تخوض ريمة هذه الأيام معركتين: الأولى مع المحافظ

تخوض ريمة هذه الأيام معركتين: الأولى مع المحافظ - علي الضبيبي

يخوض عدد من أعضاء المجلس المحلي في محافظة ريمة، مقامرة جريئة هذه الأسابيع لإيقاف عدَّاد المخالفات المالية التي يرتكبها المحافظ. وفي آخر اجتماع دوري للمجلس قبل 4 أسابيع، قَرَّر هذا الفريق أن يصمد، وأن ينثر كل المخالفات على الطاولة مرة واحدة، لكن الهدف لم يتحقق. وتتصدر ريمة هذه الأيام الصحافة بقوة جراء حالة الفساد المالي والإداري التي وصلت أعلى مستوياتها بوصول علي سالم الخضمي إلى رأس المحافظة.
وبحسب المعلومات الأكيدة، فإن إجراءات حثيثة واجتماعات عليا تدرس خيارات إعفاء الخضمي من منصبه الحالي كمحافظ لريمة، بعد أن ثبت فشله من خلال ارتكابه عدداً من المخالفات الرهيبة في غضون 6 أشهر على توليه المهمة. ويعقد وجهاء ريمة ومشائخها وأعضاء مجلس النواب والمجلس المحلي، هذه الأيام، اجتماعات مكثفة من أجل إيجاد صيغة توافقية تهدئ الأمور وتدرس الخيارات والبدائل في حال اتخذ رئيس الجمهورية قراراً يوقف الخضمي.
وعلمت الصحيفة أن لجنة حكومية عاجلة برئاسة وكيل وزارة الإدارة المحلية وعضوية مدراء عموم في الوزارة وآخرين، ستتوجه السبت إلى محافظة ريمة في مهمة استقصائية للتأكد من صحة الكلام عن وجود مشاريع وهمية صُرفت لها مئات الملايين من البرنامج الاستثماري بالمخالفة للقانون، ودون أن تكون مدرجة في الموازنة.
وكان مدير مكتب المالية في المحافظة وجه عدة رسائل إلى وزير المالية تؤكد أن المخالفات التي حصلت خلال الأشهر ال6 الأخيرة تضاعفت بصورة مهولة لتتجاوز 350 مليون ريال «تحت إصرار المحافظ».
وذكرت الرسالة التي أرسلت إلى وزير المالية في 14 يناير الفائت، أن أكثر من 80% من 44 عملية صرف جديدة «غير معتمدة في البرنامج الاستثماري»، وتمت بأوامر ملحة من المحافظ. وتتساءل المذكرة: «ولا ندري إن كانت هذه المشاريع صحيحة أم وهمية لعدم إرفاق أي وثائق صحيحة أو اعتمادات في الموازنة».
وحصلت الصحيفة على معلومات جديدة من مصادر حسنة الاطلاع، أن عدد المشاريع التي صرفت بالمخالفة لقواعد الصرف ومن خارج إطار البرنامج الاستثماري للمحافظة، تجاوز 59 مشروعاً.
وأكدت المصادر أن المصروف لها 213 مليوناً و959 ألف ريال. وأفادت أن عدد المشاريع المعتمدة في البرنامج الاستثماري للعام الفائت 2008، بلغ 154 مشروعا،ً ورصد لها مليار و243 مليوناً و628 ألفاً، ولكن لم يصرف لها ريال واحد.
وكانت هذه الأمور بدأت تتكشف إلى الواجهة بعد رسالة شديدة اللهجة إلى المحافظ بعثها العضو المؤتمري البارز في المجلس المحلي بالمحافظة أحمد يحيى غالب الأبارة، قبل 3 أسابيع، يطالبه بعدم صرف مبالغ مالية مخالفة للقوانين مهما كانت المبررات، بالإضافة إلى «إعادة المبالغ المالية التي تم صرفها مخالفة إلى خزينة الدولة». ويحمله مسؤولية تنفيذ المشاريع الاستراتيجية في مناطق متوسطة من المحافظة "حتى يستفيد منها أكبر عدد من أبناء المحافظة».
وفي هذه الرسالة التي تناقلتها عدد من الصحف، خاطب الشيخ الأبارة المحافظ بوضوح: «إنكم بهذه المصروفات المخالفة للوائح والقوانين النافذة ستكبدون مخصصات المشاريع المعتمدة في موازنتي 2008-2009 عجزاً فادحاً وسيؤدي هذا الفعل إلى تعثر أكثر من 60% من هذه المشاريع، ولعل هذه التصرفات والمخالفات ستزعزع ثقة أبناء المحافظة بالمجلس المحلي».
