لتبديد القلق من محنة التفتيش في ضمائرنا

لتبديد القلق من محنة التفتيش في ضمائرنا

*ميفع عبد الرحمن
> (إلى الزميل العزيز الصحافي وصانع الرأي، الفدائي النبيل سامي غالب -رئيس التحرير- الذي يسعدني أن يدون اسمي مع اسمه سوياً في سفر تاريخ حرية الصحافة وحرية الرأي والتعبير في اليمن -عند مطالع الألفية الثالثة).
من يعرفني -من قريب أو بعيد- ويتذكر مقالتي (تمخض الوزير.. فولد أوبريتاً صحيفة "صوت العمالـ" الأسبوعية عدن: أكتوبر 1992)، حول (قلادة الثورة/ لوحة شعرية غنائية موسيقية راقصة للشاعر حسن أحمد اللوزي: صحيفة "26 سبتمبر" الأسبوعية، وكتيب صغير –صنعاء: سبتمبر 1992)، ويعلم أني مع الزملاء الأعزاء: الأستاذ سامي غالب -رئيس تحرير صحيفة "النداء"، ومحرريها الكتاب الشباب الجسورين: عبدالعزيز المجيدي، فؤاد مسعد، والشفيع العبد، نقف -منذ 14 ديسمبر 2009 الفائت- أمام فضيلة القاضي منصور شائع رئيس (محكمة الصحافة والمطبوعات!) في صنعاء، وأربعتنا -من دون الرئيس سامي- نقيم في محافظات أخرى: تعز، الضالع، شبوة، وعدن، يدافع عنا المحامون الأساتذة: عبدالعزيز ضياء الدين البغدادي، نبيل المحمدي، وشكيب الحكيمي، من اتهامات باطلة، نحن الخمسة -وسوانا من الكتاب الأحرار- أبْعد ما نكون عنها، بُعدَ الوطن الحقيقي عن ناهبيه، نافذيه ومفسديه، هي:
- إثارة النعرات المناطقية (!)،
- بث روح الشقاق (!) والكراهية (!) والتفرقة (!) بين أبناء الوطن الواحد (!) بما يمس الوحدة (التي كانت تُدعى "اليمنية" شعبياً ورسمياً -قبل 7/7/1994 - ثم صارت رسمياً فقط -بعد هذا التاريخ الأسود- تدعى) الوطنية، ويتحدد ذنبي شخصياً من هذه الاتهامات بمقالتي (أوهام السلطة الحاكمة في كسر القضية الجنوبية: صحيفة "النداء" الأسبوعية -صنعاء: مارس 2009)؛ قلت إن من يعرفني ويتذكر مقالتي القديمة تلك، ويعلم بمحاكمتنا -حالياً- لا يتردد عن إحالة دافع محاكمتي بالذات، مع وصمي بالفرار من وجه العدالة! (في هذه الحالة بالضبط، تُرى أيها الفار -فعلياً- من وجه الآخر: العدالة أم ميفع عبدالرحمن؟ هكذا يتساءل عديد الزملاء والأصدقاء والأهل) على مواتاة رياح الأزمة العامة في اليمن -منذ 7/7/1994 - والتي اشتد عصفها عتواً، لاسيما في الجنوب -خلال السنة الماضية- لرغبة دفينة عند معالي الوزير جلاد الإعلام حسن أحمد اللوزي (موديل 2009)، في أن يشفي غليل الوزير شاعر القلادة حسن أحمد اللوزي (موديل 1992)، لا أقل ولا أكثر، لكن بطريقة لا يخفى فيها تشبُّه معاليه بصورة (الجنرال في ساحة الحرب)، بتأثير انخراطه المستَقْيَل داخلياً وخارجياً بالكلمة المقروءة والصوت والصورة والكترونياً في مواجهات سلطته الساخنة -إلى درجة الغليان- بالنار والحديد والجارة /الشقيقة /الكبيرة و"يا روح ما بعدك روح" ضد (شرذمة!) الحوثيين في الشمال و(طراطير!) الحراك السلمي والديمقراطي في الجنوب و... (بقايا) القاعدة (!) في أرجاء البلاد.
إذن! أين هي (الوحدة) (الوطنية) التي يُزَجُّ بنا جماعاتٍ، أمام فضيلة القاضي منصور شائع، باسمها ظلماً وعدواناً؟!
