ضوء البيت واصفاً لحظات إعدام علي موسى

عقدت العزم بعد نوس بين المضي والاحجام على كتابة هذه السطور وكوني فرداً من هذه الامة المذبوحة من المحيط إلى الخليج يحتم عليَّ الواجب الاخلاقي الانساني أن اتكلم عن الجريمة البشعة التي أدمت القلوب نحيباً، واقشعرت لها أبدان جميع نزلاء السجن بمشاعر ليس لها نظير.
 حزن يتوهج على اهداب الجميع أستياءً وأسفاً منقطع النظير يوم تنفيذ حكم الاعدام رمياً بالرصاص على العم علي موسى في قضية مشكوك في صحتها فقد أتهم بقتل ابن عمه منذ أربعين عاماً ونيف، وأدخل السجن وعمره آنذاك خمسة عشر عاماً واصبح مختلاً عقلياً ولم يعرف عنه الناس سوى كلمة «أبي أروح» أي أريد الخروج من السجن، وحرصه على البطانية والفراش خوف أن تضيع ويعاقبه والده. عدا ذلك فقد لمس كل من عرفه عفته وعزة نفسه رغم أحواله فلا يمكن أبداً أن يأخذ صدقه أو مساعدة، وكنا نأتيه بالحيلة ونقدم له خمسمائة ريال ونقول: «جاء والدك متأخراً ولم يلحق بالزيارة، والدك يسلم عليك وقد ترك لك هذه الامانة»، فترى في وجهه الفرح والسرور. غير ذلك استحالة أن يأخذ منك حتى الطعام.
 عندما تولى الاخ الفاضل عبدالكريم الخيواني عرض قضيته على النائب العام ووزير العدل استبشرنا جميعاً لكن رجال العدالة كان لهم رأي آخر، ففي صباح يوم الأحد المشؤوم سحبه عساكر السجن إلى ميدان تنفيذ حكم الاعدام وغادر الرجل معهم ممسكاً بالفراش والبطانية خشية ضياعها وهو يظن أن ساعة الرواح حلت. قيدت يداه بالكلبشات خلف ظهره وعندما أمره العسكر بالانبطاح على بطنه، وهو الاجراء المتبع وقت تنفيذ حكم الاعدام بالسجن المركزي رفض.
 أجبر على الركوع على قدميه، ونحو القلب صوب الرامي بندقيته وأطلق رصاصة اخترقت جسد.  وهو  يردد «ابي أروح». أطلقت عليه الرصاصة الثانية فإذا بالرجل يقف على قدميه صائحاً: «أبي أروح»، صوب الرامي رصاصة ثالثة على رأسه ما بين أسفل الجمجمة وفوق الرقبة بقليل وتطاير مخ الرجل اشلاءً وسقط صريعاً.
 لم يحظ  ببصيص عدل شأنه شأن معظم نزلاء السجن المركزي. لم تكلف النيابة أو المحكمة محامياً للدفاع عنه وحرم من حقه القانوني أربعين سنة.. العلامة القاضي حمود الهتار هو من أصدر حكم الاعدام على الرجل، الذي لا تقره كل شرائع وقوانين العالم وكافة الاديان  السماوية ويرفضه عُرف واخلاق الانسانية للاسباب الآتية:
اولاً: إنْ صح وقوع هذه الجريمة بين عامي 1967 و1968 فإن النيابة العامة والمحكمة لم تباشرا النظر فيها لمدة خمسة وثلاثين عاماً بذريعة ضياع الملف وبحكم القانون سقطت الدعوى بالتقادم وفق نصوص المواد: 26، 27، 24، 25، 36، والمادتين: 39، 42 إجراءت جزائية.
ثانياً: إنْ ثبت للعدالة اعتراف علي موسي بجريمة القتل فإن عمره عند وقوع الجريمة لم يكن يتعدى  الخمسة عشر عاماً باعتباره حدثاً يسقط حق الحكم بالاعدام.
ثالثاً: إن الرجل قد تجاوز فترة الحكم المؤبد رديف الاعدام وهو خمسة وعشرون عاماً بل تجاوز وزاد عليها خمسة عشر عاماً وفقاً لنص المادة (532) أ. ج.
رابعاً: إن الرجل حين دخل السجن كان يعاني من أمراض نفسية وعقلية ثم أصبح مختلاً عقلياً بشهادة الجميع.
إنني على يقين أن فخامة الرئيس قد تفاجأ عبر صحيفة «النداء» الغراء برثاء الرجل بمقالي الاخوين سامي غالب وعبدالكريم الخيواني أصحاب الضمائر الحرة النقية، وخاطبوه كأنه واقف امامهم يسمعهم، وأغدقوا عليه الاعتذارات الممتزجة بالحزن والاسى. وإني لأعلم إنهم بذلوا اقصى الجهود للدفاع عنه وتحريك قضيته لكن الرجل توارى خلف جدران البرزخ ينتظر بحرارة  قدوم ظالميه ليقف ذلك اليوم القريب جداً  لا محالة، امام القاضي الكبير المتعال حفاة عراة حيث لا عسكر ولا صولجان ولا سلطة تحمي.
السجين المضرب عن الطعام منذ تاريخ 26/11/2007. بالسجن المركزي صنعاء
عبدالقيوم محمد خير ضوء البيت