وليس الأبارة وحده من أعضاء المجلس المحلي الثائرين على هذه الأوضاع المتردية. فقد هاجم الشيخ محمود الجبي، وهو أيضاً عضو في المجلس المحلي لريمة ووكيل لمحافظة ذمار، هاجم علي سالم الخضمي بشدة، واتهمه بالضعف، وحمله مسؤولية تعثر المشاريع و«بالذات المركزية».
وفي اتصال هاتفي قبل أسبوعين، قال الشيخ محمود إن هناك حالة من الفوضى الإدارية والرقابية أدت إلى إهمال وتأخر إنجاز عدد من المشاريع الحيوية، ضارباً المثال بـ«شبكة الطرق التي أخذت الكثير من المال والوقت ولا تزال بعيدة، وبمبنى المجمع الحكومي الذي بدئ العمل فيه قبل سنوات ولم يكتمل بعد».
وفي موضوع الصرفيات العشوائية أقسم محمود الجبي أنها بلغت حداً لا يوصف، "وأن الرئيس لو يعلم لما سكت». مضيفاً: «ما بالك بتقارير الجهاز المركزي التي للأسف ستكون فاضحة جراء عملية النزيف اليومي».
وكان الشيخ محمود الجبي يتحدث إلى «النداء» عبر التلفون من ذمار، ويتذكر بامتنان المحافظ السابق أحمد مساعد حسين، وقال إن الوضع كان أفضل بكثير مما هو حاصل الآن. واستغرب بشدة كيف أن المحافظ يحاول نقل عدد من المشاريع المهمة من وسط المحافظة إلى منطقة «الكبة» التي تقع ضمن نطاق عزلة «خضم» التابع لها علي سالم. متسائلاً: أنا لا أدري هل «الرجل محافظ لريمة أم محافظ على خضم».
وكان المحافظ قرر نقل عدد من المشاريع والمكاتب التنفيذية المهمة من مناطق الوسط إلى مناطق بعيدة عن الناس أقرب إلى تهامة منها إلى ريمة، مثل الاستاد الرياضي، الذي قال إنه اشترى له أرضية هناك ب23 مليون ريال. وهي عملية مخالفة للقانون وبمبلغ خيالي، حيث كان أحد الرعية في مديرية مزهر أو بلاد الطعام مستعدين للتبرع بأرض كافية في «بكال» أو في «ربوع بني خولى». وأيضاً تم نقل موقع مكتب التربية والتعليم من الجبين إلى منطقة «الكبة»، ومثله كلية المجتمع والمعهد الصناعي وغيرها. وهو فعل استفز الناس في ريمة، وأجّج عندهم حالة من الإحباط «من أن المحافظة جاءت لتحل مشكلتهم».
وفي ذات الموضوع تحدث الشيخ علي العكش إلى «النداء»، وقال إنه سيعمل من خلال المجلس المحلي على إقناع المحافظ بتعديل قراراته بشأن هذه المكاتب التي نقلت إلى خارج المحافظة، مؤكداً في الوقت نفسه على ضرورة الالتزام باللوائح والقوانين في كافة الإجراءات المتعلقة بعمليتي الصرف وإعلان المشاريع. داعياً إلى ضرورة إشراك المجلس المحلي في اتخاذ القرار والرقابة على تنفيذ سير المشاريع.
وسألته الصحيفة عما إذا كان المجلس المحلي أقر بالفعل إنشاء وحدات سكنية في ريمة من حصة البرنامج الاستثماري حسب ما ذكرت صحيفة «14أكتوبر» منتصف يناير الفائت، قال الشيخ علي العكش: لم يحصل هذا أبداً، ولا يجوز للمحافظ ولا للمجلس المحلي أن يعتمد شيئاً لم تتضمنه الموازنة. مشدداً على ضرورة أن تتحمل سكرتارية المحافظة مسؤولياتها في صياغة المحاضر دون زيادة أو نقصان.
وقد عبَّر الشيخ العكش، وهو شخصية معروفة وعضو محلي بارز، عن أسفه الشديد من تصرفات المحافظ غير القانونية.
وحول الدور الذي ينبغي على أعضاء المجلس المحلي أن يلعبوه إزاء هذه الأمور التي كثر حولها الكلام، قال علي العكش إن هناك من يحاول «زحلقة" المجلس المحلي عن دوره المناط به قانوناً. ولفت الانتباه إلى الاجتماع الأخير للمجلس، وكيف رُتب له بعناية» حيث نزل جدول أعمال طوباوي وغير منطقي أبداً، وعندما تقرأه تصاب بالإحباط، وبالتالي يرحل فوراً ككل مرة". ولتلافي هذه الإشكاليات مستقبلاً اقترح العكش «أن يقدم جدول الأعمال ويعرض على أعضاء المجلس قبل 10 أيام من الاجتماع". ويضيف: "لكن هذا لا يحصل للأسف».
