إمارة صعدة وبعد..

منصور هايل
منصور هايل

إمارة صعدة وبعد.. منصور هايل

تفصح الاخبار التي تحدثت عن قيام «الحوثيين» بمناورة عسكرية، قبل أيام من اندلاع المواجهات الاخيرة، عن امتلاكهم كميات هائلة من الأسلحة والذخائر على اختلاف أنواعها.
وتشير الاخبار التي تناقلتها وسائل الإعلام حول تسيير «الحوثيين» لدوريات عسكرية في مناطق الشريط الحدودي مع المملكة العربية السعودية إلى اتساع نطاق سيطرتهم وتمكنهم من امتلاك شرط سيادي يتيح لهم التفاوض والتنسيق مع السعودية، كدولة شقيقة متاخمة، في شريط حدودي تصل مساحته إلى 90 كيلو متر، وهو شريط يربط خمس مديريات من محافظة صعدة، ذات المديريات الثمان، بالمناطق المجاورة في المملكة.
وهنالك سيناريو أصبح ينطرح بقوة متزايدة هذه الأيام في تكايا السياسة، ويدور حول اتساع نطاق دائرة نفوذ «الحوثيين» بإيقاع نشط، مدوزن، ومتسارع، تلوح معه منطقة ميدي البحرية الساحلية دانية القطاف من قبل هؤلاء «الجماعة» في برهة أشهر، ما يعني اكتمال شروط بنيان وأركان الإمارة الحوثية ذات الحدود السيادية والميناء البحري المثالي.
ولما كان المجال الحيوي للإمامة الزيدية يشتمل على المحافظات الزيدية ومعها سلسلة الجبال والسهول العسيرة في السعودية مروراً بحجة.
وبما أن المرجعيات الزيدية في صعدة حافظت على مكانتها واحتفظت بدورها، وعلى ما هو أكثر من التأثير المعنوي والرمزي حتى بعد انقضاء زمن الإمامة عقب 26 سبتمبر 1962.
ولما كانت الجغرافيا توجه التاريخ ومجرياته، وترس ظلالة وإطاره، في أغلب الأحوال، فإن الاحداث الراهنة تعيد تأكيد وتجديد وتفعيل صعدة كعنوان لا يصلح للنسيان، وسلطة لا تستحضر الماضي الغابر فحسب، وإنما تفيد بأن ذلك الماضي مازال أمضى من أي شيء آخر، وهو شديد البأس، عنيف الحضور.
وليس بخاف على أحد أن «النظام» في صنعاء هو الذي استحث وأنعش ما كنا نتوهم أنه صار مستحاثة أحفورية، عندما اعتمد سياسة مناوشة أوكار الدبابير وتغذيتها، وعمد إلى تجديد طاقتها وقدراتها أكان عبر تمويل جماعة «الشباب المؤمن» الزيدية لتقاتل الجماعات السلفية، أوكان عبر استنفار الجماعات الزيدية بل والهوية الزيدية في عقر دارها ومعقلها الرئيسي من خلال قيام هذا «النظام» بدعم وتمويل إنشاء المركز السلفي وكذا تجنيد العناصر المتطرفة (المجاهدين)، والحاقها بالقوات المسلحة لمحاربة الحوثيين.
والواضح أن حرمان صعدة من أبسط الخدمات الأولية ولمسات العصرنة كان عاملاً حاسماً في إستبقاء المكان شاغراً لأي «سيد»، و«إمام»، وذلك ما كان بالأمس/ الأن.
وبمناسبة هذا الذي مازال يأتي تجدر الإشارة إلى أن صعدة أصبحت عنواناً جاذباً للمراقبين والباحثين العرب والأجانب، وصار موضوع الإمامة الزيدية التي قامت دولتها وتمركزت في صعدة في أحقاب غابرة مديدة من الموضوعات الأثيرة بالنسبة لطلاب وطالبات الدراسات العليا في الجامعات السعودية وغيرها.
إن ما يحدث في صعدة يشير إلى «انفصال» صعدة وخروجها عن نطاق سيطرة «المركز»، وهو لا يدعو إلى انتظار قيام إماره الأمر الواقع الثانية لـ«القاعدة» في مأرب والجوف، كما لا يستوجب ترويض النفوس والأذهان على متواليات الانفصالات الأخرى في الجنوب وفي أكثر من مكان، وإنْ كان الاتجاه الحالي للأمور يسير في هذا المنحى.
إن هذه التطورات تدعو كافة القوى اليمنية، من مثقفين ونخب سياسية ومنظمات مدنية وحزبية، أن تسارع إلى خوض حوار جاد حول إعادة صياغة الدولة في اليمن بصورة خلاقة وبعيداً عن الأفكار المسبقة، خاصة أن طريق التطور السياسي أصبح مسدوداً وقد تراكمت عليه جملة من المعطيات التي تقطع بأن البلاد يتجه إلى كارثة ماحقة، وإنْ لم تكن كوارث محققه.