الزميل حمدي البكاري – رئيس لجنة الشؤون القانونية بنقابة الصحفيين اليمنيين لـ"النداء":

الزميل حمدي البكاري – رئيس لجنة الشؤون القانونية بنقابة الصحفيين اليمنيين لـ"النداء":

قدمت استقالتي من رئاسة اللجنة القانونية ولن أعود، ونحن فريق نقابي غير منسجم
 
من غير سابق إنذار أعلن الزميل حمدي البكاري، رئيس لجنة الشؤون القانونية وشؤون المهنة بنقابة الصحفيين اليمنيين، استقالته من رئاسة اللجنة التي كان يرأسها، لسبب أو سببين. غير أنه بدا حريصاً ومترفعاً للغاية عن الإشارة بأصابع الاتهام نحو من قاده لاتخاذ قرار الاستقالة، فليس بمقدور أحد إدانة نفسه، غير أن الرجل كان صادقاً كفاية كي يقول للجميع إنه لم يقم بشيء. وبعيداً عن الأسباب التي قادته لتقديم استقالته، فإن الموقف الذي قام به الرجل يحسب له بجدارة، ذلك أننا في بلد يندر فيه المتصالحون مع أنفسهم. وقد تحدث حمدي البكاري إلى الزميل محمد الحكيمي عن أمور هامة كانت كفيلة بإماطة اللثام عما يعتمل داخل الكيان النقابي الأبرز في اليمن. إليكم مقتطفات:
لصحفيين، وهي شائعة استقالة حمدي البكاري من رئاسة اللجنة القانونية. ما الذي حدث بالضبط؟
- فعلاً، قدمت استقالتي من رئاسة اللجنة القانونية وشؤون المهنة، قبل أيام، وذلك لأسباب كثيرة، وأتمنى أن يقف مجلس النقابة أمامها في محاولة لإجراء إصلاح حقيقي وفاعل.
> قلت إنك قدمت استقالتك لأسباب كثيرة. ما هي تلك الأسباب؟
- من الصعب إجمال الأسباب، ولكنها مرتبطة بالأداء العام للنقابة، الناجم عن خلل داخلي، مثل تداخل الاختصاصات وانعدام المؤسسية واتخاذ بعض القرارات المتناقضة أحيانا، وعدم تنفيذ البعض الآخر... وبصورة عامة غياب رؤى تحديثية، كمجلس جديد يستوعب عناصر الضعف في النقابة ويتحول معها إلى مستوى اتخاذ قرار قوي في ظل ما تعيشه المهنة ومنتسبوها من أوضاع صعبة. ولا أنسى هنا الإشارة إلى عدم اعتبار البيان الختامي للمؤتمر الأخير للجمعية العمومية كمرجعية أساسية في نشاط النقابة وتوجيه حركتها. في الحقيقة نحن كمجلس نتعامل من موقع ردة الفعل لما يحدث، ولم نصل بعد إلى أن نكون أصحاب الفعل، لدينا هدفنا وخططنا وبرامجنا، ولذلك تستهلكنا نقاشات مستمرة وطويلة، لنكتشف لاحقا أن ما جنته النقابة ليس سوى القليل، دون حتى وقفات تقويمية، لذلك وجدت من الصعوبة أن أقوم بمهمة رئاسة لجنة تفتقد للصلاحيات، وفضلت أن أستقيل من رئاسة اللجنة، كخطوة أتمنى معها أن نعيد النظر في آليات عملنا، وممارسة نوع من النقد الذاتي الايجابي، على أمل العمل بطريقة جديدة وحضارية ومتطورة.
> باستثناء عدم الأخذ ببيان المؤتمر، فإن الأسباب التي ذكرتها كانت موجودة مسبقاً في المجلس السابق الذي كنت فيه، فما الذي تغير؟
- لو افترضنا صحة سؤالك فالأصوب أن النقابة راكمت خبرتها واجتازت جوانب الخلل في عملها، وإلا فما كان للتطور أي معنى، فالموضوع -إذاً- مرتبط بمحدودية القدرة على إحداث الفاعلية النقابية النشطة في مشهد عام بائس أصلا، لكن ليس من المعقول أن نظل حبيسي رؤى قديمة لتسيير العمل النقابي في البلاد فروضها ذلك المشهد الاجتماعي والسياسي البائس، مع أن الفترة الزمنية منذ آخر مؤتمر، وهي فترة قصيرة جدا، لا تتعدى الأشهر، لا تسمح بعقد مقارنات أو حتى تقييم للمنجز في مجلس النقابة من عدمه، لكننا أمام مؤشرات ربما تجعل بعض الخطوات المتقدمة التي تحسب للمجلس السابق في طريق متعثر. نحن دائما نبدأ من جديد، ونلغي كل ما عملناه سابقا في نفس الموضوع، وذلك يحتاج إلى إعادة نظر فاحصة، لأن التراكم هنا يغيب تماماً وتحل محله الفوضى.