في ذات الموضوع قال عضو المجلس المحلي عن مديرية بلاد الطعام فيصل الفقيه: «إن أكبر مخالفة هي تأجيل اجتماع المجلس المحلي عن موعده المحدد، حيث يفترض أن يعقد بموجب قانون السلطة المحلية كل 3 أشهر في ال30 من الشهر الثالث، لكن شهر 12 لا»، يؤكد الفقيه: «حيث في هذا الشهر قدم القانون الاجتماع 15 يوماً ليكون في 15 ديسمبر، وعلى مستوى المديريات قُدَّم من 15 إلى 1 ديسمبر».
ويلاحظ أن القانون راعى هذا الشهر «من أجل مناقشة الموازنة». لكن ما يحدث في ريمة هو العكس "فقد تم بدلاً من تقديم الاجتماع 15 يوماً، تم تأخيره 15 يوماً إلى 13 يناير»! يستغرب فيصل الفقيه.
وكان المجلس المحلي في محافظة ريمة عقد اجتماعه الدوري لمدة 3 ساعات تقريباً في 13 يناير الفائت، بجدول أعمال ضخم وهام، لكن الاجتماع توّج بالفشل. ولم يخرج المجلس بقرارات جوهرية في ما يتعلق بالمخالفات والتعقيدات الإدارية والمالية. يقول الفقيه: "لم نناقش للأسف لا الدرجات الوظيفية وعدالة توزيعها والتي حدثت فيها مخالفات رهيبة، كما لم نناقش المصروفات التي صرفت خارج الموازنة".
وإذ يتحدث فيصل الفقيه إلى الصحيفة بدا في كلامه شيء من الإحباط. وقد عبَّر عن ذلك بشكل شفاف: «للأمانة نحن كأعضاء مجلس محلي لا دور لنا. نحن لم ندعَ إلاَّ في وقت الاجتماع». ويستغرب كل هذا التهميش والتغييب لدور المجلس المحلي: «مثلاً لم نعقد أي اجتماع استثنائي يضم أعضاء المجلس المحلي والمكاتب التنفيذية على أساس نكوِّن قاعدة عمل مشتركة».. «لم نعقد اجتماعاً من هذا النوع قط» يؤكد.
وسألته الصحيفة عن وجهة نظره في تصرفات المحافظ، فقال: «المحافظ نشيط وعملي ومجتهد ويريد أن يخدم المديريات، إلا أن بطانته فاسدة». والمشكلة كما يلخصها الفقيه هي: «أن البطانة هي التي تعمل ما تريد وما على المحافظ إلا أن يوقع فقط وكأن الأمور تسير بشكل طبيعي».
وطالب فيصل الفقيه وزارة الإدارة المحلية بأن تقوم بدورها في المتابعة لما يحصل في المحافظات، و«ضرورة التعامل الشفاف والتكامل في ما بين المجلس المحلي والهيئة الإدارية والمكاتب التنفيذية»، وهذا رأي يوافقه فيه الشيخ العكش ويدعمه بقوة.
وعلمت الصحيفة من مصادر موثوقة أن ملف المخالفات المالية والإدارية التي حصلت في ريمة مؤخراً أُحيل إلى «هيئة مكافحة الفساد كحزمة واحدة»، وأن رئيس الجمهورية بنفسه يتابع الأمور عن كثب، حيث وجه رئاسة الوزراء بمنع أي تصرفات من هذا النوع خارج القانون «وعدم صرف أي مستخلص لأي مشروع إلا بعد أن يعلن في الجريدة ووفقاً لأحكام قانون المناقصات والمزايدات وعلى أن يشرك أمين عام المجلس المحلي بالتوقيع جنباً إلى جنب مع المحافظ على كل مستخلص».
تحتاج محافظة ريمة إلى وقفة جادة ومسؤولة أمام العبث الحاصل، وقبل ذلك إلى أشخاص أكفاء وجيدين لتتمكن هذه المحافظة الناشئة من الوقوف على قدميها وقد تأخر ذلك كثيراً.
 

.. والثانية مع الماء

الحياة في ريمة ممتعة لكنها مكلفة جداً. والمعيشة هناك، رغم أنها تبدو مغرية إلا أنها غير مناسبة لذوي الدخل المحدود ومن الذين يكثرون الوضوء ويغتسلون كل يوم.
