الهروب من الإحراج

الهروب من الإحراج

العمراني: المؤسسة الاقتصادية تشتغل خارج نطاق الدستور والقانون والثورة
هلال الجمرة
ينعكس هُزال البرلمان الحالي في تجاهل الحكومة تنفيذ قراراته وتوصياته، وفي يقينية عديد نواب بأن منبرهم لم يعد أكثر من مجرد مسرح سينمائي وبوق صوتي. فهشاشة البرلمان تضعهم أمام مأزق عند إثارة مواضيع هامة يتحفظ عليها مسؤولون كبار. وفي جلسة السبت الماضي، اعتذر النائب المؤتمري علي العمراني عن المشاركة في لجنة خاصة اقتُرحت للتحقيق في تخلف 66 وحدة اقتصادية تابعة للدولة عن تقديم حساباتها الختامية للعام الماضي 2009. مستلهماً عذره من تجربة سابقة كشفت له مدى ضعف المجلس بعد أن عاد وزملاؤه خائبين.
علي العمراني، رئيس اللجنة المالية سابقاً، وعضو اللجنة حالياً، قال إنه مثّل البرلمان في السنوات الماضية بترؤس لجنة برلمانية لتقصي الحقائق بشأن امتناع المؤسسة الاقتصادية عن تقديم حساباتها الختامية للمجلس، لكن المؤسسة أغلقت الأبواب في وجوههم، ورفضت التعامل معهم.
كانت المؤسسة الاقتصادية العسكرية، وحدة اقتصادية تعنى بتوفير احتياجات ومؤن منتسبي المؤسسة العسكرية فقط، لكنها بمرور الوقت أصبحت قلعة اقتصادية عملاقة، محصنة ومحظورة على الجميع حتى المراقبين. فما كشفه العمراني من صدور تقرير الجهاز المركزي للرقابة مؤشر خطير، إذ يقول: إن هناك مؤسسات لم يتمكن الجهاز المركزي من فحصها أو دخولها. ومدعماً كلامه بمثل: مثلما لم نتمكن من الدخول إلى المؤسسة الاقتصادية العسكرية، لم يتمكن الجهاز أيضا من دخولها، ووحدات اقتصادية أخرى. ما يعني أن هناك مؤسسات تشتغل خارج نطاق الدستور والقانون والثورة.
سيكون من المعيب، أن يمثّل العمراني مجلسه أمام هذه المؤسسة مجدداً. فالنتيجة محسومة، ورفض المؤسسة لقرارات المجلس ليس جديداً. إذ يستغرب النائب نبيل باشا (مؤتمر) من تنبّه البرلمان إلى هذه القضية مؤخراً بالرغم من "أن رفضها غير جديد، فقد مرّت أكثر من 4 سنوات مالية دون التفاتة البرلمان". مؤكداً أن المجلس لن يتمكن من فعل شيء، علاوة على أنه يشجع تلك المؤسسات والوحدات على التخلف عن تقديم حساباتها الختامية في الوقت المحدد، بتقصيره وتقاعسه عن محاسبة المخالفين وتقديمهم للتحقيق.
تمثل المؤسسة الاقتصادية نواة الرعب والعزف لمشاركة النواب. فالشيخ سلطان البركاني، رئيس كتلة المؤتمر، الذي أبدى تحمساً شديداً لتشكيل "لجنة تحقيق مباشرة"، مؤكداً مدّها بالدعم والمساندة من المجلس، سرعان ما خفت حماسه عندما اقتُرح اسمه ضمن اللجنة، فاعتذر عن المشاركة في اللجنة، مسبباً اعتذاره بـ"أنه سيكون مسافراً خارج اليمن، ولا يستطيع أن يحقق في الموضوع".
