من التطرف الديني إلى السياسي.. النتيجة واحدة * صلاح الحيدري

من التطرف الديني إلى السياسي.. النتيجة واحدة * صلاح الحيدري

لن نمل القول والحديث عن خشيتنا من أن تتلاشى قيم الحوار الذي يمثل إغناءً للفكر السياسي وإثراء للعمل الوطني على صعيد الممارسة والأفعال لا الأقوال، وما يمكن أن يحدثه ذلك من انتكاسة باتجاه دورة العنف النابعة من التطرف الديني والسياسي على حد سواء والتي تكون لها آثارها المدمرة على الناس والمثقفين والأحزاب وكافة المكتسبات الوطنية.
فالمرء يجد نفسه حائرا أمام رغبة البعض -في أحزاب اللقاء المشترك لاسيما حزب الإصلاح- في إفراغ الحوار من تلك القيم، ففي الأمس القريب خرج أمينه العام المساعد عبد الوهاب الانسي من اجتماع الرئيس مع قيادات الأحزاب، بُحجة أداء الصلاة، وقال بعد ذلك انه انسحب.. وباعتقادي أن انسحابه تكتيكيا أكثر من كونه احتجاجا؛ لاعتبارات كثيرة أهمها الشعور بأن ذلك الحوار كاد يصل إلى نتيجة يتفق عليها فرقاء الحياة السياسية بل وكان محاولة لتوضيح قوة سيطرة (الإخوان) على مسار "المشتركـ" والدليل انه وبعد هروبه او خروجه من ذلك الاجتماع خرج بتصريحات يؤكد فيها أن بقية قيادات أحزاب "المشتركـ" خرجوا من الاجتماع بعده مباشرة في حين أنهم واصلوا الحوار لأكثر من نصف ساعة بعد خروج الآنسي.
وبغض النظر عن الحسابات المنفردة التي يسعى الإصلاح لنيلها مستغلا الظرف والزمان وحتى بقية شركائه في بوتقة "المشتركـ" خدمة لدعوة (الإخوان), فإن ذلك الغضب الذي أبداه القيادي الإصلاحي عبد الوهاب الانسي إزاء الخبر الذي نشرته صحيفة "النداء" (المستقلة) في عددها الماضي حول ما دار في اجتماع منفرد حضره الانسي واليدومي مع رئيس الجمهورية، أمر بالفعل يدعو إلى الغرابة؛ إذ وجه أصابع الاتهام مباشرة إلى المصدر الصحفي الذي نقلت عنه الصحيفة ما دار في الاجتماع معتبرا ما ذكرته تضليلا، متوعدا الصحيفة دون التكلف بعناء توضيح حقيقة ما دار في الاجتماع أو الرد على ما أوردته الصحيفة من تفاصيل اللقاء،لكنها بالفعل لغة التطرف السياسي.
إن الاخوة في قيادة التجمع اليمني للإصلاح ما فتئوا يؤكدون للناس جميعا أن لامناص من إنتاج التطرف. فإذا كان بالأمس دينيا فها هي اليوم قياداته متقاسمة الأدوار في إنتاجه دينيا وسياسيا، وإذا كان ذلك نموذج التطرف السياسي في تعاملها مع قضايا الحوار ومع أي معلومة قد تنشرها الصحف والصحفيين تعارض هوى الإصلاح، فإنه أبشع وأمرّ في ما طرحه محمد قحطان رئيس الدائرة السياسية لحزب الإصلاح في المؤتمر الصحفي(للمشترك) مطلع الأسبوع الماضي حين اعتبر عدم لجوء "المشتركـ" للقضاء بشأن اللجنة العليا للانتخابات نابعاً من قناعة أن القضاء أيضا غير نزيه، مهددا بمقاطعة آليات النظام السياسي برمتها والانتخابات واحدة منها...
فعلى اعتبار أن الأحزاب السياسية قدوة المواطن في نهجها ونضالها السلمي والمدني فان اخذ منحى التطرف السياسي من قبل هذه الأحزاب لتكريس صورة مشوهة للقضاء ومرجعيته ليس سوى تحريض للمواطنين على عدم الثقة بالقضاء وهو ما يمثل انتكاسة باتجاه دورة العنف فعن أي نضال سلمي يتحدثون؟؟
إن ما نفهمه ونعيه أن الشرط الحضاري والإنساني لبناء الوطن ومستقبل الإنسان فيه لا يأتي إلا من خلال رفع الدستور والقانون فوق الجميع؛ لأنه المرجع والحكم وما القضاء إلا آلية من آليات تنفيذه.. فعندما لا يصل أي حوار إلى نتيجة أو عندما يدب صراع داخل بنية المجتمع فإن قوة الدستور والقانون هي التي تطمئن الفرد منا بحقه ومن خلاله تتحقق المفاهيم الصحيحة للعمل السياسي والسلام الاجتماعي.
واحسب أن الدعوة التي أطلقها مؤخرا القاضي حمود الهتار لفرقاء العمل السياسي بشأن دعوتها للحوار، بحاجة إلى أن تتعاطى معها الأحزاب بجدية بعيدا عن التشنجات والانفعالات التي بدت ظاهرة في رد فعل قيادات الإصلاح حين اعتبروا أن هناك صفقة يسعى لنيلها الهتار مقابل إطلاقه تلك الدعوة..وهو ما يظهر حكم النوايا السيئة تجاه أية دعوات داخلية مخلصة للحوار لأن قضاياهم كلها صفقات.
وفي اعتقادي أن القاضي حمود الهتار كما استطاع باقتدار الحوار مع المتطرفين الدينيين والذين اقتنعوا ورجعوا إلى جادة الصواب وانطلقوا يمارسون حياتهم الطبيعية داخل المجتمع مجنبا اليمن حماقات ذلك التطرف الأعمى الذي يخلق الإرهاب وشهد لذلك العالم بأسره،لقادر على رأب الصدع بين فرقاء الحياة السياسية من خلال حوار مخلص يمكن من خلاله إرجاع متطرفي السياسة إلى جادة الصواب.
غير أن ما يبدو جليا أن حزب الإصلاح منشغل بقضايا عالمية بعيدة عن قضايا وهموم الوطن وهو ما أكده القيادي الإصلاحي والوزير السابق الدكتور عبدالرحمن بافضل في لقاء أجرته معه صحيفة «الناس» مؤخرا حيث اوضح أن أولوية حزبه حاليا تكمن في إدارة الحوار مع الغرب؛ كونه لا يزال يرى في حزبه تياراً دينياً متهماً بالإرهاب.