طريق برلين

طريق برلين

* منصور هائل
تزايد اهتمام الإعلام الألماني باليمن مؤخراً على نحو لافت، ومن قبل أن يتم الإعلان عن أن العاصمة الألمانية ستكون محطة لاجتماع أصدقاء اليمن الذي تعلق عليه الآمال بألا يشكل امتداداً لاجتماعات لندن والرياض فحسب، بل ونقلة مميزة ترقى به إلى أن يكون هو الأهم في مستوى مطاولته للتفاصيل الحاسمة المتعلقة بالحكم الرشيد والاقتصاد والإصلاحات والإرهاب، وكل ما يعنيه أمر التأسيس للمجال السياسي وبناء الدولة في اليمن.
وكما يحدث في العادة قبل أي مؤتمر صار اللقاء المزمع في برلين أواخر الشهر القادم محط الاهتمام ومدار الأحاديث الساخنة في شارع السياسة اليمني، وعلى صعيد السلطة والمعارضة.
ويقال إن المعارضة ممثلة بالمشترك واللجنة التحضيرية للحوار الوطني، ستدهش نفسها هذه المرة بالتقدم خطوة غير مألوفة نحو نفسها من منطلق الإدراك بأنها أصبحت معنية بإيصال رسالتها إلى تخوم طاولة التداولات المتعلقة بالحالة اليمنية، ولو كانت في برلين.
ولما كانت هذه المعارضة لا تفتقر إلى الخيال السياسي، فمن غير المستبعد أن تبحث في إمكانية تأمين شروط نجاح عقد اجتماعها الموازي لاجتماع برلين قبل موعده أو بالتزامن معه، وفي برلين أيضاً. وتستطيع اللجنة التحضيرية للحوار الوطني أن تحرز تقدماً أكبر إذا ما توفقت برفد وتعزيز تمثيلها عبر تهيئة المناخ اللازم لمشاركة قيادات المعارضة في الخارج بحضور تفاعلي على طاولة اجتماعها الموازي في العاصمة الألمانية، ضمن مسعى جاد لوضع تصوراتها بشأن الحالة اليمنية بين يدي الفاعلين في الأسرة الدولية والمعنيين بصورة مباشرة بالشأن اليمني: أصدقاء اليمن.
ويتطلع كاتب هذه السطور إلى أن تكون هذه الخطوة مغايرة لأية خطوة سابقة، وألا تكون هذه السفرة على منوال سابقاتها، ومنها تلك التي جاءت تلبية لدعوة من مؤسسة عابرة للحدود (فريدريش إيبرت) حين استضافت قبل أشهر قليلة قيادات بارزة من الحزب الحاكم وأحزاب اللقاء المشترك، ضمن ورشة نقاش وسياحة ذهنية وسياسية في رحاب ألمانيا الاتحادية، وأنجزت تلك الزيارة، وعاد الفرقاء كما ذهبوا، ولم تنشر وسائل الإعلام التابعة ل(الحاكم) أو (المشترك) أية تغطية جديرة بالاعتبار لتلك الزيارة.
وفيما يحلم المرء أن يولي (الفرقاء) الذين يتراشقون التكهنات حول ترتيبات ومآلات لقاء أصدقاء اليمن في برلين، الكثير من العناية لتناولات الألمان، وللأسئلة والمفردات التي تتردد وتتكرر في خطاب السياسة والدبلسة والإعلام، حول اليمن، وما يخطف أنظارهم واهتماماتهم إلينا ونحونا، حتى يقطعوا بذلك نصف المسافة نحو فهم أنفسهم.
وبالمناسبة سيكون من المفيد تذكير أصحابنا بواحد من وجوه الشبه الكوميدي بين ألمانيا واليمن، ففي حين ستحتفل الأولى بالذكرى ال20 لاندماج شطرها الشرقي بالغربي في الثالث من أكتوبر من هذا العام، ستحتفل الثانية في 22 مايو، وشتان..
إلى هذه النقطة ينبغي أن يلتفت أصحابنا، وسوف يعلمون أن عملية إعادة إعمار وتأهيل برلين لتكون مركزاً للحكومة الاتحادية، ومركزاً لاتخاذ القرارات السياسية في أوروبا، احتاجت ل10 أعوام، وأن الدولة في ألمانيا وجدت لخدمة الناس وليس العكس، وهي قائمة على الفيدرالية واللامركزية بامتياز، وملزمة بصيانة كرامة الإنسان والتزام الصرامة في مسألة سيادة القانون وضمان حقوق الحرية والمساواة.
وليعلم أصحابنا أيضاً أن مواليد ليلة سقوط جدار برلين في 9 نوفمبر 1989، البالغ عددهم في ألمانيا 880.459، لا يمزقون صورة الزعيم (الرمز)، وقد ترعرعوا في ألمانيا الواحدة، ولم يشاهدوا الحدود التي كانت تقسم ألمانيا إلى دولتين، وأصحبوا يضحكون من حكايات الآباء والأمهات عن زمان الجدار ومآسي منع السفر والتنقل بين الشطرين، ولا يصدقون أن ذلك كان يحدث ويقولون: إنه ضرب من الجنون ولا يمكن أن يصدق.
وليعلموا، أخيراً، أن الآثار والعلامات المادية لعهد الانشطار الألماني، أصبحت من زمن الأمس، وصارت من مقتنيات المتاحف ومعروضاتها، ومن مواد الفلكلور الألماني.. والحليم لا يحتاج لإشارة.
mansoorhaelMail