> لكننا سمعنا أن سبب الاستقالة يعود إلى استبعاد المجلس للنقيب الأسبق عبدالباري طاهر من قائمة المشاركين في ورشة عمل انعقدت في الأردن الأسبوع الفائت لمناقشة الخروج بقانون صحافة...؟
- الأمر يبدو أنه نُقل إليك بصورة غير دقيقة، فالمجلس حاول استدراك عدم مشاركة الأستاذ عبدالباري طاهر في اللحظات الأخيرة، ولكن دون جدوى. ما حدث أنه طلب مني قائمة المشاركين النهائية، وبعثت بها وضمنها الأستاذ عبدالباري طاهر، وهو صاحب تاريخ نقابي عريق حتما سنستفيد من تجربته وخبرته؛ لكنني فوجئت لاحقاً بأن اسمه لم يرد في قائمة المشاركين، وكذلك اسم المحامي الأستاذ نبيل المحمدي، المستشار القانوني للنقابة، والذي كان له ظرف خاص منعه من المشاركة، وعندما استوضحت سبب عدم وجود اسميهما عرفنا أنه لم يتم أصلاً إرسال اسميهما من النقابة إلى الجهة الدولية المنظمة للورشة، بحجة عدم التأكد من إمكانية موافقتهما من عدمها، وكأننا نحتاج إلى حمام زاجل للتواصل مع الأستاذ عبدالباري. إذاً حدث تجاوز لصلاحياتي، وفي ورشة عمل تتعلق بلجنتي ودورها المفترض، دون حتى منقاشتي في الأمر، أو حتى تقديم مبررات مقنعة، وبالذات فيما يتعلق بالأستاذ عبدالباري طاهر، مع أن كل نقاشاتنا في موضوع الورشة كانت تتم عبر البريد الالكتروني. وإذا افترضنا اللبس، كان بالإمكان الدعوة إلى عقد اجتماع للمجلس لحسم الأمر في وقت مبكر، باعتباره مرجعية أي خلاف... تفاصيل ربما ليست مهمة، لكنني بنيت عليها معطيات تستدعي اتخاذ موقف، فأبلغت النقيب والزملاء باعتذاري عن عدم المشاركة. وفي الحقيقة أنا لا يشرفني ولا أقبل مطلقا أن أكون رئيسا للجنة دون أن أملك صلاحية اتخاذ القرار فيها أو في شأن من شؤونها. واستقالتي من رئاسة اللجنة تنسجم مع قناعتي بذلك، وفي سياق عوامل كثيرة تستهدف إثارة القضايا العالقة، وتخلف الأداء للنقاش الداخلي في المجلس قبل أن نغادره، احتراما لإرادة زملائنا في الجمعية العمومية.
> يبدو لكثيرين أن القناعات في مجلس النقابة غير منسجمة. وباستثناء البيانات التي تصدرونها، ليس هناك مشروع حقيقي تسعى النقابة لتحقيقه. ما الذي تراه؟
- نحن كثيرا ما قد نختلف في المواقف والرؤى، وكثيرا أيضا ما نتفق؛ لكننا حتما لسنا فريقا نقابيا منسجما، لأننا نمثل وسطا نقابيا هو أيضا غير منسجم، بحكم الواقع القائم، ونسميه -حقيقة أو مجازا- "التعدد والتنوع". لكننا أيضاً جزء من مجتمع فيه من التناقضات وتباين الخلفيات المعرفية والثقافية والسياسية ما يكفي لانعكاسه علينا بسهولة. أما التحدي الذي ما نزال نخفق فيه كثيراً فهو قدرتنا في التفوق على سلبيات واقعنا، والتميز عنه، بتقديم نموذج نوعي للحضور والمبادأة. مثلاً، واحدة من المحطات التي يجب أن نقيم نقابتنا فيها: انعدام المبادرات فيما يخص صعوبة تغطية الصحفيين ميدانياً للحرب في صعدة، أو الأحداث في بعض محافظات الجنوب. أليس علينا أن نتحرك في النقابة لمواجهة هذا التحدي، حتى نمكن مجتمعنا من معرفة المعلومات الدقيقة ومن الميدان، وبالتالي نسهم في صنع التحولات في المجتمع...
> وكيف ينبغي أن تتحرك النقابة حيال ذلك؟
- استخدام كافة وسائل الضغط المدنية المتاحة دستورياً وقانونياً على أطراف الصراع، من أجل توفير
ئة عمل آمنه للصحفيين، ولو حتى وصلنا إلى إمكانية توقيع اتفاقية مبادئ مع هذه الأطراف تلتزم فيه مثلا بعدم تعريض الصحفيين للخطر وتحويلهم إلى ضحايا وأهداف لمجرد قيامهم بعملهم، أقصد هذا مجرد مثال أو استشهاد، ويمكننا في النقابة عمل الكثير من الأدوار، وهي أدوار نقدر عليها، وليست في خانة المستحيل.
