نصر الله.. الظاهرة والتفاؤل

نصر الله.. الظاهرة والتفاؤل - وداد البرغوثي*

حسن نصرالله -الأمين العام لحزب الله- غدا ظاهرة احتلت ملايين القلوب العربية والإسلامية، بل تعدتها إلى قلوب زعماء لدول واتجاهات في العالم، مثل هوغو شافيز وجورج غالاوي. وهذا ليس غريباً، فإن قلنا إن نصرالله قد حاز على كل هذا الحب ونجح في استفتاء القلوب بلا مزاحم فذلك ليس لأنه زعيم دولة أو هيئة دولية أو غير ذلك، ولا لأنه يقدم إغراءات بالوظائف والامتيازات ولا فاز في هذا الاستفتاء نتيجة استطلاع رأي من النوع الذي تجريه مراكز البحوث المتخصصة قبيل الانتخابات وتخرج على الناس بنتائج تصيب أحياناً وتخيب في أغلب الأحيان. كلا فسماحة السيد فاز في استفتاء حين خاطب أمتيه مباشرة من القلب إلى القلب،خفقت له القلوب ولم تخفق الأبصار، بل بقيت الحدقات مفتوحة بإعجاب أمام شاشة التلفاز لا يطرف لها جفن على مدار الخطاب.
وحين نتحدث عن خطاباته يمكن بمنتهى البساطة أن نقول، بدون مبالغة ولا مجاملة، إن أحرفها توزن بالذهب بل بالماس الخالص، بل إن هذين المعدنين لا يساويين شيئاً أمام ذهول الجماهير ذهولاً يصل حد الأحلام. من أين ولد هذا القائد العظيم؟
خطاباته التي يلقيها على مسامعنا -دون تنميق لأنها تخرج منمقة أصلاً- قليلة، فطيلة 34 يوماً من الحرب سمعنا خطاباته التي لا تصل عدد الأصابع، في حين سمعنا عشرات ومئات من الخطب المنمقة والمدبجة ولم نجد فيها مجالاً للمقارنة في القدرة على الإدهاش وإثارة الإعجاب، سواء من أعدائه أو من أصدقائه، من أتباعه وأشياعه أومن أدعياء القيادة على امتداد هذه الأمة. هذا أولاً، أما ثانيا، فإن أطول خطاباته لم تصل إلى طول خطاب لعضو في مجلس طلبة أو برلماني عربي أو أي خطيب أو متحذلق. ومع ذلك فإن هذه الخطابات القصيرة نسبياً مقارنة مع ما اعتدنا سماعه ومللنا سماعه أخرجتنا من حالة الإحساس بالذل ومرارة الهزائم لتدخلنا من اوسع بوابة الى عالم الانتصار، انتشلتنا من حضيض اليأس إلى قمة الأمل.
خطابات فيها من العمق والصدق ما يجعل الدمع يترقرق في المآقي فرحاً لعودة الكرامة وحزناً على ماضاع من عمرنا قبل ان نرى هذا اليوم، ابتهاجاً لأننا كتب لنا أن نعيش حتى نرى هذه اللحظة.
تمنيت لو أن البشر كالشجر فنتمكن من تركيب شجرة من أخرى، وأن النوع يتحول الى نوع آخرأكثر نفعاً إذا التحم مع غصن او عقلة من النوع المراد الحصول عليه. لو كان الأمر كذلك لأمكن تحويل كل الزعامات الضارة او قليلة النفع بعقلة من سماحة السيد. ليت..ولكن:
وما نيل المطالب بالتمني.. ولكن تؤخذ الدنيا غلابا
نعم هذا السيد ظاهرة.. وحزبه ظاهرة.. خص الله بهما لبنان وأثلج بهما قلوب الأمة، فهل تتحول هاتان الظاهرتان إلى ظاهرة عربية؟ ما أشد حاجتنا الى ذلك وما أسعدنا بها من ظاهرة!
على صعيد آخر أتفاءل كثيراً ويبدو لي أن ثمة تحولات واصطفافات جديدة سيشهدها العالم، إذا كان قد شهد في السابق وجود قطبين على أعلى قمة الكرة الأرضية ولكل قطب أشياعه فإنه سيشهد خلال العقد القادم _ وقد لاحت التباشير في الأفق – اصطفافات من نوع آخر ليست منقادة وراء سباقات التسلح، وليست متفرجة في ساح الحرب الباردة، ليست على أساس طائفي ولا عرقي، ليست على قاعدة الدين ولا على خلفية اللون، لا علاقة لها بالتاريخ ولا بالجغرافية، لكن على أساس أن العالم سيتجه باتجاهين متضادين هما اتجاه أصدقاء ومحبي أمريكا، واتجاه أعدائها وكارهيها. بمعنى أدق اتجاه القتلة واتجاه الضحايا الذين ملوا من البقاء ضحايا عقوداً طويلة.
ليس هذا من قبيل التفاؤل فحسب، ولكنه من قبيل التعامل مع المعطيات والنظر الى الحقائق.ولا شك أن ظاهرة نصر الله وحزب الله في الوطن العربي والشرق الأوسط تشكل الأرضية الصلبة لمثل هذا التفاؤل. وهناك ظواهر أخرى في بلدان أخرى كفنزويلا في القارة الأمريكية وستكون هناك ظواهر أخرى ومظاهر أخرى تنبثق أو تولد أو تجرؤ على الظهور أو تتمرد على جلاديها لتشكل معاً حالة من التوحد على قاعدة صديق صديقي صديقي وعدو عدوي صديقي.ونصرالله سيكون المنارة التي يهتدي بنورها من ضلوا طريقهم أو خافوا من السير فيه.
* أديبة وأكاديمية من فلسطين