أشباح صدام

وصلت اليمن إلى مستوى المعضلة، حيث اللاحل هو سيد الموقف، والانسداد هو العلامة الفارقة والشاهدة على وضع البلد الذي يتخبط في الفوضى والتشظي والفشل.
وخرجت المعضلة اليمنية عن نطاق سيطرة وتحكُّم «الاطراف المعنية» في الداخل، وصار أمر تشريحها متاحاً ومباحاً لأي كان من الهواة والمحترفين، وصارت من موضوعات الساعة، الساخنة، في الصحافة الخليجية خصوصاً والعربية عموماً، وأغوت الكثير من كتاب الاعمدة الثابته والرأي بمقاربتها كلاًّ من زاويته.
ولفتني في الآونة الاخيرة دخول العديد من الكتاب العراقيين على الخط، وأحسست بأنفاس التراجيديا العراقية تلفحني وأنا أتصفح بعض تلك المقاربات التي تقصدت التذكير بالعبرة واستحضرت أشباح الحقبة الأخيرة من عهد الراحل صدام حسين.
وبالمناسبة كتب أحدهم أن «الدكتاتورية والعشائرية شر مطلق يدمر المناعة الوطنية للشعوب».
وزاد: «إن اليمن يعيش إيقاعات أزمة بنيوية ساخنة، بل وملتهبة.. بلاد أرهقتها الصراعات القبلية، وفساد السلطة، والاستنزاف الاقتصادي الفظيع الذي تسببه عسكرة الدولة التي تتشابه للاسف في الكثير من جوانبها مع الوضعية العراقية أيام حكم صدام حسين، وخصوصاً في سياسة تقريب الأهل والأحباب، واقصاء الشطر الأكبر من أبناء الشعب من سدة المسؤولية وعن التنعمم بالسلطة وامتيازاتها».
وزاد: «هناك أحزمة نار يمنية مازالت تتفاعل وتتطور، وبشكل عجزت معه السلطة الحاكمة، وحتى الوساطات العربية والدولية، عن حلها وتفكيك قنابلها الموقوتة.. الأزمة مع الحوثيين، تغلغل الجماعات الأصولية في مفاصل حساسة من الدولة، والسياسات العائلية لمؤسسة الحكم».
وأعاد التذكير بتجربة الوحدة المصرية السورية، بالاشارة إلى أنه كان بمقدور الراحل العظيم جمال عبدالناصر اللجوء إلى خيار الحسم العسكري، غير أنه رفض ذلك، لقناعته الوطيدة بأن «تثبيت الوحدة عن طريق سفك الدماء إنما هو المسمار الاخير في نعشها».
وختم داود البصري («السياسة» الكويتية 21/5/2009) مقالته بالقول «إن ما تحتاجه اليمن هو إصلاح مؤسسة الحكم من الداخل ومحاربة الفساد ومنع الدكتاتورية العائلية والعشائرية، فاليمن السعيد ينبغي أن يكون لجميع أبنائه.. عندما يصل اليمنيون إلى حالة توافق وطني وبناء برنامج إصلاح حقيقي بضمانات دولية وإقليمية، فإن كل الملفات العالقة ستحل تلقائياً».
«الدكتاتورية والعشائرية شر مطلق وفيروس خبيث يدمر المناعة الوطنية للشعوب، ولكم في التجربة العراقية المرة حياة».
وفي السياق كان الجنرال وفيق السامرائي («القبس» الكويتية 23/5/2009). كتب: «لكي لا تتحول اليمن إلى أفغانستان الجزيرة»، وسلط الضوء على العديد من نقاط الخلل وعلامات تحلل الدولة في اليمن.
وكثيرة هي التناولات الصحافية التي كانت أشباح صدام تطل من ثناياها وتعوي في سطورها وتطفو على سطحها، ولم تكن تخرج عن هذا المدار إلا لكي تستدعي «الصوملة» أو «الأفغنة»، وغير ذلك من المعالم التي غدت بمثابة وحدة القياس أو زاوية النظر المعتمدة لقراءة «المعضلة اليمنية».