الشعور بالخجل على الأقل

لست أدري كيف تملكتني الرغبة في تكذيب من يزعم أن الشعب اليمني «شعب جيولوجي» تمخضت عنه الهزات والزلازل والانكسارات، وأفضت إلى تكريسه بهذه الصفة: شعب جيولوجي.
ولن أتجرأ على نفي تلك الصفة إلا إذا ما وقفت على إشارات وقرائن أكيدة تقول بغير ذلك.
وعلى سبيل المثال فإني أحتاج لما يقنعني بأن اليمنيين، وفي الأقل ما يُسمى «النخبة»، أصبحوا يتبادلون نظرات الخجل مع بعضهم وأنفسهم وتجاه هذا الذي يجري في بلادهم، وأصبحوا يشعرون بأن الذين يحكمونهم ويتحكمون بمصائرهم صاروا بمثابة إهانة لا تحتمل.
ولست أتطلع أو أطمع في أكثر من ذلك. فالخجل هو نقطة الانطلاق المكينة نحو إعادة اكتشاف الشعب.
(2)
ثمة صديق عزيز أصبحت ألتقيه كل يوم، تقريباً، بمودة ومرح وشغف، فهو يتجدد ويحتفظ بلياقته وأناقته حتى عندما يكون بلا عمل، ويحافظ على الإقامة في تخوم السؤال، والتأمل في التفاصيل اليومية بعيون تغسلها أنداء الدهشة.
هو لا يعلم أني أعلم أنه لا يداوم على التواصل والجلوس اليومي معنا بحضور كثيف و«حاتمي» إلا عندما ينقطع قسراً عن العمل، أو تنعدم  فرصته ولا تلوح قدامه بالمرة.
يعجبني اعتصامه بالصمت، ويغيظني تعاليه في صمته، وتحاشيه مسايرتنا  في ما نحسب أنه «القضية» والسياسة.
هو لا يحتج ولا يرتج، ويكتفي بنصيبه من التبطل، ولا يجيب على اسئلة الساعة بغير سفاسف مقتضبة لا ترقى إلى مستوى الموقف.
قبل أيام أخبرني أنه انقطع عن عمله كمرافق للسياح الأجانب، وحكى أنه آخر مرة كان برفقة سائحة اجنبية، وذات مساء تناول معها وجبة عشاء لم تزد قيمتها على 800 ريال، وقد دفعتها بحبور غير أنها تأوهت، فيما بعد، وهي تدفع مضطرة أكثر من سبعة آلاف ريال مقابل فاتورة عشاء أفراد الطاقم الذي كان يرافقها في جولتها السياحية بغرض الحماية الامنية.
واكتفى صاحبي بالحكاية، ولم يسترسل بأكثر من القول أن معظم المحافظات والمناطق التي كانت مقصداً للسياح أصبحت مغلقة ومحظورة، كما أن معظم الأفواج السياحية الأجنبية ألغت زيارتها إلى اليمن، ما يعني أنه -اي صاحبي- أصبح بطالة وكفى.
(3)
كان يتجول بسيارته ويحملق فيما استجد وانطمر من معالم عدن أثناء غيابه، وفي تلك الأثناء استوقفته مفرزة أمنية مسلحة وشرعت في استجوابه بشأن الملتحي صاحب الصورة الملصقة على جانب من الزجاج الخلفي. ابتسم: «جيفارا!». كان المغترب اليافعي الشاب يعتقد أن في الأمر مزحة، فكيف لا يعرفون من هو ارنستو تشي جيفارا: أيقونة الثورة والثوار في كوبا وامريكا اللاتينية والعالم قاطبة.
وأصروا على عدم الفهم والتفهم، وخفروه إلى المعتقل، وانقطعت أخباره عن أهله وذويه. وبعد أكثر من ثلاثة أيام عرفوا أنه يرزح في معتقل «فتح» الشهير، بجريرة المشتبه المطلوب: جيفارا.
<  <  <
أودعني أحد الأصدقاء السر الذي انفرد به عبر مصدر أمني خاص، ومفاده أن الخاطفين الذين قتلوا الثلاث السيدات المختطفات في صعدة قاموا بفعلتهم تلك عندما اكتشفوا «أنهن غير متزوجات وبلا محرم».
ولكزني صديقي المراسل: هذه المعلومة ليست للنشر وسوف نتابع مصير بقية المختطفين.
... كل هذه الأشياء ألا تدعو إلى القرف وتَحمِل على الخجل!؟
mansoorhaelMail