عن استقالة عبدالقادر هلال..

عن استقالة عبد القادر هلال..

الازمة الوطنية.. استقالة هلال: صراع الامن والتنمية 
نبيل الصوفي
nbil
استقال عبدالقادر هلال، وبدلا منه تولى الدكتور رشاد العليمي وزارة الإدارة المحلية، بعد ساعات من تكليف خلف العليمي في الداخلية، مطهر رشاد المصري، الجلوس مكان هلال، في رسائل لا لبس فيها بأن النقاش والخيارات لم تغادر الخيارات الأمنية.
لا مشكلة في الشخصيات، فالعليمي لديه مؤهلات علمية وشخصية تؤهله لمواصلة مشروع هلال في حماية اليمن من مخاطر السير في مركزية كاملة السوء لن تفضي إلا للانهيار. وسيحقق هلال، إن في المؤتمر الشعبي العام أو في صف المعارضة، النجاح ذاته وأكثر. فهو من صف قليل جدا من سياسيي هذه البلاد يسيرون بوعي وحماس. هو يجمع القدرة والتواضع، والعلاقات الاجتماعية التقليدية والإيمان بالتجديد والتحديث، والمحافظة جنبا إلى جنب مع احترام التوجهات والخيارات الشخصية للآخر. ومع تأهله في محيط ومؤسسات عسكرية، فهو يقصر استخدام تلك الخبرة فقط حيث يجب، فالحياة لديه ليست مجرد معسكر يستعد للحروب. وبكل حنكة يتفاعل مع الوظائف وفقا لقوتها في الواقع، وليس في قناعته الشخصية. سأكتفي بهذا عن هلال، فالمقال ليس عن شخصه الذي لا أبرئ نفسي من إعجاب وتقدير ومحبة له.
لكن المشكلة في قضيتين:
الأولى: كيف خرج هلال.؟ والثانية: كيف تسلم العليمي وظيفته؟
يأتي تحليلي هذا من خلفية مناقضة للخطاب الذي يتحدث عن علي عبد الله صالح بتلك الصفات التي يستنسخها معارضوه تكرارا للتجارب الوطنية التي يجب نقدها بدلا من نقلها في تعاملنا مع المسؤول الأول. وقريب من الخطاب القديم للإخوان المسلمين عن الرجل ذاته أيام تحالفاتهم معه.
علي عبدالله صالح (من وجهة نظري) يبذل جهدا كبيرا ليواصل مشروع الاستقرار الذي حكم به "بلاد الثعابيين". وهو في جهوده تلك محكوم بعوامل كثيرة، منها ما يتعلق بشخصه وخبرته وقدرته، ومنها ما يتعلق بمعطيات موضوعية تخص البلد الذي يحكمه والخصوم الذين يواجههم والغايات التي يريد تحقيقها. وهو في ذلك ينجح هنا ويخفق هناك، ينشط هذا الزمن ويفتر في ذاك، يواصل في هذا المشروع ويقطع آخر، وقد يناقض مشروعا بدأه، أو يبدأ آخر كان عارضه.
ليس المقال للحديث عن شخص الرئيس، لكن ما سبق كان ضرورة للحديث عن واحدة من هذه الصفات. فعلي عبدالله صالح، الذي ساند وبكل قوة تجربة الحكم المحلي التي لم تحقق تلك الإنجازات كما حققتها في عهد هلال، هو من تولى الهجوم الدائم على رجله الأول في المعطى الأهم لبرنامج إصلاح الحكم.
صحيح أن عبدالقادر هلال تحدث عن "تقارير استخباراتية" بل وسمى "مدير عام الاستخبارات"؛ لكن الكاتب سمع –قبل أزمة الاستقالة- كثيرين ينقلون عن الرئيس نفسه حديثه عن هلال تارة باعتباره مندوب الإخوان! وتارة متعاطفا مع الجنوبيين! وخاتمة المطاف "يداهن الهاشميين"، قبل أن يكون "متعاونا مع الحوثيين".
