إلى العقلاء في الجوار

إلى العقلاء في الجوار - منصور هائل

ليست اليمن قادرة على التعامل مع الطلب المتواضع الذي تقدمت به دولة خليجية كبيرة عبرت عن حاجتها ل100 ألف عامل من المدربين المؤهلين والمتخرجين من معاهد التدريب المهني والتقني. وكان واضحاً أن ذلك الطلب جاء في إطار مسعى خليجي جاد لإنجاد اليمن من غرق محتم وقادم في دوامة الفلتان الأمني والفوضى والحرب الأهلية.
ولن يكون بمقدور اليمن تأهيل العمالة المطلوبة في قادم الأعوام للمشاركة في بناء الجدار العازل الذي تعتزم المملكة العربية السعودية بناءه على حدودها مع اليمن، ويقول خبراء إنه يحتاج لمشاركة مئات المتعاقدين وآلاف العمال والفنيين، علاوة على مليارات الدولارات والتكنولوجيا المتقدمة والقادرة على تغطية الكهوف والممرات النائية والجروف المنحدرة والجبال الشاهقة والرمال المتحركة.
وبما أني أتحفظ على هذا الجدار ولا أعترض عليه لقناعتي الوطيدة بحق أية دولة أن تتخذ ما يلزم لتأمين وحماية حدودها في إطار القوانين المحلية والدولية المرعية، فقد ذهبت للتفكير في الأمر من زاوية اعتقادي بأن الأموال الطائلة والوقت والإمكانيات التي سوف تهدر من إقامة الجدار ستنفع أكثر من حال توجيهها نحو إزالة الأسباب التي حفزت وسوغت لبزوغه كفكرة، قبل سنوات، في ذهن الدوائر المختصة بالمملكة، وتحوله إلى مشروع جاد في الآونة الأخيرة، وقبل أن تدخل المملكة على خط الحرب في صعدة على نحو مكشوف وسافر وغير مسبوق في تاريخ السعودية، وإن بزعم «تطهير» الأراضي السعودية أو جبل الدخان من جيوب الحوثيين المتسللين.
ولأن الدخول في الحرب يعني انقطاع شعرة السياسة، فمن الوارد أن تكون فكرة وبالأحرى مشاريع الجدران والأسوار العازلة والمفخخة في المنطقة وبين دولها وأهلها، هي الموعد المنتظر في قادم الأيام والأعوام.
والمؤسف أنه بدلاً من أن تتوجه أنظار الأشقاء في دول الجوار الخليجي، وفي صدارتها السعودية، نحو الأسباب والمعوقات التي حالت دون توفر اليمن على إمكانية تأهيل العمالة الماهرة المطلوبة في أسواقها، وعوضاً عن التفكير بالسبل الممكنة لتأهيل اليمن في هذا المنحى، أصبحت أصوات طبول الحرب ومعاول بناء الجدران والأسوار هي الأطغى. وقد كان الأحرى بالعقلاء في المنطقة واليمن أن يعملوا على توسيع المشترك وإشاعة مناخات التصالح والتعايش والجوار، والحيلولة دون وضع اليمن وراء جدار عازل، رغم أن حروبها وحرائقها الداخلية نابعة، في الأساس، من الداخل، وبما لا يعني براءة وطهر نية دول الجوار التي أصبحت تجاهر في خشيتها من اليمن التي تتكدس فيها الأسلحة بملايين القطع، وعلى اختلاف الأنواع، واليمن بما هي محطة لتهريب الأسلحة والمخدرات، ولتمركز «القاعدة» وانطلاق عملياتها الخارجية، واليمن بما هي منطقة لاجتذاب عناصر العنف والتطرف بنسختها الجهادية ذات اللون الأفغاني المصري السعودي، أو نسختها ذات اللون الإيراني، أو بشتى النسخ والأصناف.
على الأصدقاء في دول الخليج والسعودية، أن يتشاطروا معنا التصدي لسؤال هذا الوضع الذي جعل اليمن عاجزة عن تصدير عمالة بنحو 100 ألف نسمة، في حين أصبح بمقدورها تصدير (المجاهدين) من كافة الأجيال، ومن الجيل المتمدرس والمتمرن على يد الزعيم العالمي للقاعدة أسامة بن لادن، المتمرسين في حروب أفغانستان، والعائدين إلى اليمن مع أواخر ثمانينيات القرن الماضي، إلى الجيل الثالث، وهو جيل العائدين من العراق، ومعهم وإلى جانبهم (مجاهدين) ومحاربين من مدارس شتى، ومن أصحاب كافة التخصصات: الاغتيالات، التفجيرات، تفخيخ السيارات والبشر والأطفال والنساء، ونسف المباني والبواخر وفتح الجبهات، وإقامة الإمارات، وكل ما كان للجيران فيه مساهمة ودعم وتمويل وإسناد بالمال والخبرات والفتاوى وكافة مواد وعناصر الدمار والخراب والاحتراب التي احتشدت وتلاطمت وتصادمت في اليمن، وغدت ترشح بفائض عنفها وتطرفها إلى الجوار والعالم.
على الأشقاء العقلاء في دول الجوار أن يرهفوا السمع إلى شيء من صوت العقل الذي يمكن أن يتناهى إليهم من اليمن اليوم بالكاد، ومن المفزع أن ينقطع حبله في الغد القريب بحافة حادة وقاطعة لأي سور أو جدار من تلك الجدران التي غدت تنزرع في الحناجر وتنزع ألسن الحوار لتزرع في محلها الألغام والخناجر.
mansoorhaelMail