شافيز.. إلى متى ننتظر واحداً يشبهك؟

شافيز.. إلى متى ننتظر واحداً يشبهك؟- حسن العديني

لم يكن مثار دهشة طرد فنزويلا سفير إسرائيل من عاصمتها؛ فذاك هو شافيز...مناضل ثوري بكل ما تحمله الكلمات من معان. رأيناه دائماً يتحدى الامبريالية الأمريكية، يهزم مؤامراتها داخل بلاده، ويذهب إلى أطراف الدنيا مؤازراً الشعوب المقاتلة من أجل الحرية والكرامة.
طراز من القادة بات نادراً في هذا العالم.
ينتمي شافيز للمدرسة الوطنية في امريكا الجنوبية التي تدين لملهمها الأول «سيمون بوليفار» القائد الاعلى للثورة اللاتينية ضد الاستعمار الاسباني.
من هذه المدرسة خرج «تشي جيفار» و«فيدل كاسترو»، و«سلفادور الليندي» والعشرات غيرهم، بل الآلاف من المناضلين الذين حملوا مشعل الحرية في تلك القارة المتحدية. شافيز
ويجسد شافيز الملامح الرئيسية للثورة هناك التي تجمع بين الصلابة الوطنية والانحياز للطبقات الفقيرة والتضامن الأممي. وقد نشأ هذا الانسجام التام بين الملامح الثلاثة من خبرة الثورة في امريكا اللاتينية في استحالة الفصل بين بعديها الوطني والاجتماعي فضلاً عن أفقها الإنساني.
فمن ناحية، كان أباطرة المال والصناعة هناك، كما في كل العالم المتخلف، وكلاء تجاريين للشركات الاحتكارية الاجنبية. وكانوا بالنتيجة وبالضرورة وكلاء سياسيين لحكوماتها، وشكلوا من هنا ركائز الثورة المضادة والأدوات الحادة في يد الولايات المتحدة بالذات لضرب الثورة الوطنية.
ومن الناحية الثانية، ادرك الثوار الامريكيون منذ وقت مبكر أن قضية الحرية لا تتجزأ، وبالتالي فإن المعركة ضد الاستعمار واحدة ومشتركة بين كافة الثوريين في العالم. فالولايات المتحدة التي دبرت الانقلاب على سلفادور الليندي في تشيلي في سبتمبر 1973 كانت تدعم الاحتلال الإسرائيلي للاراضي العربية وتنشئ جسراً جوياً وبحرياً لإمداد اسرائيل بالسلاح أثناء حرب اكتوبر في العام نفسه.
لذلك ليس غريباً أن نسمع شافيز في مقابلة مع «الجزيرة» بثته قبل سنتين يقول إنه ناصري. وأن يصدر هذا من قائد وطني في امريكا اللاتينية فلئن جمال عبدالناصر كان بحق الرمز البارز لحركات التحرر الوطني في القارات الثلاث. وفيه اجتمعت الصلابة الوطنية ووضوح الرؤية الاجتماعية والانحياز الكامل لقضايا الحرية والاستقلال والتقدم.
يختزل شافيز خبرة الثورة الوطنية في امريكا الجنوبية، ويخوض بأدوات عصره المعركة نفسها التي خاضها أسلافه الثوريون، وقد واجه بثبات سلطة الاحتكارات المتحالفة مع الولايات المتحدة الامريكية وانتصر عليهما معاً. وعندما نفذ اعداؤه، المحليون والخارجين، انقلاباً ضده لم تخذله الجماهير الغفيرة فعاد بقوتها؛ ذلك أنها ذاقت طعم الحرية الحقيقية في عهده واستعادت بفضل سياساته حقوقها الاقتصادية والاجتماعية المنهوبة.
تلك التجربة الصعبة لم ترهب شافيز أو تفت في عضده، فلم يلجأ، كما فعل بعض أدعياء الثورة، إلى مراضاة الولايات المتحدة والتخلي عن توجهاته الثورية. إنه يكرر الدرس الثمين لأفذاذ الوطنية في التاريخ بأن الثورة عندهم قضية مبدأ وليست السلطة سوى وسيلة إلى أهداف أسمى وانبل.
مرة أخرى، هذا طراز من القادة بات نادر الوجود في هذا العصر. فرغم الحصار المضروب حوله، ورغم الحرب عليه في الداخل ومن الخارج، يبدي شافيز شجاعة منقطعة النظير في دعم قضايا الشعوب وكفاحها من أجل الحرية والاستقلال. كان حضوره مع العراق وافغانستان وأثناء الحرب الإسرائيلية على لبنان، والآن ضد المحرقة في غزة.
بالأمس سمعنا من يعزو طرد السفير والدبلوماسيين الإسرائيليين من فنزويلا ويفسره بخلاف شافيز مع واشنطن.
حسناً! فبمَ يفسر خلاف الرجل مع القوة الاعظم الرابضة بالقرب منه بل فوق سقف بلاده؟!
أليس مرده إلى أن شافيز رجل مبادئ، وأنه رمز لكرامة شعبه؟!
ألا يفسر طرده سفير اسرائيل بأن الذي لا يقبل الهوان على نفسه لا يرضاه للآخرين؟!
<<<
الدم في غزة أشعل الدم في عروق شافيز. لكن هذا الدم المسفوح في غزة لم يذب الدماء المتجمدة في عروق الحكام العرب.
 دماؤهم باردة كالثلج.
<<<
شافيز.. تُرى كم من السنوات علينا أن تنتظر حتى تجود الأمة العربية برئيس يشبهك؟!
كم من السنوات؟!
كم...؟!