ساحة الحرية

ساحة الحرية

> محمد الغباري
جزء كبير من آلامنا يعكسها الحضور الأسبوعي للبحث عن الإنصاف في ساحة الجهة أمام مبنى رئاسة الحكومة. ورغم كثرة الفعاليات الاحتجاجية التي حضرتها في هذه الساحة، إلا أن التشكيلة التي تواجدت أمس كانت في تقديري أكثر تعبيراً عن حالة التدهور الكامل للحقوق.
في جزء من الساحة مازال أهالي الدكتور درهم القدسي يواصلون وقفتهم الاحتجاجية الأسبوعية بثبات وصبر لم يقطعه عدم تفاعل الحكومة مع قضيتهم، ولا اعتبار بعض أعضاء مجلس الوزراء أن المطالبة بالقبض على القتلة عمل سياسي مناطقي يستهدفهم شخصياً ولكن عزاءهم أنهم اليوم ليسوا وحدهم في هذه المحنة؛ إذ إن أبناء مديرية القبيطة أصبحوا يشاركونهم في اقتسام الساحة للمطالبة بقتلة ثلاثة من تجار الحلويات في "حبيل جبر" جرت تصفيتهم لأسباب مناطقية.
عندما أطلق أحد المسؤولين عبارته الشهيرة (واحد بواحد) بعد حادثة مقتل د. القدسي، كان الرجل يحدد النهاية التي يراد للقضية أن تصل إليها، وحينها خرج وكيل أول محافظة لحج ليطالب بمحاكمة قادة اللقاء المشترك في جريمة قتل ثلاثة من أبناء القبيطة وكان هو الآخر يرسم السيناريو الذي استطاع القفز على موانع المواقع الحكومية بسرعة فائقة يريد إخلاء مسؤولية الأجهزة الأمنية من ملاحقة القتلة، وتتحول القضية إلى سجال سياسي ومناكفات مثلما هو الحال مع معظم القضايا. وأظن أن مشاركة نشطاء المعارضة في احتجاجات أبناء القبيطة على تلك الجريمة الشنعاء ستكون مخرجاً للوكيل والأجهزة المعنية ليتنصل من مسؤوليتهم، باتهام المعارضة بتسييس القضايا.
إلى جانب اللوحات الكبيرة التي حملت عبارات التنديد بجرائم القتل كان "صاحب وصابـ"، محمد سليمان، يوزع وحيداً رسائل مناشدة إلى رئيس الوزراء يرجوه فيها إلزام أمن محافظة ذمار بتسليم الجنود الذين قتلوا أخاه قبل نحو عام، إذ إن توجيهات النائب العام بهذا الخصوص لا تمتلك قوة الإلزام، لأن الخصم يحتمي بالبزة العسكرية.
المشهد المؤلم كان يضم أيضاً العشرات من عائلات المعتقلين على ذمة الحرب في صعدة، وهذه العائلات لم تقطع زيارتها للساحة منذ شهور، وهي تحمل صور السجناء وعبارات الدعوة للإفراج عنهم بموجب قرار العفو العام.
وفي زاوية قريته من المدخل الرئيسي لمبنى الحكومة التي كانت تعقد جلستها الأسبوعية دون التفات لما يجري خارج الأسوار، كان العشرات من أبناء الطائفة اليهودية يتجمعون للاحتجاج على اختفاء إحدى النساء بعد خروجها من منزل زوجها قبل أسبوع.
الحاخام يحيى يوسف وأقرباؤه وجمع من أبناء الطائفة المقيمين في مديرية ريدة بمحافظة عمران لم يحملوا لافتة ولا وزعوا بياناً؛ لكن وجودهم في ذلك المكان جعلهم محط اهتمام وسائل الإعلام وفضول المتواجدين في الساحة أو حتى المارين من هناك.
المرأة متزوجة من أحد أبناء الطائفة، واختفت منذ أسبوع، والسلطات لم تفعل شيئا ولم تكشف عن مكان وجودها، ورجال قبائل يتصلون بين الحين والآخر بأهلها ليبلغوهم أنها قد أسلمت أو أنها تنوي اعتناق الإسلام، وبالتالي فلم يعد لوالدها أو زوجها حق السؤال عنها.
قالها الحاخام بألم وبسخرية: "يراد لنا ألا نسأل عن بنتنا ولا نعرف مصيرها، وقالوا سوف يزوجونها مع أنها مازالت على ذمة رجل آخر، هذا لا يقره دين ولا أخلاق".
في ساحة الحرية تتجمع الكثير من المظالم، كلها تعكس غياب العدالة والإنصاف. ولو أن دولة رئيس الوزراء استمع لكل المعنيين بالشكاوى وألزمهم لحظتها بإنصاف هؤلاء أعتقد أن ذلك سيكون أفيد بكثير من اجتماع يدوم لأكثر من ثلاث ساعات في كثير من الأحيان لا يخرج بشيء له علاقة بمطالب الناس ومظالمهم.
malghobariMail