هذه الأيام بالذات سعر الماء بالدولار، والرعية لا شيء يقلقهم سوى «عُدم الماء».
في ريمة لا تحصل أزمة غاز ولا ديزل –على ما يبدو- كما يحصل في صنعاء وبقية المدن، الأزمة الحقيقية التي تعكر حياة المواطنين هي أخطر: أزمة مياه.
قبل 5 أيام صرح محافظ ريمة بأرقام خيالية في عالم المشاريع والتنمية التي قال أنها أُنجزت على مستوى الأرض. لكن بإمكان صحفي واحد أن يسأل عن سعر «دبة الماء في الجبين بكم؟!». طبعاً ليست مهمة المحافظ أن ينقل «دباب» الماء إلى بيوت المواطنين على ظهره. لا.. لا. ينبغي عليه فقط أن يبدأ بالمسائل الأساسية، ويحل هذه المشكلة بصورة عاجلة.
على مدى 5 سنوات من تأسيس المحافظة، وربما من قبلها، والمسؤولون في مدينة الجبين يسقَّون المواطنين وعوداً ويغدقون عليهم بسخاء عناوين لمشاريع وهمية. وفي حقيقة الأمر، ليست «الجبين» وحدها وصل سعر دبة الماء (20 لترا) إلى 200 ريال، كل عزل ومديريات ريمة تعاني أزمة مياه حادة. وعلى محافظ ريمة أن يأتي بمشروع مياه واحد حل مشكلة مواطن في أي عزلة وأنجزته السلطة المحلية. في حدود العلم لا يوجد شيء من هذا. نعم هناك ملايين كثيرة رصدت لمشاريع حيوية (على سبيل المثال: مياه، خزانات وحواجز)، لكن هل بدأ الناس يغترفون منها بالفعل ويسقون أنعامهم؟!
(لاحظوا الصورة) المواطنون يلجؤون لوسائل جلب بدائية جداً وغير صحية. ماذا يعمل هذا الشاب الذي غادر دراسته في الصف الثالث الإعدادي ولجأ إلى العمل في أحد فنادق الجبين؟ إنه يمارس مهنة جلب الماء من كل مكان صباح ومساء كل يوم.
يستيقظ «ي. ش» بعد صلاة الفجر وأول شيء يفكر به «كيف يجلب أكبر قدر من الماء لزبائن هذا اليوم». وكغيره من سكان الجبال الذين أرَّق الماء حياتهم، يستفيد «ي» من كل الوسائل، ويتخذ كل التدابير لتجميع الماء. إنه يقوم بمهمة شاقة من على سطح منزله: يغترف الماء المحوى في السطح بـ«السطل» وأحياناً حتى بـ«علبة الفول الفارغة». هذه هي الصورة، حيث يلجأ الإنسان إلى استجداء أسطح البيوت بواسطة إغلاق الميازيب لمحاصرة الماء.
بالنسبة لسكان الجبين كانت المشكلة تبدو محلولة. فقد وصلت مواسير المياه إلى مركز المحافظة لمشروع عملاق أنجزه «مشروع مياه الريف» قبل سنوات. هذا المشروع الجبار يضخ الماء من عمق وادي «الخنسة» في قاع الجبل إلى القمة عبر مكائن حديثة، لكن لم يتم تشغيله بعد لسبب واضح: لأن المحافظ رفض استلامه كما يفيد عضو المجلس المحلي الشيخ محمود الجبي. يقول الشيخ محمود: «إن المشروع جاهز منذ فترة بمواسيره وخزاناته، لكن لم تستكمله مؤسسة مياه الريف لأن المحافظ رفض أن يشارك المجلس المحلي بالاستلام». هنا القصة؛ لماذا يرفض رجل ريمة الأول استلام هذا المشروع الحيوي الهام والحاجة إليه ماسة. «صاحبنا خائف من مبالغ التشغيل» يجيب عضو المجلس المحلي.
بهذه الطريقة غير السويّة يتم عرقلة المشاريع وقد صارت في متناول المواطن. لا تبذل أي جهود لحل مشكلة هذا المشروع مع المحافظ ومع مؤسسة المياه. لا أحد يأبه لذلك، ولا أحد يحسب «حساب تعرض المواسير للصدأ والمشروع للذحل» كما يقول أحد المواطنين.
الأمثلة كثيرة على هذه الحالة المتعنتة تجاه المواطنين. ففي مديرية الجبين نفسها، وبالذات في واحدة من أكبر عُزل ريمة، حدث الشيء نفسه، وإن بصورة مختلفة.
