هل حان وقت إعادة إنتاج الوحدة 3-4

هل حان وقت إعادة إنتاج الوحدة 3-4

                                         
>هدى العطاس
 ترتفع مطالبات عديدة ومن جهات تتبدى مختلفة تطالب النظام بالإسراع لوضع حلول عملية وعادلة لما تقتضيه الأوضاع في الجنوب، أو كما يطلق عليها البعض "أسباب الأزمة الجنوبية"، ويصفها آخرون بـ"التصعيدات الكارثية على البلاد ووحدتها"... أيّاً كان التوصيف أو النعوت، فالأكيد أنها مطالبات محمولة على وعاء النيات الحسنة؛ غير أنها دعوات يكتنفها التعميم والسطحية، وقلما ذهب أصحابها إلى التعيين؛ حيث إن أغلب القائلين بها يبتدرون حلولا سياسية أو اقتصادية، وأكثرهم حصافة يذهب للحلول الإدارية، وأغلب هذه المشاريع يبدو محفوفا بتطلعات شمالية (هكذا يقرؤها سكان جنوب البلاد)؛ حيث يرون في دعوات الحلول تلك بأنها مبتسرة داخل المنظومة القائمة، التي في نظرهم أنها لم تعد تمثلهم؛ إذ وحتى الآن لم يطلع علينا مشروع جنوبي خالص لحل الوضع داخل إطار الوحدة. وحتى المشاريع التي بدت جنوبية، كمشروع الرابطة تبعا لمنشئها الجغرافي، ليست سوى تنويع على مشاريع سبقته في هذا السياق. في اعتقادي يكمن الابتسار في أن كل مشاريع الحل التي قدمت، تجاهلت واحدا من أهم الأبعاد المؤدية لما صارت إليه الأمور، وشكلت ما وصل إليه وضع الوحدة، ألا وهو البعد الاجتماعي. لقد غابت أو غيبت قراءة هذا البعد مع شديد خطورته وأهميته. وإلى الآن لم يطلع علينا مشروع يأخذ في الحسبان البعد الاجتماعي، بمعناه الشعبي دونما حذلقة سياسية أو تكهن تنظيري؛ وأقصد به رأي الناس في معناه الأول، البكر، العفوي؛ حينما يقول لك مواطن جنوبي: "الشماليون لا يشبهوننا" فإنه ليس قولا عفويا، بل تتقدمه وتتذيله عشرات الجمل والمعاني. هل تنبه المحللون والمنظرون والساسة وكل الساعين إلى حلول، لهكذا رأي، وتوقفوا عنده طويلا وتنبهوا إلى أبعاده العميقة، وبحثوا في أغواره دون التعالي عليه واعتباره نافلة قول شعبي؟ سيتكشف لهم أنه تجليات الشرارة داخل دوامات الأزمة وكارثية الوضع، وأنه يتموضع مفصليا بين الأسباب، ويتنقل ليشعل الحرائق وسيظل يشعلها. إن الجنوبي الذي غدا موقنا من أن أنه لا يوجد تناغم في ثوب الوحدة، وأن نسيج الجزء الشمالي من الثوب تختلف أليافه وخامته عن النسيج الجنوبي، لن تعود ترضيه الحلول السياسية الجزئية التي تبقي على هيئة الثوب الوحدوي رغم تنافره، خامة وألوانا وصنعة. هكذا ينظر الجنوبيون إلى الوحدة في مستوياتهم الشعبية. لم يلتفت السياسيون ولا المنظرون والمحللون للبعد الاجتماعي، الذي كان مربط الفرس في تآكل روابط الوحدة... ظهر هذا البعد مع طلائع تحقيق الوحدة ومن ثم إرسائها بشكلها النهائي الذي وجد الجنوبي نفسه عليه، وبعد فترة وجيزة شعر الجنوبي بالغبن الاجتماعي، قبل الغبن السياسي والاقتصادي والمناطقي، الذي لحق ذلك، وسنسوق أمثلة تعيينية في العدد القادم.
hudaalattasMail