عن ثورة سبتمبر الثانية

محمود ياسين يكتب عن ثورة سبتمبر الثانية

انتهى الأمر من وجهة نظر شعبية صرفة- سقط علي عبدالله صالح في الميادين العامة. والنتائج العكسية مزورة والباقي مجرد تفاصيل.. لم نكن نعرف ان الشعب غاضب بهذه الجدية ظنناه غاضباً لا يملك غير حقد العاجز.. لكنهم خرجوا واجلوا اشياء خطيرة وأعادوا ترتيب أولوياتهم ليأتي تغيير الرئيس على رأس القائمة. الأمر باعث على الشغف وإعادة النظر في الاحكام المسبقة على الناس والاحزاب.
إعلامياً: لا يملك الاصلاح الكفاءة لاختيار طاقم جيد لـ«الصحوة» وهذا مخيب للآمال المعرفية.. ومحبط وجدير بالضغائن.. لكن المهرجانات الانتخابية اجبرتنا على الغفران.. لقد حشدوا الناس واستعرضوا مهاراتهم مستخدمين قوة تواجدهم المتراكمة على  مدى عقود..
منذ ولد الاخوان المسلمون في اليمن وهم يقومون بأشياء كثيرة بعضها جيد والبعض الآخر باعث على الاستياء.. تماسكوا ووزعوا الصدقات وقاموا بمواساة ارامل كثيرات واخطأوا في اختبار لم  يكن عادلاً تماماً.
شاركوا في السلطة واحتملوا متاعب الشيخين وأخرجونا من «الصحوة».
تجاوزوا ورطة اغتيال جار الله عمر وتغوُّل «بن لادن» هم اخفقوا بشأن تطوير النظرية الاسلامية وتحويل الجماعة إلى حركة حقوق مدنية غير أنهم تحدثوا عن الحقوق وخسروا ناشطين أذكياء لأسباب تافهة تعود جذورها إلى ضيق أفق الهارب من مغامرات «الأفكار الجديدة» انهم لا يحفظون  شيئاً لسعدي يوسف.. لا يزالون على عهدهم بشأن تجهم الأنشطة التنظيمية والاخفاق في تفهم روح الدعابة والتعامل مع ميراث الأدب والفن الإنساني بلياقة.
غير أنهم احتفظوا بقوتهم كاملة وانجزوا هذا التنظيم الهائل لرغبة الناس في التغيير.. مكافأة جيدة  عن عقود من إصغاء المجتمع لمنابرهم. المجتمع الذي قدم لهم المراهقين العائدين إلى الله وصبر على نظامهم الأخلاقي المتصلب.. لقد غطاهم أخلاقياً وغض الطرف عن استخدامهم لعرفه الاجتماعي في ذهنية تحريم مجموعة فتاوى قاسية... وهذا يوم رد الجميل.. الإبن الأكبر صارم يكره الرقصة ولديه استخلاصات فقهية مضنية غير أنه فاعل.
ليس بالضرورة ان يصغي لموسيقى تشيكوفسكي وتفهم متاعب  المراهقين الجنسية والتحلي ببعض المرونة إزاء تاريخ الكبت الجنسي، لكن ربما يفهم يوماً.
اليوم يقوم بما عليه في لحظة تاريخية فاصلة ليست حكراً عليه بقدر ما هي لحظة اختبار لانتمائه ومسؤوليته كأخ أكبر..
ملأوا مدرجات الملاعب وهتفوا ل «بن شملان» أشرطة ومقولات.. انهم منظمون جيداً ولطالما خبروا تنظيم حركة الطرق إلى الميادين العامة - لأسباب ميتافيزيقية.. أحياناً..
كان عليهم تعريف قوتهم ومنحها طريقة للتعبير عن وجودهم وما يجنب دماغ الحزب تلف اللافعل، شيء من قبيل معركة الدستور وهل الشريعة مصدر رئيسي أم رئيس..؟ أصروا على «رئيس» وحصلوا عليها ليحصلوا على أشياء كثيرة من ضمنها رضا ناشطيهم المتدينين الذي يأخذون بالأحوط.
على أن هذه معركتهم الحقيقية. وأول ما قدموه للمجتمع منذ نشأتهم.. لست هنا لتوزيع نسب الأدوار كالاشارة للاشتراكيين والناصريين من باب الانصاف المتداول.. فأنا لست كهلاً يتحدث من فراش ذكريات ما قبل الموت عن زملائه في ثورة سبتمبر الثانية.. ولست جنرالاً ولا أعرف أين يقع المركز الإعلامي للمشترك، لكنني راضٍ عن تقلبات الأيام كأي واحد من جيلي، جيل الوحدة الضائع. كناقد حولنا مقولات التغيير وإرادة الجماهير إلى ما يشبه المزحة المأساوية.. ولطالما ضغطت علينا قيم زمن نحن ابناؤه الضالون...
وكان علينا الرضا بشجاعة الخاسر الذي يقتحم الحرام وقد كتب على صدره «ولدت لأكون فاشلاً» ذات يوم فقدنا القدرة على المجاملة وقلنا اشياء كثيرة. غضبنا جيداً  وكنا صادقين بلا وظائف محترمة، فصدقونا واجتاحتهم الحماسة.. نحن ايتام بيت الوحدة تمكنا من اللاجدوى أخيراً..
كنا السبب الرئيسي وربما الرئيس في تقديم الموعد إلى سبتمبر.