ثم أين هو الوطن حقاً، خارج دائرة أوهام السلطة الحاكمة المغلقة، الصمّاء و(الممسوسة) وحدها بالفساد والفشل الفاضح؟!
أم هل هذا وطن، أيها الواهمون الأوهن من بيت العنكبوت؟!
فأنتم مثلما عجزتم ونأيتم تماماً -منذ 7/7/1994 - عن حماية وحدة الشعب اليمني، تعجزون وتخارون –الآن- كلياً أمام ما يتهدد وطنه -من جرّاء سياساتكم الضالة، القمعية، الوحشية، الرعناء، المكابرة، والمقامرة- بالتفجير والتشظي إلى قطع ميكروسكوبية، ملتهبة، ولكل واحدة منها أجندة خاصة –خارجية لا صلة لها مطلقاً بالوطن ولا بالوطنية...
والآن، ماذا بعد ذلك؟
من جهتي شخصياً، وحيال هذه المحاكمات المنصوبة للصحافة المستقلة والمعارضة ورؤساء تحريرها وكتابها ومحرريها، لا أملك للأديب حسن أحمد اللوزي إلا الرثاء له، إذ أُعيد عليه في حضرة القارئ مَطلع (قلادة الثورة)، كي نمكِّنَه -على الأقل- من استيعاب هذا التساكن غير السوي بين الشاعر -الحر بالضرورة- والجلاد -العبد بطبعه- داخل الشخص الواحد، حيث يقول المطلع كما هو بتشكيله نصياً:
"مهما دَجى التاريخ.. لا يتأخرُ الفجرُ
مادامَ ومضُ الحق لا يتحولُ
مادامَ عزمُ الشعب لا يتغيرُ..
مادام إيمانُ القلوب مسيجٌ...
بأصالة الإيمان..
وحكمةٍ لا تنكرُ..
وإباء نفس في السماء شموخها..
مهما يحاصرها الظلامُ فإنها أبد الحياةْ لا تُقهرُ..
بل تَقهرُ.."
بصرف النظر عن منظر النقاط المبعثرة في نهايات السطور، وعن ركاكة التراكيب اللغوية، مثل: "دَجى التاريخ"، "حكمةٍ لا تُنكرُ"، "نَفْس في السماء شموخها"، "أبَدَ الحياة"، زيادة انمحاء الصورة الشعرية في سطحية الرؤية للحدث المعبَّر عنه: ثورة 26 سبتمبر بعد 30 عاماً.. فإن ما يهمنا هنا -من هذه الإعادة /المقارَبة- هو تلفظات الشاعر عن: (التاريخ، الحق، الشعب، الإيمان، الحكمة، الحياة).. فمثل هذه المفردات، من الواضح أن الشاعر نسي مفاهيمها ودلالاتها. ولهذا فإنه لا يحس بغيابها عن الواقع الراهن، وهو مشغول عنها بتبرير قتل المدنيين وتمجيد قتلتهم.
أخيراً، ليس لديّ ذرة شك في أن أياً من حَمَلة الأقلام العصية على "سيف المُعز وذهبه"، ممن تعرضوا ويتعرضون وسيتعرضون لكيد شيطان الإعلام واستعداء النيابة العامة –ومن نيابة الصحافة والمطبوعات- عليهم، والسعي إلى انتزاع أحكام قضائية تصادر -بهذا القدر أو ذاك- حقهم، بل وواجبهم الإنساني والأخلاقي والوطني في التعبير -كتابةً وعلناً- عن آرائهم في أحوال وواقع مجتمعهم وبلادهم وشعبها، لن يكون أجدر بالواحد منهم أكثر من مخاطبة أيٍّ من المعنيين بأمر هذه المحاكمات -من خارج مؤسسات السلطة الثالثة- بقول عالم الغيب والشهادة القهار العظيم ذي القوة المتين، في محكم تنزيله، على لسان القتيل من ابني آدم: "لئن بسطتَ إليَّ يدَكَ لتقتلَني ما أنا بباسطٍ يديَ إليكَ لأقتلَكَ إني أخافُ اللهَ ربَّ العالَمين" صدق الله العظيم.. (المائدة: 28).