لم يجد تلكؤ البركاني طريقاً وسط النواب، وأصروا على أن يتولى رئاسة اللجنة. وقد تم التصويت بناء على مقترح تقدم به أكرم عطية، نائب رئيس المجلس، رئيس اللجنة الخاصة المكلفة بدراسة الحسابات الختامية للدولة لعام 2009. وهو أيضاً، من اقترح على المجلس التحقيق في القضية المسكوت عليها، وقال إن نحو 66 وحدة اقتصادية وصناديق خاصة لم تقدم حساباتها للعام الماضي نهائياً ضمن الحسابات الختامية للدولة للعام المالي 2009، وبعضها لم تقفل حساباتها. مبيناً للمجلس ما رأته اللجنة الخاصة بقوله: لقد رأينا ضرورة الوقوف على هذا الاختلال الكبير بتشكيل لجنة من اللجنة الخاصة للتحقيق مع تلك الوحدات والصناديق حول أسباب امتناعها عن تقديم حساباتها الختامية، وتقديم تقرير بذلك.
تأخر المجلس كثيراً عن القيام بمهامه، وربما تباطأ. إنها صحوة متأخرة بالفعل، وفقاً لنبيل باشا. هكذا ينظر النواب إلى أن هذه الصحوة لم تعد مجدية، وأن المجلس لن يتمكن من اقتحام حسابات المؤسسة الاقتصادية العسكرية وهيئات وصناديق ووحدات اقتصادية أخرى يرى النواب أنها أضحت حظائر واستثمارات لحسابات خاصة بمسؤولين رفيعين في الدولة، ولا يمكن معرفة حساباتها الختامية. ويقول النائب عبدالعزيز جباري إن ما يثار الآن هو مجرد قنابل إعلامية، وأن الموضوع سينتهي بدون إصابات ولا ضحايا كما في السنوات الماضية.
لكن عطية ردّ عليهم بما لا يدع مجالاً للتذمر: أعتقد أنه من الأفضل أن يصحو المجلس متأخراً أفضل من أن ينام أبداً.
مسألة الموازنة والإدارة المالية، في المؤسسة الاقتصادية اليمنية غامضة، فقد أشهر تقدم النائب عبده بشر (مؤتمر) بسؤال لنائب رئيس الوزراء للدفاع والأمن، يستوضحه حول أسباب زيادة موازنة المؤسسة الاقتصادية إلى نسبة 8.9% في موازنة 2010، مقارنة بتقديرات 2008، وعن باقي موازنتي 2008 و2009 اللتين لم تصرفا. مستغرباً عدم تحقيقها أرباحاً رغم أن الجميع يشهد لها بالنجاح.
بالرغم من أن المجلس يشعر الحكومة ويطلع الوزراء على الأسئلة المقدمة لهم قبل أيام من حضور المجلس، إلا أن العليمي ادعى جهله لما تضمنه السؤال من أرقام، وربما يكون محقاً في هذا، كما قال بشر. وبسهولة تجاوز الإحراج، وأطلق وعداً بتزويد البرلمان بتقرير مفصل حول الموضوع، خلال شهر.
عبده بشر، لفت إلى أن المؤسسة تجاوزت نطاقها وابتعدت عن أهدافها التي تأسست عليها، وقال: "من المفترض أن تكون تابعة للجيش على اعتبار أنه صدر قرار جمهوري في 1993 بتأسيسها كمؤسسة عسكرية، وتم ضم المزارع العسكرية إليها في 2001، وتم اعتماد موازنتها في الموازنة العامة للدولة في 2005، لا أن تصبح غامضة دون وجهة".
000000000000000000
 
داخل القاعة طرح قضيتهم جباري والعنسي والحبيشي ونساهم الباقون
 ووصف الراعي ما تعرض له المهجرون من طرد بأنه ينبئ بغزة أخرى
العليمي لم يكترث بوعوده تقديم تقرير بشأن إعادة الجعاشن والنواب يدمنون التباؤس
يحاول رجل خمسيني إيصال صوته المرهق إلى من تحت القبة البرلمانية. ظهر السبت الماضي، كان يهتف بممثلي الشعب فيما تردد وراءه بضعة نساء وأطفال بأصوات ملؤها الأسى والألم، استغاثات يرجون بها تخليصهم من الظلم وتحريرهم من استبداد شيخهم، الذي نكل بهم.