قبل فترة نزل الإعلان عن مناقصة إنشاء حاجز «ذران» العملاق في عزلة «بني الضيبي»، وكان خبراً مفرحاً عندما قرأه الناس في جريدة «الثورة» الرسمية، والذي تابع عليه أحد القيادات الاجتماعية المخلصة في العزلة. لاحظوا ما الذي حدث مع هذا المشروع الضخم الذي كانت مهمته تغذية عزلة بني الضبيبي مائياً برمتها. لقد بُدئ العمل بشق الطريق إلى المكان من جهة قرية «سوّر» جنوباً، وبدأت الحرب الضروس لإحباطه. وبالفعل أحبط من قبل نافذين مجهولين! من أبناء العزلة. ويؤكد الشيخ علي العكش على ضرورة أن يتنبه الناس إلى أن هناك «من لا يريدون الخير للمنطقة».
 
.. وسجنان في منتهى القذارة

تنتمي ريمة إلى المحافظات الأكثر انتهاكاً لكرامة الإنسان. وعلى بعد بضعة أمتار من مكتب المحافظ يقبع عشرات المواطنين داخل سجنين باليين في منتهى القذارة، لا حمامات داخلها ولا نوافذ. كما لا أحكام قضائية صادرة بحق أغلبهم بالحبس ولا أوامر من النيابة إلا بالنادر.
الحالة مأساوية، ونزلاء إحدى هذه الغرف يتبولون في العُلب ويقضون حاجاتهم في صحون بلاستيكية (سفري) أو في «قراطيس» ومشمَّعات.
هاتان الغرفتان المروعتان لا تبعدان عن مكتب المحافظ سوى أمتار. وربما يعقد أعضاء المجلس المحلي اجتماعاتهم الدورية وهم يشمون الرائحة تأتي من «القشلة» وتنبعث من داخل العُلب. في رمضان الفائت زرتُ الجبين، وقصدت «القشلة»، وتنبعث من داخل العُلب. في رمضان الفائت زرت الجبين وقصدت «القشلة» باعتبارها آخر معاقل الأتراك. كان الترك يحكمون قضاء ريمة من هنا، وكانت أوامر وتنافيذ عمال الإمام ترسل على الرعية من داخل هذه القلعة شديدة التحصين. وكلما يتذكر الكبار وقدامى الرعية الجبى تحضر في أذهانهم «القشلة»، لكن لم يذكر أحد أن «المحباس» كان يتم فيها. «كانوا يحبسون الناس في مبنى الحكومة تحت» كما يتذكر الحاج قاسم عبيد وهو أحد الذين سُجنوا في عهد الملكية، ويضيف: «كان سجن مثل الناس ومعه طيقان وحوش وبركة الماء فيها مثل البرد». لم يعد الوضع كذلك، والاماكن اليوم اختلفت باتجاه عكسي لمصالح السجان. لقد تحول سجن الملكية إلى مكاتب لاعضاء المجلس المحلي اليوم، وخصصت الغرف والأسفال التي كان المشائخ والعمال يربطون فيها بغالهم داخل «القشلة» إلى سجون للمواطنين.
هذا المواطن الذي يظهر في الصورة زُج به قبل سنة السجن والدماء تغطيه. ساقه ملفوفة بالشاش ويتحدث إلى الخارج وعينه على «علبة فارغة» مرمية على القاع وكان يتلهف في طلبها ليقضي فيها حاجته. كان الرجل دخل السجن لتوه، وهو في الصورة واقفاً ومن خلفه 20 سجيناً ممددين على كراتين وفرش مهترئة في ذروة اشتداد الصقيع والبرد. تتبع هذه الغرفة الجهنمية إدارة البحث، وتخلو من دورة مياه أو نوافذ. ياللكارثة!! إنهم يبولون ويتغوطون في العُلب وأكياس البلاستيك، كما وأيضاً يقبعون في الظلام.
وإلى جوار هذه الغرفة يقع السجن المركزي، كما يسموه. لاحظ الصورة (2)، هذا هو الشاوش، وذلك الذي وراه هو السجن الرهيب فيه حمام، كما يقولون، وفيه نافذتان سُدتا بالحجار وطمستا بالأسمنت.
يمارس هذا النوع من التعذيب داخل «قشلة» الأتراك التي تحولت إلى موقع أمني يغص بالجُند. ومن داخل هذه القلعة المحصنة تم تهريب أحد المتهمين بقتل الشيخ الخضمي قبل شهرين على ظهر أحد الاطقم العسكرية.