حنايا.. مؤتمر نقابة أم مولد انتخابي!

حنايا.. مؤتمر نقابة أم مولد انتخابي! - هدى العطاس

انتهى المولد الانتخابي للصحفيين، حضرت فيه كل عناصر المولد: النشادون، والمهرجون، واللاهجون بالذكر أي ذكر، والبائعون المتجولون، والمغنون، والراقصون على الحبال، والمجذوبون المريدون، المصدقون بالكرامات والمنسربون في الزفة، والمتفرجون... كل هذه العناصر حضرت، وغاب صاحب المولد، ألا وهو الفعل النقابي، الذي من أجله احتشدت هذه الحشود ليتبركوا به، غير أنهم انغمسوا في الزفة ونسوه.
أثبت مؤتمر نقابة الصحفيين الذي اجترح مطلع الأسبوع، أن العمل النقابي في اليمن لا يراكم تجاربه، ولا يعمق خبراته، وأن العمل النقابي ببعده الديمقراطي المتمثل بالانتخابات وأبعاده المتعددة الأخرى، مازال ذا طابع أفقي مسطح، وليس رأسيا يحفر عميقا في التجربة متغلغلا ومؤثرا فيها. ويمكن أن نحلل بعض مظاهر التسطيح في التعاطي مع العمل النقابي عطفا على ما شاب المؤتمر الأخير وما غاب عنه.
أولا: احتشدت الجمعية العمومية بقضها وقضيضها وغثها وسمينها، وهناك من ليس له علاقة بالصحافة أو الكتابة ولا حتى بالتفكير، متطفلا متفيدا من ظاهرة التسيب المتفاقمة في الانتساب والانتماء، إلى الكيانات والأطر المشروطة بالعضوية. هذا التدافع الكامل لأعضاء الجمعية العمومية، أضفى طابعا غوغائيا على المؤتمر، وشتت الرؤية، وغطى على برنامج المؤتمر وأهدافه الحقيقية لحساب الفوضى والتمييع.
ثانيا: كان يمكن إنجاز آلية مختلفة للانتخابات مثلا من خلال نظام المندوبين، الذي يتبعه اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين، وهو كالتالي: تقام مؤتمرات انتخابية لفروع النقابة في المحافظات، يتم من خلالها ترشيح وانتخاب أعضاء مندوبين يمثلون هذه الفروع والمحافظات في المؤتمر العام، وبذلك يتم إلى حد ما تقليل حجم الفوضى وضبط عملية الاختيار للأعضاء المشاركين، ويمكن من خلاله النفاذ الى تمثيل نوعي وحقيقي، وإن حدثت بعض الشوارد ففي سقف منخفض. مما يكفل للمؤتمر العام ولو نسبيا الدخول بعناصر تسمح بوجود رؤية للعمل النقابي، وتحقق الهدف من هذا الفعل المهم في وجوده وحضوره.
ثالثا: غاب الهدف الأساسي من المؤتمر العام للنقابة ألا وهو معرفة جدوى العمل النقابي وجدوى النقابة وماذا حققت لمنتسبيها، وذلك من خلال الوقوف على عمل النقابة متمثلة بالمجلس السابق، ومناقشة تقارير الإنجاز خلال فترته النقابية، وإيثاب أعضائه أو محاسبتهم ولو بالنقد اللفظي، أما أن تهمل هذه التقارير وتحال الى لجان نعرف مسبقا كيف سيؤول مصيرها، والمجلس الجديد يجب ما قبله، وهكذا يفوت هذا الاستسهال بالتعاطي مع تجربة المجلس السابق فرصة التراكم والاستفادة من الايجابيات وتفادي الأخطاء والمواصلة من حيث انتهى زملاؤهم، وهذا في ظني الهدف الأساسي للمؤتمر.
رابعا: عملية الترشيح والانتخاب ليست هي الأساسية في العمل النقابي لأنه ما فائدة أن نرشح مجلسا ونقيبا جديدا لا يهمنا في آخر المطاف ما فعله خلال دورته الانتخابية، وهذا ما بدا عليه المؤتمر النقابي كأن كل هم المحتشدين التدافع على الفعل الانتخابي في ذاته، مغفلين تماما أن الانتخابات هي وسيلة وليست غاية بذاتها، وسيلة ديمقراطية لابد أن تتحلى بالنزاهة والرؤية والتعقلن، بما يعني أن يسبقها سؤال ماذا نريد من الانتخابات، إجابته ما نريده من الكيان النقابي الذي ننتسب إليه.
خامسا: أثبتت "النخبة"، وأنا قوست اللفظ وعلينا أن نضع تحته خطوطا عدة لأن للتوصيف شروط هشاشتها، وسأعرض ملمحا نستنطق منه محمول ذهنية هذه (النخبة)، وهو الموقف من المرأة، وأخص هنا الذكور حصرا، موقفهم من زميلاتهم في المهنة والنقابة، ولن يكون حديثي مبنيا أو منطلقا من عدم فوز امرأة (د. رؤوفة حسن) كنقيبة للصحفيين، وإن كان فوزها سيحقق سبقا على النقابات الصحفية العربية، ونقلة نوعية في الرؤية، لكن لكل عضو الحق في حساباته، وعلينا أن نحترم خياراته. غير أن عدم فوزها في أحد وجوهه يمكن أن يحيلنا إلى منظومة الذهنية العامة ل(النخبة) الذين ينظرون للمرأة كمكلف، هكذا كانت الصحفيات يسمعن اللفظة تتردد في قاعة المؤتمر. يقول أحدهم: ماشا الله المكالف خيراااات في القاعة... وآخر وآخر وآخر يقولون: إبدأوا بالمكالف علشان يروحين. وكأنما وجودهن مستهجن وغير مرغوب، ولو جاء من باب الحرص فهو حرص فيه تمييز سلبي، أو محمول رسالة أنهم لا يتحلون بالثقة والأخلاق ويخافون عليهن من أنفسهم.... وآخر يسخر: ذلحين هذه ما عندها مهرة بالبيت، ولا زوج وأولاد، بتجي تداكم الرجال في النقابة، تروح تطبخ أحسن. وهكذا كانت تدور الأحاديث والنميمة من البعض على زميلاتهم، وبعضهن أجدر بمراحل من غالب الأعضاء الذكور الموجودين في القاعة. ومازال هناك ما لا يمكن ذكره من تعليقات تذهب الوقار وتخدش الحياء، إلى جانب التيار الذكوري القوي الذي تكون لمناهضة "الكوتا" للنساء التي كانت ستوفر حصة أساسية لهن ستسمح بوصول وتمثيل عدد أكبر من النساء في مجلس النقابة، نتجاوز بها قاعدة "حبة في الكرتون"، مع شديد احترامي لصديقتي فاطمة مطهر، وغبطتي لفوزها لأنها تستحقه.
ما سبق ذكره وما لم يذكر يقودنا إلى دلالة اللحظة الثقافية التي نعيشها، ويدلل على مدى التخلف والجهل والسطحية والأمراض الذهنية التي تعتري الشريحة التي أسماها الرئيس بالنخبة، وانخفاض سقف مواهبها وإمكانياتها، وانعدام الثقة بالذات، ويدلل على نفسيات مهزومة تنعكس في الموقف من المرأة وفزع من حضور لافت ومتميز لها... وحديثنا ممتد.
hudaalattasMail