هل ننتظر الطوفان؟!

هل ننتظر الطوفان؟! - محمد الغباري

ليست المرة الأولى التي تتجه فيها الاحتجاجات في المحافظات الجنوبية والشرقية نحو استعداء أبناء المحافظات الشمالية؛ لأن القائمين على هذه الحركة اعتبروا الجغرافيا خصما وسببا لحرب صيف94م، ورأوا أن إثارة الكراهية للجغرافيا حتى تصبح سلوكا يمارس على الواقع هو الانتصار الذي سيعيد كل الحقوق وينصف كل مظلوم.
اليوم، وقد اهتز الجميع من هول التعبئة المناطقية التي عمل قادة الحراك بدأب على تكريسها والتحريض عليها، وتجسدت في أعمال العنف التي استهدفت أبناء المحافظات الشمالية في مدينتي المكلا وزنجبار، فإننا أمام امتحان حقيقي لقدرتنا على تجاوز نفق الاقتتال الأهلي إلى رحاب الحوار، بعيدا عن تجييش الشارع وتحريض الناس على الكراهية، لأن أقرب نتائج هذه التعبئة لن يكون الانفصال، ولكن اقتتالا داخليا لن يسلم منه أحد.
منذ ظهور حركة احتجاجات المتقاعدين العسكريين كانت الغالبية العظمى من الناس تتعاطف مع هؤلاء وعدالة مطالبهم. وقد أدى ذلك في النهاية إلى الاستجابة لمعظم المطالب التي تبناها هؤلاء. إلا أنه ومع تحول تلك الاحتجاجات من مطالب تنادي بإعادة الشراكة التي قضت عليها حرب صيف 1994، إلى حركة منظمة مهمتها التحريض على أبناء المحافظات الشمالية، والدعوة للانفصال، وإنكار الهوية اليمنية، واتهام كل من يمتُّ بأصل لهذه المحافظات باعتباره ممثلا لنظام الحكم الذي وجد بعد الحرب. أدرك الكثير خطورة هذا التحريض، ونبهوا إلى كارثة المشاريع الصغيرة التي يراد لها أن تنبت على جراح المتضررين من الحرب اللعينة.
لقد تحول الباعة المتجولون والعمال، بفعل التحريض الأعمى، إلى عملاء للمخابرات وجنود للنظام، بل ونودي عليهم في أحيان كثيرة كمحتلين. وفي حين كانت أطراف رئيسية في المعارضة تبرر مثل هذا الخطاب، وأخرى تقلل من شأنه وتطالب بعدم التركيز على مثل هذه الأفعال الشاذة، تجاهلت الأحزاب والصحف أطروحات خجولة تحذر من أن مثل هذه التعبئة ستؤدي في يوم من الأيام إلى تكرار درس الحرب الأهلية في رواندا، والتي دفع الراونديون ثمنها نحو مليون ضحية.
التاريخ لدينا مليء بالدروس. وقد كانت أحداث أغسطس في الشمال مثالا للجرح الذي لا يندمل، ومثلها أحداث 13 يناير 86، حيث برعنا، كيمنيين، في ذينك التاريخين المشؤومين، في إظهار قدرتنا على القتل وسفك الدماء استنادا إلى اللهجة أو البطاقة الشخصية. كما أن الحروب الداخلية في السودان أو في العراق أو في الصومال، وفي الكثير من البلدان الأفريقية، تبين أن الارتكاز على الدعوات المناطقية أو التحريض على الكراهية لم تؤدِّ إلى ولادة مشاريع حقيقية تلبي تطلعات حتى تلك المنطقة الجغرافية التي يتحدث هؤلاء باسمها؛ ولكن الناس لم يدركوا حجم الكارثة التي حلت بهم إلا بعد أن دفعوا ثمنا باهظا.
والحال أن ثقافة الكراهية وتحريض أبناء المحافظات الجنوبية على أبناء المحافظات الشمالية بقدر ما هو خطاب منبوذ في عالم اليوم الذي أصبحت فيه، فإن الاحتفاء الكبير به من قبل أطراف إقليمية، وتضخيم الأمر، يظهر أن أطرافا أخرى هي التي تدير اللعبة وتتحكم بها، لأن عودة الوجوه التي تضررت من ثورة أكتوبر وتصدرها واجهة الأحداث لا يعكس قوة فعلية أو اجتماعية لهذه الجماعات، وإن كشف عن مستوى التنظيم والدقة التي تدار بها القضايا بصورة أقوى من قدرات وإمكانات أشخاص خبرناهم في مختلف المراحل التي مرت بها البلاد...
malghobariMail