عدن تخسر رفيقها

عدن تخسر رفيقها

محمد صداعي علي *
الحكم الدولي والكابتن المرحوم رفيق عوض سالم بانوبي رحمة الله عليه ورضوانه. إنه ابن عدن البار، ابن عدن التاريخ الناصع البياض، ابن عدن الحضارة، ابن عدن الثقافة، ابن عدن الينبوع الذي لا ينضب، ابن عدن المحبة والتسامح والاعتزاز بالنفس، ابن عدن التي لا تنكر كل من جاء إليها من مختلف المناطق من العالم، ابن عدن النضال والثورة، ابن عدن وحضرموت كليهما تاريخ لا ينفصل عن بعض.
رفيق عوض سالم بانوبي الرجل الموقف بكل ما تحمله الكلمة من معنى. رفيق عوض سالم بانوبي رجل المبادئ والقيم. رفيق عوض سالم بانوبي ذلك المناضل الجسور وفارس من فرسان ثورة 14 أكتوبر 63 ضمن مجموعة من رفاقه وزملائه من أبناء عدن، منهم من توفاه الله عز وجل مثل الأخ العزيز المناضل الوطني الكبير المرحوم الكابتن عبدالله الخوباني رحمة الله عليه ورضوانه، والأخ المناضل الوطني الكبير المرحوم عبده حسن زرداء رحمة الله عليه ورضوانه، والأخ العزيز المناضل الوطني الكبير الكابتن والفنان أحمد ناجي قاسم رحمة الله عليه ورضوانه.. وغيرهم من الذين توفاهم الله، ومنهم من الأحياء مثل الأخ العزيز المناضل الوطني الكبير الأستاذ القدير والنقابي البارز والرياضي الفذ معتوق خوباني، والأخ العزيز الكابتن عبدالجبار عوض سعد، والأخ العزيز الأستاذ القدير والتربوي البارز أحمد عبدالرحمن الذبحاني، والأخ العزيز الأستاذ محمد أحمد الصبيحي، والأخ العزيز الكابتن أحمد محسن أحمد.. وغيرهم من المناضلين الوطنين الكبار لاعبي نادي الجزيرة الرياضي في المعلا عدن، صاحب التاريخ الرائع، يشكل لاعبوه مجموعة من المناضلين الشرفاء والأوفياء في ثورة 14 أكتوبر 63 ضمن تنظيم جبهة التحرير المناضلة، وكان هذا الرجل العملاق من أبرز مناضليها مع رفاقه المذكورين وغيرهم من مناضلي ثورة 14 أكتوبر 63.
لقد كان رفيق عوض رقماً صعباً في النضال وفي الرياضة وفي العمل الإداري، ولشخصيته الفذة كان رجلاً مهاباً لا يقبل أي تصرفات أو ممارسات تخالف الأنظمة والقوانين، فهو رجل أشهر من نار على علم، وظل كما هو رجل موقف بالرغم من حالة الإهمال والجحود والنكران التي مارسها الآخرون معه. كما عرفناه صاحب موقف جاد وحاسم، وعلى ما أذكر أثناء ما كنت رئيساً للجنة الكادر في التنظيم السياسي للجبهة القومية في عدن، مع رفاق آخرين أعضاء في لجنة الكادر، منهم الأخ المناضل الوطني الكبير الشهيد أحمد حاجب، والمناضل الوطني الكبير الشهيد علي هادي عبدالله، والمناضل الوطني الكبير سالم أحمد العيسى، والأخ المناضل الوطني الكبير أحمد عبدالله شقراء، والأخ المناضل الوطني محمد غالب عبدالله، وسكرتير اللجنة الأخ العزيز المناضل الوطني الكبير عبدالله سنان الفليسي، تم ترشيح الأخ الكابتن رفيق عوض سالم بانوبي في دورة تدريبية إلى القاهرة، وأظن كان مع الأخ العزيز المرحوم أحمد شيخ رحمة الله عليه ورضوانه، وكان الترشيح من هيئة الموانئ اليمنية التي يعملان فيها. وكالعادة عندما نستلم أي ترشيحات ونرسلها إلى وزارة أمن الدولة لإبداء أية ملاحظات إذا وجدت، أنه كان من التنظيم الشعبي لجبهة التحرير فيها، قلنا لهم هل لديكم ملاحظات عليه حالياً؟ أما كان من التنظيم الشعبي سابقاً؟ وبكلمة كان هي فعل ماضٍ ناقص، هل لديكم عليه حالياً أية قضايا تضر الوطن؟ فلم تطرح عليه أية ملاحظات بل على العكس كان لهذا الرجل مميزات كثيرة، وكان يحب الوطن وبالذات عدن يحبها حباً أسطورياً كما هي عادة كل واحد من أبناء عدن. وكما أتذكر كانت لدينا ولدي أنا شخصياً كرئيس لجنة الكادر، توجيهات من الأخ العزيز الرئيس الشهيد سالمين رحمة الله عليه ورضوانه، تقضي بعدم الاعتراض علي أي واحد من أبناء عدن إذا ما رشح في دورة، لأنهم يضعون عدن فوق كل شيء، ولا يمكن أن يهربوا بعد تخرجهم، وأعطي مثالاً على ذلك أن أكبر دليل على ذلك أبناء الخوباني الذين عرضت عليهم كثير من الإغراءات ورفضوها ورجعوا إلى عدن، لأن حب عدن بالنسبة لهم فوق كل الاعتبارات، وهذا ما جسد أيضاً الأخ الكابتن والفنان أحمد ناجي قاسم عندما تعرض لبعض الممارسات، عرضت عليه أنا شخصياً الخروج من عدن إلى الخارج برخصة من الأخ الرئيس سالمين، ورفض رفضاً قاطعاً، وقال بالحرف الواحد: "عدن في القلبـ". ونفس الشيء الأخ عبده حسن عبدالله شيخي أطال الله في عمره، عندما تعرض لبعض الممارسات عرضت عليه مغادرة البلاد برخصة من الأخ الرئيس سالمين رحمة الله عليه ورضوانه، ورفض رفضاً قاطعاً، وقال بالحرف الواحد: "أنا أغادر عدن؟ من أبعد المستحيلات". وظل ولا زال في المعلا عدن وفي الميناء، وصورة الرئيس الخالد الذكر جمال عبدالناصر رحمة الله عليه ورضوانه، معلقة في سيارته وفي منزله وفي يده. ونفس الشيء عندما ناقشت الأخ رفيق عوض سالم بانوبي رحمة الله عليه ورضوانه، وقال بالحرف الواحد: "أي جهة لديها أي شيء علي، إني على استعداد للمواجهة، إلا الهروب من عدن".
كم كان هذا الرجل ورفاقه وزملاؤه الذين تم ذكرهم سلفاً، والذين جمعتنا بهم علاقات أخوية صادقة، ولا يفوتنا ذكر أيضاً الأخ العزيز المناضل الوطني الكبير عمر عائض أطال الله في عمره، مع نفس المجموعة.. فكم هم الرجال أبناء عدن الذين قدموا لهذا الأرض الطيبة كل ما لديهم دون أن يطلبوا مقابل ما قدموه. فاليوم عدن تخسر رفيقها المناضل الوطني الكبير رفيق عوض سالم بانوبي، ليلحق بمن سبقوه من رفاقه، فالموت حق، وهم السابقون ونحن اللاحقون، ولكل نفس أجل مسمى، والبقاء لله وحده، و"إنا لله وإنا إليه راجعون".
ولكن كل ما يحز في النفس هو نكران الجميل والجحود والإهمال في حق هؤلاء المغاوير والرجال الصناديد، ويحظى الهتع والانتهازيون بالرعاية والاهتمام. فهؤلاء الرجال صنعوا تاريخهم بأنفسهم، وليسوا بحاجة لمن يحاول ابتزازهم. فالرحمة والمغفرة لهؤلاء الرجال، و"إنا لله وإنا إليه راجعون".
5/9/2010
* وكيل محافظة المهرة