وللتذكير، تتجه هذه التهم، للشخص الذي قاد أقوى مواجهات عهد صالح الميدانية والأمنية ضد الإخوان المسملين إبان توليه محافظ محافظة إب، وقبلها شارك في إدارة معارك صالح نفسه ضد اليسار في مناطق التماس، وقاد معارك ميدانية في حرب 94 في المناطق ذاتها أيضا، وهو من أسرة تنتمي لطبقة اجتماعية تعرف تاريخيا بأنها أكثر خصومة مع الإرث السياسي والإداري لدولة ما قبل الثورة، إن كان المقصود بـ"الهاشميين" أسرة حكم الأئمة.
ومع الحوثيين فإنه فعلا الرجل الذي تعاون مع الحوثيين لتوفير أفضل شروط نجاح قرار الرئيس صالح نفسه: إيقاف حرب عبثية تهدد السلام الاجتماعي وحتى التسامح المذهبي الذي تعيشه اليمن منذ زمن طويل، وتستنزف ميزانية لو قسمت على أبناء صعدة لحولتهم جنودا تاريخيين لدولة صالح. لا أتحدث عن شراء الذمم بل ما سينتجه إنفاق مثل ذلك المبلغ على التنمية بدلا من ذهابه لمصانع السلاح في أقاصي الدنيا.
أما موضوع الجنوبيين، فإن كان المقصود بالجنوبيين مواطني اليمن في المحافظات الجنوبية فليست تلك تهمة، ومن المعيب الحديث عنها ونحن نرى اليمن يزداد اتساعا أمام قوى الشمال وضيقا أمام سكان الجنوب، رغم مناقضة ذلك للمعطى الجغرافي ولحقوق الشراكة وحتى لمنطق القدرات الشخصية والمميزات الثقافية والتطور الاجتماعي.
أما إن كان المقصود بـ"الجنوبيين": الانفصاليين، فالأخيرون لا يقبلون حتى بالجنوبيين الذين لا يشاطرونهم الرأي، ويحقرون الشمال اجتماعيا وحتى جغرافيا بشكل مطلق، مما يحول أي حديث عن التحالف معهم إلى مصدر لاتهام صاحبه في البصر والبصيرة.
إن الأمر (اتهام هلال وتعيين العليمي) ليس سوى ملخص يستدعي من علي عبدالله صالح الانتباه إلى خطورة النفق الطويل الذي ظل مستعصيا على دخوله، مهما قالت المعارضة إنه أدخل البلاد فيه. تاليا، ما أقصده:
مشكلة عبدالقادر هلال هي مجرد عنوان فرعي لمشكلة أكبر تتعلق بفعالية التقدير العسكري والأمني في التحكم بتوجهات الرئيس علي عبدالله صالح وقرارات دولته. وللأهمية والمسؤولية فإن حديثي عن التقدير العسكري والأمني لا يتجه لإدانة ولا لتخطئة تلك التقديرات، بل ضد اعتمادها كموجه أول، فضلا على أن تكون الموجه الوحيد.
هذا ما سار عليه الرئيس صالح منذ بدأ حكمه، حيث اعتمد التكتيتات والتسويات والترضيات التي مكنته من توظيف الموجهات الاجتماعية لصالحه حتى في أوقات الحروب، التي هي فترات ذهبية للتقديرات العسكرية. صحيح أن هذا لم يخدم التنمية ولم يحقق التحديث، لكنه قاد للاستقرار كمطلب في يمن عاشت العواصف.
ويمكن القول إن المعركة مع الحوثيين هي أول معركة تحكمها التقديرات الأمنية والعسكرية، مع عدم إغفال معطيات أيديولوجية. والنتيجة تؤكد له ولنا خطأ وكارثية ذلك. فالقوات المسلحة تفقد قدرتها حين تتولاها قيادة تتعامل معها ومع تقديراتها بمعزل عن المحيط الاجتماعي والاقتصادي والإداري.
