إنا لله يا صاحبي

إنا لله يا صاحبي

> منصورهائل
 لا يحضرني اسم من قال إن المرء ينتهي حين يستعذب التورط في الاعتياد على الأشياء، ولست في وارد تبرير مخالفتي لما درجت عليه من كتابه تنذر بـ«الويل والثبور وعظائم الأمور»، وتتوهم تقفي أحداث الساعة الملتهبة في بلاد مشبعة بالقيامة والقياميين.
وأزعم أني سأكف، هذه المرة على الأقل، عن كتابة الوهم المستغرقة في الغبش، وسأتخفف، ما استطعت، من أثقال الخطابة الغثة، والمواعظ الرثة، والشكوى من الغدر والغيلة والضوضاء والفوضى، وأغلال الزمان والمكان، والدنيا المغلفة بالهلع، والسقم الروحي، وصناعة الإقصاء، وتنمية السخافة.
وليس ثمة ما يحول دون تطلعي لكتابة رغبتي الجارفة بالرثاء.
رثاء انكسارنا وكسوف احلامنا، وانكشافنا من الألفة والمودة والهواء الطلق، وعجزنا عن تعلم الغربة المبدعة، المذهلة، الهائلة، وعدم اقلاعنا عن إدمان عادة التباهي بصمود الذاكرة وقدرتها على اجترار البطولات وتمثيلها.
وبما أني أتحيز لمن يقول باجتماعية الفراغ فليس ثمة ما يفزعني أكثر من تكرار القول بأن هذه البلاد تعاني من فراغ في الأفكار والمفكرين لأني اعتقد أن المحنة تكمن في أن هذه البلاد ترسف باغلال وأثقال الامتلاء، ونرجسيات المركزية الجريحة، والتمركز الذبيح.
ولن أتردد في تهجي الخطوات المفضية إلى الاستقرار في مرسى مودة ومقطع عزاء -يستحقه الدكتور عبدالرحمن عبدالله -الذي رحل عنا قبل أن يحتفل بعيد ميلاده رقم (67) في 26 سبتمبر القادم، وكأنه لم يعد قادراً على إطفاء شمعة جديدة في ذلك اليوم المشهود و«الخالد».
واعلم أن صاحبي لم يعد قابلاً بالمزيد من الانطفاء في ذلك اليوم، وأنه برم مبكراً مما يحدث وجاهر بقرفه من تعاطي الملهاة التي أفضت إلى حرماننا من المشاركة في صنع انحدارنا، ومن القدرة على توقع فداحة الافلاس والخواء.
أعلم أنه برم تماماً من المداهنات والمواربات ومن تنامي ركام المقولات الغارقة في الماضي، والطاردة للانسان والممتنعة على التلاقي مع العصر، ومن انعدام الانبهام اللذيذ الذي طالما كان يغوي الحالمين بكتابة أسئلتهم.
ولن أتردد الافصاح عن رغبتي في سؤاله، إذا ما كان زميله في الدراسة الابتدائية والمتوسطة بعدن الذي صار في الوقت الراهن رئيساً لمجلس الشورى قد تواصل معه وهو متجلط وقعيد على فراش المرضى منذ سنوات.
وكنت على استعداد لتلقي سيل لعناته وشتائمه المنهمر على رأسي بعد أن أسأله: هل أبلغك (الأستاذ) تحايا السيد الرئيس بل هل نقل اليك تحايا «السيد الرئيس»؟
وداعاً أيها المبدع الرائع والصديق النبيل الجميل.
وداعاً يا من رحلت عنا وأنت تعلم أن المرحلة صعبة جداً، وأن اليمن يمنات: سفلى وعليا، وشمال ملتهب، وشرق ملغوم، وجنوب منهمك في حومة البحث عن استعادة تعريف نفسه و.... «إنا لله وإنا إليه راجعون».