ربما اعتقد الرجل الوحيد، بين المتظاهرات، أن المجلس مهتم بقضيتهم، وأن اللواء رشاد العليمي، نائب رئيس الوزراء للدفاع والأمن، سيأتي في ذلك اليوم لتنفيذ قرار المجلس بتقديم تقرير يتضمن حل مشاكلهم، كما وعد النواب الأربعاء الماضي.
وحيداً، حاول أن يقوم بدور عشرات الرجال من أبناء الجعاشن المهجرين. بعد أن تخلّت الدولة عن واجبها في حمايتهم من سطوة شيخهم، نفّذت في المقابل حملة شرسة ضدهم، واعتقلت جميع الرجال منهم خلال مظاهرة سلمية، الثلاثاء الفائت، ووزعوهم على أماكن الاحتجاز في أقسام الشرطة المحيطة. لم ينجُ من الاعتقال سوى هذا الرجل وعدد من النسوة، وها هو الآن يحاول أن يملأ الفراغ الذي تركوه، ويتمنى لو بإمكانه تحقيق النصر العظيم وتحرير أبناء قريته من الظلم إلى الأبد.
ظل يصيح عالياً حتى بحّ صوته، لكن دون جدوى، فنواب الشعب مشغولون بأشياء أخرى. وكلما طرحت قضية الجعاشن داخل قاعة البرلمان، وجدت تباؤساً وتراخياً من النواب.
السبت الماضي، كان هناك موعد لحضور رشاد العليمي، لتقديم تقرير حول ما عملته الحكومة لأبناء الجعاشن وما نفذته من توصيات المجلس. لم يحضر العليمي، ولم يقدم أي اعتذار. مع ذلك، لم يتذكرهم داخل القاعة سوى عبدالعزيز جباري وعلي العنسي وفيصل الحبيشي، أمّا الباقون فلم يحتجوا حتى من تخلف العليمي عن تقديم التقرير.
وطالب الحبيشي، وهو أحد أعضاء كتلة الإصلاح ممثل إحدى دوائر محافظة إب، بتشكيل لجنة لتقصي الحقائق حول ما تعرض له أبناء الجعاشن من اعتداء من قبل رجال الأمن. لم يصعد أي صوت تأييد، فيما واصل أكرم عطية، رئيس الجلسة، إدارة الجلسة.
أمام البوابة ظل المعتصمون مخذولين. فغالبية النواب كانوا يغادرون المجلس وكأنهم لا يسمعون صراخ الرجل الخمسيني والنساء والأطفال وهم يستنجدون بهم "يا نواب صح النوم... الجعاشن بلا نوم". إنهم سهرانون، فالخيام الممزقة لا تحميهم هي الأخرى، والعليمي لا يكترث ودولته بمأساتهم.
تقاعس الحكومة عن حل مشكلة أبناء الجعاشن حقيقي، فالحكومة "لا تحب أن تمس من سمعة الشيخ المخيفة". أما النواب فيقولون إن "قرارات المجلس لم تعد مجدية ولا مسموعة من الحكومة".
ممثلو الشعب بحاجة إلى أن يقفوا يداً واحدة ضد الظلم، ويعيدوا أبناء الجعاشن النازحين في صنعاء منذ عام تقريباً، إلى ديارهم في محافظة إب، وتحديداً إلى منطقة الجعاشن التي يحكمها الشيخ بأعوانه وقوته خارج إطار الدستور والقانون. والذنب الذي اقترفه هؤلاء أنهم امتنعوا عن دفع الزكاة إلى يد الشيخ، مطالبين بحضور الدولة.
الأربعاء الماضي؛ أوصى يحيى الراعي، رئيس المجلس، الحكومة ممثلة بالعليمي، بتقديم تقرير بشأن القضية، لافتاً إلى أن ما تعرض له مهجرو الجعاشن من "طرد قبل أيام من داخل جامع الجامعة ينبئ عن غزة أخرى".
