معهد جميل غانم للفنون الجميلة.. بين الأقوال والأفعال..

معهد جميل غانم للفنون الجميلة.. بين الأقوال والأفعال..

*  أهزوجة جدلية سنظل نرددها إلى ما شاء الله
* نادرة عبدالقدوس
هل نستطيع أن نقول إن معهد جميل غانم للفنون الجميلة في مدينة عدن، تنفس الصعداء أخيراً، بانعقاد ورشة العمل الأولى في حرمه ليومين متتاليين (15 - 16 فبراير الجاري) خاصة من أجل تطويره؟ وهل يتفاءل خيراً إدارة ومدرسو وطلاب المعهد بعد أن تعهد وزير الثقافة الدكتور محمد أبو بكر المفلحي، في كلمته التي ألقاها يوم افتتاح الورشة، بنقل وضعية المعهد إلى مستوى أفضل ليلعب دوره الريادي كما كان في السابق؟ أم أن مخرجات الورشة من توصيات مصيرها الأدراج ككثير من التوصيات الصادرة عن فعاليات نوعية مختلفة تُعقد في بلادنا ولا نسمع سوى جعجعة؟
انعقدت ورشة العمل المذكورة آنفاً برعاية وزير الثقافة وبتمويل من صندوق التراث والتنمية الثقافية، تحت شعار "معهد الفنون... الواقع وآفاق التطور". وقد ناقشت على مدى اليومين 1) ورقة عمل بحضور حوالي 50 مشاركاً ومشاركة من مدرسي المعهد وإدارته وعدد من الفنانين والباحثين المختصين في الفنون الموسيقية والمسرحية والتشكيلية.
أكد الوزير في معرض كلمته الافتتاحية حرص "الوزارة على تطوير المعهد وتأهيله للقيام بمهامه وعلى أن يبقى صرحاً تعليمياً متميزاً ومعلم إشعاع فني وإبداعي يسهم بفعالية في تخريج كوادر مؤهلة في شتى المجالات والتخصصات الفنية".
كلنا يعلم أن معهد الفنون الجميلة بعدن كان الهدف من إنشائه رفد الحركة الفنية اليمنية بكوادر فنية أكاديمية متسلحة بالعلم والوعي، وكانت خطط الحكومة –آنذاك- الثلاثية والخمسية، لا تستثني المعهد في سياق عملية التطوير والبناء للمؤسسات الحكومية الأخرى، وكانت الفرق المسرحية والموسيقية تشهد تجديداً لدمائها وتجدداً نوعياً في أدائها، فانتعشت الحياة الفنية والثقافية. وشهدت الفرق المسرحية، أكانت تابعة لوزارة الثقافة أم الأهلية أم التابعة للمرافق الحكومية الأخرى (عسكرية وخدمية وإنتاجية)، تنافساً شريفاً الغرض منه تقديم ما يفيد ويمتع المتلقي، أما إذاعة وتلفزيون عدن فقد أسهما في تأسيس فرقة الإذاعة والتلفزيون الموسيقية التي أسهمت الأخرى في إنعاش الفن الغنائي، كما أسهم بعض الشعراء والملحنين الكبار في تقديم الأصوات الغنائية الشابة الجميلة، والتي أضحت من الأصوات الغنائية المشهورة في بلادنا ك: أمل كعدل، نجيب سعيد ثابت، عصام خليدي، نوال حسن، وفاء أحمد، كفى عراقي، وردة، منى همشري، إيمان إبراهيم، والكثير منهم الذين لم تسعفني الذاكرة لتذكر أسمائهم. كما ظهر الفنانون التشكيليون، الذين كانوا يجدون في المعارض الفنية منفذاً لعرض إبداعاتهم الفنية وانتقاء إدارات الفنادق لعدد منها تشجيعاً من الدولة لهؤلاء الفنانين المبدعين (كانت الفنادق حكومية تتبع وزارة الثقافة والسياحة).
الحقيقة أن كلمة وزير الثقافة وحدها تُعد توصية هامة، تُغنينا عن التوصيات التي خرجت بها الورشة، ذلك لأن الأخ الوزير وضع في كلمته القصيرة، البالغة الأهمية، النقاط على الحروف، ولأول مرة نجد وزيراً للثقافة في بلادنا، في سلسلة الوزراء المتعاقبين على كرسي الوزارة، يقر بسبب تدهور حال المعهد الذي بذل المغفور له الموسيقار جميل غانم جل جهده من أجل إرساء مداميكه عام 1973، كأول صرح ثقافي فني تعليمي وتربوي في اليمن ودول الجوار، وذلك بعد إكماله دراسة الموسيقى في بلد الرافدين، موطن إسحاق الموصلي، ثم واصل تلك الجهود كوادر من الشباب التواقين إلى الارتقاء بالفن الأكاديمي بمختلف أقسامه، وتعزيز الثقافة الفنية في المجتمع من خلال مخرجات المعهد.
تذكرتُ الأهزوجة الفلكلورية التي كنا نتداولها بمتعة، حين كنا صغاراً، ولا زالت متداولة في وقتنا الراهن، وهي تختلف شكلاً بين بلد عربي وآخر دون اختلاف في المضمون، والتي تقول في ما تقول بلهجتنا العدنية: "البقرة تشتي حشيش والحشيش براس الجبل والجبل يشتي مطر والمطر عند ربنا" وهكذا دواليك... تذكرت هذه الجدلية الهزلية وأنا أستمع إلى إقرار وزير الثقافة الدكتور المفلحي بأن تدهور حال المعهد يعود إلى عزوف الطلاب عن الدراسة الذين لم يتم استيعابهم في وظائف حكومية في مجالات تخصصاتهم الفنية المختلفة.
لكن لماذا لا تقوم وزارة الثقافة بالإعلان عن رغبتها في شغل وظائف تخصصية في مجال الفنون المختلفة لتقوم وزارة الخدمة بدورها في رفع كشوفات المسجلين لديها من خريجي معهد الفنون الجميلة لشغلها؟
إلا أن معهد جميل غانم للفنون الجميلة لا يعاني عزوف الطلاب عن الدراسة فحسب، بل إن أشد معاناته تكمن في نقص عدد المدرسين في مختلف التخصصات، وقد تطرقنا إلى هذه القضية في مقالات عدة، ولا من مجيب أو مكترث.
و.. "المعهد يشتي صدق والصدق عند الوزارة والوزارة تشتي جدية والجدية عند الحكومة والحكومة تشتي... " والله المستعان.
nadra