في إطار مبادرة "المدارس: شركاء المستقبلـ".. مسرحية "مومو" أمام طلاب وطالبات مدارس عدن

في إطار مبادرة "المدارس: شركاء المستقبلـ".. مسرحية "مومو" أمام طلاب وطالبات مدارس عدن - نادرة عبد القدوس

يضيق الحال بالإنسان الباحث عن لقمة العيش الشريفة والسعادة، فيبذل قصارى جهوده من أجل توفيرها وتوفير حياة كريمة لأسرته. إلا أن الشيطان، منذ أن تسبب في هبوط أبينا آدم وأمنا حواء من الجنة إلى كوكب الأرض، متربص بالبشر وقد أقسم ليغوينّ عباد الله بكل ما أوتي من قوة، لذا نجد الشر مغروساً في نفوس بشر يعيشون بين ظهرانينا، سيماهم في وجوههم كما هي في أفعالهم، ويكادون لا يشبهون باقي البشر. هؤلاء الناس الأشرار يسرقون من الناس سعادتهم كما يسرقون الطعام من أفواههم. يحاولون بكل قوتهم وجبروتهم العيش على استغلال الآخرين والبغي والاعتداء على حقوق الناس. إلا أن الله، الحق، والعدل، هو المنتصر عاجلاً أم آجلاً.
هذه الأمور كانت مثار اهتمام الكاتب الألماني المبدع ميخائيل إنده، الذي نشأ في أسرة تهتم بالأدب والفن، فألف الكثير من الأعمال الأدبية التي تناول فيها قضايا الإنسان وحقوقه، منها على سبيل المثال لا الحصر: "قصة بلا نهاية"، ورواية "مومو" التي كتبها في تسعينيات القرن المنصرم بأسلوب فلسفي رفيع مبسط يفهمه الصغار والكبار في آن، فيه من المتعة وإيقاظ الرغبة في القراءة من خلال مشهديات مثيرة مملوءة بالخيال. وهي تتحدث عن أمرين، وهما: الأول: أثر الزمن في حياة الإنسان بكل ما فيه من تناقضات وكيف الاستفادة منه لسعادتهم والعيش بسلام، والثاني: تعلم مهارة الإنصات وترك الآخرين يعبرون عن آرائهم بحرية.
توفي الكاتب الألماني المبدع عام 1995، ولكن أفكاره الإبداعية ما زالت حية، أثارت قراء ومهتمين عربا بالأدب الغربي والأوروبي، فقام عدد من المترجمين العرب، من مصر ولبنان، بترجمة أعمال عميد أدب الأطفال الألمان (إنده) إلى اللغة العربية. وكانت الترجمة اللبنانية لرواية "مومو" قد تم عرضها وتسويقها بنجاح في المملكة المغربية عام 2002 في حوالي ثلاثين مدرسة ومركزا ثقافيا، ذلك لاقترابها من الأسلوب التدريسي التربوي.
قامت فرقة "أيوبـ" المسرحية المغربية بتناول رواية "مومو" بقالب مسرحي شيق. وكان أعدها للمسرح بتقنية فنية رائعة الكاتب المسرحي المغربي عمر الجدلي، وأخرجها المخرج المسرحي والسينمائي المغربي إبراهيم الهنائي. وكانت الفرقة، التي أسستها وتديرها الأستاذة حياة غافري عام 1994، قامت بعرض المسرحية في المغرب بدعم من وزارة الثقافة المغربية على مسرح دائري يشير إلى دوران الزمن. كما تم عرضها في مصر في نوفمبر العام الماضي.
وقد حدثنا مخرج المسرحية، الهنائي، بعد عرضها في البيت الألماني في محافظة عدن وفي مدى يومي 18 و19 أبريل الجاري، قائلاً: "كنت فكرت في إعداد رواية مومو كعمل سينمائي مغربي من إخراجي قبل خمس سنوات مضت، ولكن عرض عليّ الأستاذ عمر الجدلي فكرته بتحويل الرواية إلى مسرحية، فشدني ذلك، ووجدنا دعماً من وزارة الثقافة، وبدأنا بتنفيذ الفكرة على أرض الواقع. وأؤكد لك أنني أحببت جداً الرواية والمسرحية معاً، لذا قمت بإخراجها بإتقان، وكان لطاقم العمل الفني والإداري والتمثيلي الدور البارز في إنجاح المسرحية. وهنا أؤكد أيضاً حب العمل الذي نقوم به لنتقنه وليس لمجرد تنفيذه". مضيفاً أنه بعد عرضها في المغرب طلب المركز الثقافي الألماني هناك عرضها على مسارح بعض البلدان العربية، وكانت اليمن من ضمنها.
أما الأستاذ عمر الجدلي فيقول: "لقد حاولت أن أعد المسرحية بدقة شديدة بحيث لا تثير التوهمات عند الآخرين، خاصة في البلدان العربية، إذ إن الرواية تتحدث عن أمور فلسفية؛ ف"أورا" في الرواية هو إله الوقت الذي ساعد الطفلة مومو. وكان من المهم أثناء الترجمة وإعدادها للمسرح عدم استخدام العبارات ذات الدلالة الدينية، فقمنا بجعله حكيم الزمان وراعي وقت الناس الذي سرقه منهم الرماديون (الأشرار) في الرواية، ليخزنوه في بنك الوقت. كما أضفت المرشد السياحي (جيجي) واستبدلت شخوصا غير التي جاءت في الرواية. فمثلاً في الرواية الرماديون الأشرار يدخنون السيجار، فاستبدلتها بالمظلات الصغيرة".
