مدينة القتل

مدينة القتل

* محمد الغباري
خلافا لما ينبغي عليه الحال تزدهر في رمضان الكثير من السلوكيات التي تخلو من الأدب، وتتعارض كلية مع ما ندعيه من أن شهر رمضان هو شهر للتقوى، فكل يوم تسجل عشرات من حوادث الضرب والمشاجرة والصدام وصولا الى الاقتتال..
منذ يومين شهدت المدينة السكنية في حدة، وبعد الإفطار مباشرة، معركة عنيفة استخدمت فيها مختلف الأسلحة بين مجموعة من أبناء طائفة البهرة وأبناء أحد التجار، وأدت الحادثة إلى إصابة 5 أشخاص إصابة أحدهم خطيرة، ويبدو أن الحل القبلي جاهز وأن الحكومة غير معنية بالمعركة والأسلحة التي استخدمت فيها..
لم نعلم على وجه اليقين أسباب ظهور الأسلحة الرشاشة المعدلة، ولا دوافع هذه المعركة التي وقعت في حي يفترض أن غالبية مسؤولي الدولة يسكنون فيه. لكنا سمعنا أن ملايين من الريالات قد رصدت لإرضاء أبناء طائفة البهرة، وتهجيرهم وعلى الدنيا السلام، وحتى اللحظة لست متأكدا ما إذا كانت الشرطة قد حرزت الأسلحة التي استخدمت في المعركة، ولا طبيعة الموقف الذي ستتخذه اذا تم الصلح القبلي وذبح القانون تحت أقدام ثور يساق الى أمام منزل الضحية..
تستطيع الحكومة أن تتحدث عن الاستثمارات وعن القوانين وعن طوابير التجار الذين يحاولون الظفر بمشروع استثماري في اليمن.. لكنها لا تستطيع أن تخفي عن أي أحد أن عاصمة البلاد مخزن لمختلف الأسلحة ومدينة للقتل ومسرح لبطولات أبناء المشائخ وكبار الضباط والتجار، وهذا بحد ذاته أبلغ رسالة يمكن ان تصل الى كل مغفل قد يفكر بالقدوم الى هذا البلد..
ما زلت أتذكر كيف أن طقما عسكريا تعرض للاهانة والتوبيخ من احد الشيوخ الصاعدين عندما وجد ان الطقم يبحث عن أسلحة بالقرب من إحدى المقابر حيث كان الشيخ يشارك في تشييع إحدى الشخصيات، وأعلم جيدا أن طقما آخر يقف بصورة متواصلة عند باب احد المساجد لمنع او مصادرة الأسلحة، وأن أفراد هذا الطقم لايجرؤون على الاقتراب من الشيخ الذي يحضر لصلاة الجمعة معززا بكتيبة من حمران العيون المدججين بمختلف الاسلحة، لكن هؤلاء الاشاوس يكونون وحوشا مفترسة عندما يتعلق الامر بمواطن بسيط..
الأسبوع الماضي كان الصديق عبد الرحيم محسن عرضة لواحدة من بطولات البلاطجة حين اعترضوا طريقه وحاولوا الاعتداء عليه، ولما تمكن من الفرار بسيارته لم يرحموه بل هشموا زجاجها، ولان الرجل لايستند على قبيلة، ولا منطقة لا تقيم لقانون وزنا، فقد مرت الحادثة مرور الكرام، ومن قبلها عشرات ومئات الحوادث..
لامخرج لليمن من أوضاعها السياسية والاقتصادية الا بإعمال القانون وفرض هيبة الدولة على الكبير قبل الصغير، أما الانتصار المتواصل لقيم القبيلة على القيم المدنية، فسيقودنا جميعا الى مصير مؤلم عرفته بلدان ومجتمعات غيرنا، ولم نُجد نحن قراءة تلك الدروس، ونعمل على الدخول في مشروع طويل الامد لبناء الدولة الحديثة..