدة – السيدا!! - حسن عبدالوارث

.. يستطيع المواطن الأمريكي أن يفخر بأنه ينتمي إلى بلد تسود فيه الحريات، بدءاً من حرية التعبير، مروراً بحرية الإبداع، وانتهاء بحرية الشذوذ!!
ويستطيع أن يفخر أيضاً بأنه ينتمي إلى بلد تُصان فيه الحقوق، بدءاً من حق العمل، مروراً بحق الملكيّة، وانتهاء بحق الإجهاض!!
كما يستطيع أن يفخر، ويفخر، ويفخر، بأنه ينتمي إلى بلد يتساوى فيه جميع المواطنين أمام منصة القضاء، وتحت سقيفة المعبد، وداخل مدرسة المرور!!
بيد أن هذا المواطن -الأميركي نفسه- يستطيع أن يخجل، أيضاً، لأنه ينتمي الى بلد قامت دولته على استراتيجية إبادة السكان الأصليين، وأقدمت حكوماته على تحقير رعاياها الزنوج والآسيويين والجنوب أميركيين والعرب والمسلمين، في مقابل توقير مواطنيها الأوروبيين واليهود!! مثلما دأبت أجهزته الإستخبارية ومؤسساته العسكرية على إقلاق أمن شعوب وتهديد سيادة دول وزعزعة استقرار مجتمعات في أربعة أرباع الكون، وتفقيس بيضة الإرهاب وإشعال فتيل الحرب وتسعير أجواء الفتنة في معظم أرجاء الكوكب الأرضي!!
يستطيع المواطن الأميركي أن يفخر بأنه مواطن عالمي (أو عولمي) من الدرجة فوق الأولى، بسيادة كلمة بلده، عبر قوتها المالية وجبروتها العسكري ونفوذها السياسي والإعلامي، وبانتشار السلعة والعملة الاميريكيتين على نحو بالغ السعة في شتى بقاع البيضة الأرضية!!
لكنه يستطيع أيضاً أن يخجل لأن جزءاً كبيراً من عائد تلك السلعة يصنع جزءاً كبيراً من المنتوج البشري والمؤسسي العالمي في السوق "الأخلاقية" السوداء.. ولأن حصة ضخمة من الدولارات المطبوعة سنوياً في دار صك "العم سام" تعود على خزانته العامة، نظير بيع أكبر نسبة من الإنتاج العالمي في أسواق السلاح والوباء على السواء!!
إن أكثر ما يثير قرفي أن يتشدق بعض المثقفين "المتأمركين" بالإطناب على الثقافة والحضارة الأميركية، التي لا تتجاوز عراقتها قروناً خمسة!!، والتي نتجت عن خليط عجيب وهجين غريب من الثقافات الأخرى: جنوبية وشمالية، على نحو بالغ التشوه، تحجبه ترسانة الإنجازات الضخمة في التقنية الحديثة التي تقابلها ترسانة إنجازات أضخم في الأخلاق المُنحلّة الأكثر حداثة!!
حقاً، إن أميركا هي "سيدة" العالم بلا منازع... لكن الأحق أنها أيضاً "سيدا" العالم.
wareth