> هل يمكن القول إن مشكلة النقابة الحالية هي عدم وجود مجلس واحد يمثل الصحفيين في اليمن؟
- النقابة موجودة، ومجلسها يعقد اجتماعاته ويحاول أن يبلور بصمته؛ لكننا غارقون في التفاصيل حتى الآن، والقضية ليست في مجلس واحد أو اثنين، مع أن التعدد النقابي كفله الدستور حتى في إطار المهنة الواحدة متى ما كان ذلك هو خيار الناس. لكن المشكلة الآن مختلفة، وتتعلق بمفهوم الفكرة النقابية، والذهنية التي تدار بها الفكرة، ونظرتها إلى سلبية حركة الدولة والمجتمع، والتعاطي معها بنوع من الاستسهال أو القبول والتعايش أحيانا.
> ألا نستطيع اعتبار موقف الاتحاد الدولي للصحفيين تجاه النقابة مؤخراً وتنويهه عن توقيف عضويتها سببا يكفي للحديث عن إخفاق المجلس الحالي في تكوين هيئة نقابية حقيقية؟!
- أي موقف تقصد؟
> الموقف الذي أشيع عن تورط بعض أعضاء المجلس في حملة إيقاف الصحف المستقلة قبل شهور...
- لم تصلنا كمجلس نقابة رسالة رسمية من الاتحاد الدولي للصحفيين بهذا الخصوص.
> لكنكم أصدرتم بياناً رسمياً يدين الأمر ويشير إلى ذلك ضمناً؟
- يبدو أنك تريد الحديث عن رسالة وصلت إلى بعض الزملاء في المجلس من زميل في الاتحاد الدولي للصحفيين تستفسر عن صحة ما تردد في سؤالك. عموما، يبدو أننا أخطأنا التقدير، على الأقل بالنسبة لي شخصيا، في إعطاء الموضوع أكبر من حجمه، فمن يعمل في العمل العام عليه أن يدرك أنه في محل نقد مستمر، ولو افترضنا أننا يجب أن نرد على كل نقد، فهذا يعني أن نتحول إلى خصوم لأنفسنا.
> كنا نسمع استعدادكم لرفع دعوة ضد وزارة الإعلام لارتكابها مخالفات في إيقاف الصحف. لماذا توقفت؟
- كثير من قرارات مجلس النقابة تتوقف.
> لماذا؟
- لأنه لا توجد آلية واضحة لتنفيذ القرارات ومتابعتها، بل نحن لا نعرف هيكلا إداريا وتنظيميا للنقابة.
> أهناك قرار ما يحضرك لم يتم تنفيذه على وجه الخصوص؟
- مثلاً: اتخذ المجلس قراراً بإجراء انتخابات فروع النقابة في أغسطس الجاري؛ ولكن حتى الآن لم نقم بشيء تجاه ذلك، ولا حتى إعادة النظر في القرار. وهذا يعني أن تقديراتنا في اتخاذ القرارات لا تبدو صائبة دائماً.
> ألا ترى أنك مازلت تتحدث من موقع رئيس لجنة الشؤون القانونية بالنقابة؟
- أعدك أنني لن أعود إلى رئاسة اللجنة طالما استقلت منها، وربما أستقيل أيضا من عضوية المجلس إذا استمر الحال كما هو عليه. فالعضوية في المجلس ليست وظيفة ولا واجهة اجتماعية، وإنما تكليف انتخابي من زملائنا الصحفيين لتسيير أمور نقابتنا، على اعتقاد منهم بقدرتنا على العطاء؛ لكن متى ما شعرنا بأننا لا نقدر على العطاء علينا أن نعود إلى زملائنا ونسعى معا لتغيير الوضع.
> ما الذي قمت به كمنجز يحسب لك في رئاسة لجنة الشؤون القانونية في النقابة؟
- لم أقم بشيء.
> هكذا! ولا شيء؟!
- أعترف، ولا شيء. فلا توجد لائحة تحدد مهام أعضاء هيئة المجلس ورؤساء اللجان وصلاحياتهم وحدود الواجبات والمسؤوليات...
> لو تحدثنا عن الأمور السيئة في المهنة عموماً، ما الذي ترى أنه أسوأ ما في الصحافة اليمنية على الإطلاق؟
- أسوأ ما في الصحافة اليمنية هو ظهور نوع من الصحافة الرخيصة والمبتذلة التي تمول أحياناً من المال العام.
> تتعامل الحكومة اليمنية مع الصحافة غير الرسمية بشكل تعسفي. برأيك لماذا؟
- لأن أي حكومة لا تريد أن تسمع إلا صوتها، حتى صدى صوتها لا تلتفت إليه، وكذلك بعض الأحزاب، فالعقلية الشمولية ما تزال تسحب نفسها في كثير من مجالات حياتنا.
> كلمة أخيرة لك. قل ما تشاء؟
- لو قال أحدنا كلمته الأخيرة كما يعتقد كثيرون، فهذا يعني أن يتوقف لاحقاً عن الكلام، وبالطبع ليست هذه مهمة الصحفي.