وأوضح العليمي أن اللجنة المكلفة بإعداد تقرير حول قضيتهم قد أنجزت تقريرها ولم يتبق إلا الشيء اليسير سيتم إنجازه وتقديمه إلى المجلس في الوقت القريب. مؤكداً أن وزارته ملتزمة بتوصيات المجلس المتمثلة في إعادة مهجري الجعاشن إلى مناطقهم، وأنهم بانتظار تقرير اللجنة فقط.
كان الراعي يشير بغزة الثانية إلى عناصر في حزب الإصلاح، بعد أن كان يتهم الإصلاح صراحة بتأليبهم، كما كانت الدولة تفعل في السابق. إنها الآن تشهد وبوضوح بؤس نبوءتها، وترى محاربة أفراد من الإصلاح لهم. أي برهان أقوى تنتظر أن يقدمه هؤلاء للدولة حتى تصدق أنه لا يتم تحريكهم من قبل الإصلاح؟ أي برهان أوضح من أن يشهد الخلق وهم، يطردون ثانية، من جامع الجامعة، بمساعدة موظفين في جمعية الإصلاح؟
000000000000000000
 
للخروج من إشكاليات وقوع سكان المناطق الحدودية بين الأمانة وصنعاء فرائس صراع
صنعاء ثلاثية
لا حدود لاضطراب الصلاحيات الإدارية المهزوزة بين أمانة العاصمة ومحافظة صنعاء. فمنذ سنوات، يتكبد الكثير من السكان الحدوديين فداحة الإشكاليات الإدارية ويعيشون في حالة من عدم الاستقرار. فمثلاً في مسألة تراخيص البناء، ترفض إدارة البلدية التابعة لأمانة العاصمة تراخيص البناء الصادرة من بلدية محافظة صنعاء، والعكس. في هذه الحالة يضطر المواطن إلى إخراج ترخيصين من المحافظتين، وهكذا.
أصبح السكان الحدوديون فريسة صراع بين كافة جهات المحافظتين. النائب الإصلاحي علي العنسي، التفت إلى تلك المعاناة اليومية، ونقلها إلى مجلس النواب في سؤال قدمه إلى رشاد العليمي، وزير الإدارة المحلية، قبل أشهر. والأربعاء الماضي، جاء الوزير للرد، فوضّح العنسي له كارثة تضارب الصلاحيات، قائلاً: الذين يدفعون الضرائب والواجبات، ويقومون بالحصول على التراخيص من مكتب الأشغال في الأمانة، يكون عليهم أن يدفعوا لمكاتب المحافظة، ما لم فإنهم يتعرضون للحبس في حال دفعوا في إحدى المحافظتين. مطالباً الوزير بـ"إيجاد حلول لتخفيف معاناة المواطنين على منطقة الحدود".
كان العليمي مستعداً للرد. إذ كشف عن مقترحين تقدمت بهما وزارته إلى رئيس الوزراء، أحدهما يوصي بتقسيم مدينة صنعاء إلى 3 محافظات لتصبح: صنعاء الشرقية وصنعاء الغربية وأمانة العاصمة. فيما يوصي المقترح الثاني بـ"دمج المحافظة مع تقسيمها إلى 3 قطاعات بدلا من المحافظات". ما زالت المقترحات قيد الدراسة من قبل لجنة تم تشكيلها في رئاسة الوزراء. وطبقاً للعليمي فإن المجلس ينتظر نتائج الدراسة.
وأكد وجود إشكاليات إدارية بين أمانة العاصمة ومحافظة صنعاء، وأرجع السبب وراء الإشكاليات إلى "تقسيمات قانون الانتخابات وقانون رسم حدود العاصمة لعام 1983"، مؤكداً أن القانونين أوجدا إشكالية حقيقية بين المحافظتين، حيث "تحصل بعض تلك المناطق على الخدمات من أمانة العاصمة ويتم التحصيل لصالح محافظة صنعاء".
لا يتوانى العليمي في إعلان الوعود، ففي هذه القضية، قال إن وزارته كحل مؤقت "ستقوم بتوجيه المعنيين في المحافظتين بألا يتم حبس المخالفين إلا بقرار من النيابة، وألا يتم حبس من دفع لجهة دون أخرى".