هل يدفع الدبلوماسيون وحدهم ثمن الاجراءات (التقشفية) للحكومة؟!

هل يدفع الدبلوماسيون وحدهم ثمن الاجراءات (التقشفية) للحكومة؟!

محمد عمر بحاح
في كل مرة تتعرض فيها اليمن لأزمة اقتصادية حادة تسارع الحكومة إلى اتخاذ رزمة من الاجراءات التي تسميها تقشفية.
وفي كل مرة يكون على قائمة الهرم، تقليص عدد الدبلوماسيين في الخارج إلى اقصى حد ممكن! مما يخلق انطباعاً عاماً بأن ميزانية السلك الدبلوماسي في الخارج تلتهم جزءاً كبيراً من نفقات الدولة، إلى الحد الذي يستدعي من الحكومة وضعه على رأس القائمة المستهدفة في كل ازمة من هذا النوع.
ونظراً لعدم وجود شفافية فيما يتعلق بأرقام الميزانية المخصصة لوزارة الخارجية وبعثاتها في الخارج، وللائحة الإرشادية للبنود المعنية بترشيد النفقات على ضوء قرار مجلس الوزراء الأخير، فإن الضحية المباشرة لهكذا إجراء غير مدروس عادة هو الكادر الدبلوماسي، الذي تقع أغلب الحلول التقشفية على حسابه وفوق رأسه.
فبموجب لائحة وزارة الخارجية وقانون السلك، يقضي الدبلوماسي أربع سنوات في العمل داخل ديوان الوزارة، توازيها أربع اخرى للعمل في إحدى سفارات الدولة في الخارج.
وفي حال طبقت الاجراءات التقشفية التي اتخذها مجلس الوزراء في اجتماعه الأخير يوم الثلاثاء قبل الماضي (16 ديسمبر 2008) بتقليص عدد الدبلوماسيين في السفارات إلى الحد الادنى، فهذا معناه أن عدداً كبيراً منهم سيحرم من فرصة التعيين في الموعد المقرر لهم في قائمة «الأسبقية» بعد سنوات من الانتظار الطويل.. وهي الفرصة الوحيدة لهم لتحسين مستواهم المادي والمعيشي لأن الاجور التي يتقاضاها في الداخل متدنية جداً. وعلى عكس كل وزارات الخارجية في العالم التي تحظى بهيكل خاص للأجور يتناسب مع طبيعة عملهم الحساس فإن الخارجية اليمنية لا تحظى بمثل ذلك. كما أن دخل الدبلوماسي اليمني أقل بكثير من أي دبلوماسي آخر في دولة من ذات مستوى اليمن ذاته وهو ما يحتاج إلى إعادة نظر.
كما لا بد من إعادة النظر في ذلك الكم من «الملحقيات» في الخارج، وفي أعداد موظيفها الذين يعينون من خارج السلك الدبلوماسي وعلى حسابه، وعادة يكونون من أولاد الذوات. فهذه الملحقيات هي التي تستنزف فعلاً الجزء الأكبر من نفقات العمل الدبلوماسي في الخارج وليس الكادر المغلوب على امره في وزارة الخارجية!
كان الأحرى بمجلس الوزراء عند مناقشته لإجراءاته التقشفية التي تفرضها الأزمة المالية المتوقعة عن الازمة الاقتصادية العالمية وتأثيراتها السلبية على الاقتصاد اليمني، وانعكاسات انخفاض أسعار النفط عليه، أن تتجه بأنظارها إلى المكامن الحقيقية للخلل الذي يعاني منه اقتصادنا منذ فترة طويلة، وتعالج أسباب هذا الخلل، فتوجه نشاطها إلى الطرق الكفيلة بزيادة موارد الدولة بتنويع مصادر الدخل والصادرات بدلاً من الاعتماد على مصدر واحد هو النفط الذي يشكل نحو ٪_75  من إجمالي الدخل القومي، مع معرفتها الاكيدة بتذبذب أسعاره كما هو حاصل اليوم حيث انخفض إلى أدنى مستوى له منذ أربعة أعوام.. وأيضاً معروف لدى الحكومة امكانية نضوبه في أي وقت.
وهناك مظاهر ترف كثيرة ومهلكة، لا تليق بدولة يعاني اقتصادها من ازمة مزمنة وموت سريري، ويعيش على الشحاذة والمساعدات الخارجية. غير السيارات والأثاث الفخم، فهناك على سبيل المثال سفريات المسؤولين الكبار التي تستنزف نصيباً غير قليل من ميزانيات الوزارات والمؤسسات الحكومية، وهي في أغلبها سفريات (سياحية) لا تعود سوى بفائدة قليلة على اقتصاد البلد المريض. وهناك «المؤتمرات» التي تنفق عليها الملايين لمجرد إلقاء الخطب، والتقاط الصور التذكارية، وكلها أوجه إنفاق بدون عائد مادي، وإنْ كنا لا ننكر عائدها السياسي، الاعلامي والدعائي، لكنه عائد يمكن تأجيله وإنفاق ما يصرف عليه على أوجه اخرى تعود بالفائدة على مستوى دخل المواطن ومعيشة المواطنين.
وهناك أوجه هدر أخرى وميزانيات ضخمة تصرف على المشائخ وشراء الولاءات القبلية والسياسية مما يقصم ظهر خزينة الدولة.
وأخيراًً وليس آخرا، هناك ذلك العدد القليل من المترفين الذين يستولون من غير وجه حق على ٪_95 من دخل البلد، بينما يعيش العشرون مليون مواطن الباقون على ال٪_5 المتبقية.
فأين هي اجراءات الحكومة التقشفية من كل هؤلاء؟!
ولا نريد التعرض إلى النفقات على التسلح حتى لا نتجاوز الخطوط الحمراء (!) مع أنه لم يستخدم طوال العقود الثلاث الاخيرة سوى في حروب داخلية، بينما تنفق عليه عشرات المليارات على حساب التنمية الاقتصادية وقوت الشعب!