معركة سحق الاصابع

معركة سحق الاصابع

«النداء» - صنعاء
خرج عبدالفتاح حيدرة صباح الخميس لأداء وظيفته كصحفي، فعاد باصبع مهشم وبلاغ  عن عملية اختطاف ألقته في عبّارة.
بالنسبة لعبد الستار بجاش فإن خسائر تغطية تظاهرة للمعارضة بصنعاء كانت أخف؛ فهو لا يزال حياً برغم أن مسدساً صوب إلى صدره، لكنه فقد آلة التصوير التي تم مصادرتها. مع ذلك لن ينسى بسهولة أن الرصاص حام حوله كقاتل محترف، وترك لعلعته عالقة في أذنه.
ربما لم تكن المعارضة يومها تعتقد أن أحداً سينافس أخبارها على التلفزة وعناوين الصحف.
بالاضافة إلى تغطية التظاهرة التي سيرتها المعارضة بصنعاء نهاية الاسبوع الفائت ضد انفراد السلطة بالاعداد للانتخابات النيابية المقبلة، خلقت السلطات الامنية حدثاً آخر: الاعتداء على الصحفيين بشراسة. حينئذ ظفرت شاشات القنوات الاخبارية والصحف بخبر إضافي لم يكن في مفكرتها.
في ميدان التحرير وسط العاصمة، حيث اختارته المعارضة مكاناً لانطلاق التظاهرة، أحكمت قوات الامن تطويق المداخل المؤدية إليه.
وفيما كانت هتافات المتظاهرين ولافتاتهم تعلو أفق التحرير، كانت عدسات المراسلين والصحفيين عرضة لحصار فتاك. وأطلقت السلطات الامنية هراوات أفراد الأمن وأعقاب البنادق لتمارس وظيفتها على المتظاهرين.
وقد استطاع صحفيون النفاذ إلى تجمع المتظاهرين فكانوا هدفاً سهلاً للجنود وأفراد المخابرات الذين أظهروا جاهزية لافتة في مواجهة فلاشات آلة التصوير والصحفيين من خلفها.
جُربت الهراوات على ظهر وكيل نقابة الصحفيين سعيد ثابت سعيد وهو مراسل  لوكالة «قدس برس».
وحدث الامر ذاته مع مراسل «الجزيرة نت» عبده عايش، لتطال الناشطة الحقوقية والكاتبة توكل كرمان رئيسة منظمة «صحفيات بلا قيود» بالاضافة إلى مندوب «الصحوة نت» صالح الصريمي.
لكن حظ عبدالفتاح حيدرة مراسل صحيفة «الايام» الأهلية بصنعاء كان الأسوأ بين الجميع.
طبق رواية حيدرة التي أدلى بها في مؤتمر صحفي بمنظمة «هود» الاثنين، فإن عناصر من الشرطة العسكرية اعتقلته عندما كان يحاول تصوير تجمعات المتظاهرين وألقت به في سيارة جيش. بالتزامن مع الاحتجاز تعرض للضرب والشتائم أيضاً.
وقدر للصحفي الذي عرض قصته وبوجهه بعض آثار الاعتداء أن يعيش مكرهاً حالة اختطاف مشابهة لتلك التي تعرض لها نهاية مارس من العام الجاري. لكن الخاطفين الآن غير ملثمين وينتمون لجهاز الامن.  عقب الاعتقال الأول سلَّم افراد الشرطة العسكرية حيدرة لأفراد أمن مدنيين، تولوا بدورهم استكمال مهمة الاعتداء على الصحفي، وأقلته سيارة تخصهم إلى مكان خارج العاصمة على طريق الحديدة صنعاء.
 هناك تركه الخاطفون في عبارة بعد مصادرة هاتفه وكاميرته. هو الأمر حدث في المرة السابقة وفي حالة الاختطاف الاخيرة: تعرضت اصبعه الوسطى في اليد اليمني للتهشيم. وقد نتجت الاصابة عن محاولة أفراد الامن كسرها باستخدام الاحجار وترك هناك وحيداً ليستطيع بواسطة سائق سيارة أجرة اسعاف نفسه إلى المستشفى الاهلي.
أما عبدالستار بجاش الذي يعمل مديراً لتحرير موقع «نيوز يمن» المستقل فقد هاجمه مدنيان من الأمن السياسي وثلاثة من جنود الامن المركزي بينما كانت كاميرته تحاول تدوين بعضاً من وقائع المظاهرة.
بحسب روايته فإنه تعرض للضرب بالهراوات ثم انفرد به شخصان أشهر أحدهما مسدساً ووضعه في صدره مهدداً بالقتل.
الشخص الذي هددني رفع المسدس إلى الهواء وأطلق رصاصة، فسلمت الكاميرا، وطلبت منهما اطلاق سراحي وغادرت» يقول بجاش لـ«النداء».
كان افراد الشرطة والامن في حالة تعبئة تامة لمواجهة المتظاهرين، وأثبتت الوقائع أن الصحفيين كانوا الهدف الموازي في المهمة.
في رسالة موجهة إلى جهاز الامن السياسي ونقابة الصحافيين اعتبر نبيل الصوفي رئيس تحرير موقع «نيوز يمن» أن ما حدث «يعكس حالة تعبئة غير مبررة تجاه الاعلام».
وإذ قال إن سلوك أفراد الأمن «لا يفهم إلا أنه نتيجة أمر مباشر من المسؤولين للتعامل مع الاعلام يجب استخدام العنف معه» طالب وزارة الاعلام ونقابة الصحافيين «رد اعتبار الزميل (بجاش) واعادة كاميرا الموقع».
ولم يصدر عن نقابة الصحافيين بيان بهذا الخصوص، لكن أمين عام النقابة مروان دماج حمل رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة مسؤولية الاعتداءات التي طالت الصحافيين حسبما نقل عنه موقع «نيوز يمن».
وفي حين دان منتدى الاعلاميات في بلاغ صحفي تلك الاعتداءات ورأى انها «تعبير عن ضيق السلطة بحرية التعبير وتجاوز للدستور اليمني والمعاهدات والاتفاقيات الدولية» عبر عن قلقه الشديد «من المستقبل الذي يبشر بوضع غير آمن للصحافيين».
في الوقت ذاته طالبت الهيئة الوطنية للدفاع عن الحقوق والحريات ومنظمة «صحفيات بلا قيود» بالتحقيق مع وزير الداخلية واحالة الجناة للقضاء. معتبرة حوادث الاعتداد «اجهازاً على ما تبقى من الديمقراطية».
في حال تمكن الصحافيون من توثيق بعض مشاهد قمع الأمن للتظاهرة فإن صورة  ضرب مواطن محتج بوحشية ستكون في واجهة الاخبار.
هاكم الصورة غير الموثقة افراد أمن ينهالون بالضرب على متظاهر بالهراوات على كامل جسده. لم يغثه أحد. واستغرق الرجل في صراخه بينما كانت يداه تغرقان في دمائه وأسنانه المتساقطة.