"مومو" المسرحية تتحدث عن أثر الزمن في حياة الإنسان وكيف ينبغي استعماله لسعادتهم. بطلتها بنت صغيرة فقيرة ذكية جداً، تُدعى "مومو"، تهرب من ملجأ الأطفال إلى أطلال مسرح، فيشفق عليها ناس بسطاء، يرتبون لها غرفة مهجورة هناك لتسكنها، ونسجت علاقة فريدة مع سكان الحي المجاور للمسرح وكونت صداقة حميمة مع الأطفال ومع الكناس العجوز (بيبو)، وجيجي المرشد السياحي. أحبها الناس جميعاً لأنها لا تفعل شيئاً غير حسن الإصغاء، وكل من جالسها أو تحدث معها يشعر بأنه تطهر من هموم الدنيا.
في هذه الأثناء يظهر رجال من نوع خاص يُسمون "الرجال الرماديون"، يحملون المظلات وتصدر عنهم نسمات باردة، وقد استطاعوا أن يقنعوا الناس بضرورة توفير الوقت عن طريق بذل الجهد في الأعمال المستمرة، والعزوف عن الأعمال المبهجة لأنها برأيهم غير مفيدة، وتضيّع أعمارهم هباء، واقتنع الناس فتغيرت حياة المدينة، واغتنى الفقراء بسبب العمل المكثف، لكنهم فقدوا السعادة والأوقات الممتعة وهم لا يدرون لماذا! واستطاعت "مومو" أن تستدرج أحد الرجال الرماديين للاعتراف بحقيقتهم وبأنهم يستطيعون سرقة الزمان الفائض لدى الناس ليعيشوا هم، وبغير الزمان المسروق لا يستطيعون الحياة. وقرر الرجال الرماديون التخلص من "مومو"،لأنها تنبِّه الناس إليهم، فتشب الحرب الباردة بين الرماديين و"مومو"، وتبدأ رحلة البحث عنها من قبلهم، وقد تمكن هؤلاء الرماديون من إغراء صديقها "جيجي" بتحقيق أحلامه عن طريق الشهرة والمال والنفوذ، كما تمكنوا من تهديد العجوز "بيبو" الذي لم يتوان عن البحث عن "مومو" ليل نهار. وحين يكتشف الرماديون مكان "مومو" ظهرت سلحفاة اسمها "أكسيوبايا" قادتها إلى الأستاذ "أورا" الذي كان في قرية "اللامكان"، وعلى باب القرية هذه أوشك الرماديون على اعتقال "مومو" لكنهم أصيبوا بالذعر مما حدث، فبينما تسير هي والسلحفاة خطوة إلى الأمام يتراجعون هم إلى الوراء عشرات الخطوات حتى صار النيل منها أشبه بالحلم. فسر "أورا" مفهوم الزمن لـ"مومو" ودوره في حياة الناس، كما أوضح لها حقيقة الرجال الرماديين واستغلالهم للزمن وعيشهم عليه. وقبل أن يغادرها يهديها ساعة أشبه بالزهرة، ويوصيها بأن تحملها معها أينما سارت وبأن تستعملها في الوقت المناسب. تعود "مومو" إلى المسرح القديم برفقة السلحفاة وفي الوقت نفسه يتوقف الزمن وينشب صراع حاد بين الرماديين والناس من أجل الوقت المتبقي لديهم، ولكن تتسلل "مومو" لتفتح باب بنك توفير الزمن، فطار كل الوقت وتلاشى كل من تبقى من الرماديين. وعادت البهجة والسعادة للدنيا بعد أن عاد الزمن الصحيح.
وينتهي الكابوس وسرقة الزمن، وتجد "مومو" نفسها وسط المسرح الدائري بين ثلة من زملائها الممثلين، ويكتشف الجميع أنها كانت تحلم، لكنها تصر على أن ما حدث لها ليس حلماً بل حقيقة عاشتها في الزمان نفسه ومع الشخوص أنفسهم، وتؤكد يقينها بزهرة الساعات التي ما زالت في يدها.
أتقن الممثلون لعب أدوارهم، رغم عدم وجود الديكور المناسب ولا الإضاءة ولا خشبة مسرح، ونجحوا في إشراك جمهور المشاهدين من طلاب وطالبات عدد من مدارس عدن النموذجية من خلال التوجه إليهم والتحدث معهم في سياق أحداث المسرحية، ما أدى إلى شد انتباه وإعجاب الطلاب المتلقين بالعرض المسرحي الذي رافقته بعض اللمسات الكوميدية أتقن أداءها الممثلون المحترفون، وهم: زينب الناجم (في دور "مومو")، وليد مزوار، سعاد حسني، شريف وكلاندور، ومحمد آيت عدي.
تخصصت فرقة "أيوبـ" المسرحية في مسرح الطفل، وحصلت على جوائز كثيرة في المغرب.
أما المشروع المسرحي "مومو" فقد جاء في إطار مبادرة: "المدارس: شركاء المستقبلـ"، بالاتفاق بين وزارة التربية والتعليم والمركز الثقافي الألماني ومعهد غوته في شهر مايو 2008، على توسيع تدريس اللغة الألمانية في الجمهورية اليمنية وتعريف الشباب اليمني بألمانيا الحديثة وبالأدب الألماني.
وتبذل خبيرة تدريس اللغة الألمانية، السيدة كاترين فيتس، كل ما بوسعها في الإشراف المباشر على تدريس اللغة الألمانية في المدارس وربطها بوزارة التربية والتعليم، حيث مكتبها، ومعهد غوته في ألمانيا؛ علماً أن ست مدارس في صنعاء قد بدأت تدريس اللغة الألمانية كمادة اختيارية في المرحلة الثانوية في 2004، وفي بداية العام الدراسي 2009 بدأ المشروع في خمس مدارس نموذجية للبنين والبنات في عدن، وفي تعز خمس مدارس، وفي إب خمس أخرى، وثلاث في حضرموت.