وللتذكير فإن الرئيس صالح ومع دعمه أو قيادته أو توجيهه تفعيل ما تتطلبه التقديرات الأمنية ضد المعارضين، وبخاصة الصحفيين، خلال السنوات القليلة الماضية، فإنه كان سرعان ما يوقف ذلك ويعود لسياق أشمل من التقديرات، فيفرج عن هذا ويسوي مع ذاك... وهكذا.
لن توافقني المعارضة (قيادة وقواعد) هذا التقدير. ولن أجادلهم، فلديهم معطيات وجيهة لتأكيد ما يقولونه. لكني سأتمسك برأيي فقط وأبقي النقاش لمرة أخرى، قد يكون المقال خاصا به.
وأواصل القول:
عبدالقادر هلال، ومنذ تولى محافظة حضرموت، بدأ –وفقا لمتابعاتي الشخصية- يقف في صف تقديرات لا تتطابق دوما والتقديرات الأمنية والعسكرية.
هو عسكري، ويمثل الدولة التي يرأسها قائد القوات المسلحة؛ لكننا في اليمن، بلد الصراعات والمصالح البسطية البعيدة عن الأفكار والرؤى العمومية، بلد لا يعرف الاختلافات الجوهرية التي تقسم وتصنف القوى في أي بلد متطور وكبير في مصالحه وقواه.
المقصود أنه في اليمن لا ترتبط الخلافات بالموقف من الحريات العامة، مثلا، ولا بنمط الإنتاج، ولا بالطبقات والصراعات الاجتماعية. إنه بلد قد ينشأ فيه صراع بين معسكر وتاجر على قطعة أرض، وبين معسكر وآخر على حوش يستخدم مخزنا للمعدات، وعلى الترخيص بمهرجان أو القبول بمظاهرة... ومثل التطور الديمقراطي والصراعات السياسية منطقة جاذبة حديثة لصراعات قد تتعلق بأصول الحريات والحقوق، ولكن الصراع حوله مجرد صراع عصبويات، فالحزب الفلاني مثله مثل معسكر الصاعقة –مثلا- قد يقاتل من أجل الحرية، ويصدر البيانات والاعتصامات، ولكن فقط مع عضوه أو مقرب منه، أما من يختلف معه فسيكون موقفه منه نقيضا.
من هذا المنطلق، وجد هلال نفسه (مثله مثل آلاف المسؤولين الذين يتولون وظائف تتطلب تقديرات أشمل من الأمنية والعسكرية) في خلافات مع مثل هذا النوع من التقديرات، الوقوف ضدها قد لا يحقق التنمية، والسكوت عنها مضر، ولكن يمكن التحايل عليه.
غير أنه، يوما بعد يوم، قرأنا عن اعتكاف المحافظ هلال ضد تحكم التقديرات العسكرية والأمنية بشؤون المحافظة، والحديث عن الوظائف وليس عن الغايات. وتقول تجربة هلال إنه أدرك بعد ذلك أن برنامجا صباحيا في إذاعة المكلا أجدى بل وأفضل من وحدة أمنية تنتشر في المحافظة، ومسرحا مفتوحا أجدى من ترسانة معسكر، طالما كان الهدف التنمية والاستقرار.
بعد نجاحه في حضرموت، وجد عبدالقادر هلال نفسه أمام اختبارات أعلى مستوى. فالدولة التي ضخت قرابة 7 مليارات لنشر نقاط أمنية (تحولت وقت الحاجة الى مشكلات كما حدث في شرعب رمضان قبل الماضي ويحدث في شبوة)، تمثل لها المجتمعات المحلية تحديات مطلقة كهدف دائم للتأديب والعقاب!!
لا أقصد أنها دولة بوليسية، ولكن أعني أن استعدادها الأكبر والأقدر على تحريك التمويل تملكه آليات التقدير الأمني والعسكري، التي تعد الأكثر جاهزية للتحرك بسبب شبكة آليات تتراكم مع كل حرب أو صراع مسلح. فإذا تظاهر مرضى الكلى في الحديدة كان الأسهل احتجازهم، وإن تجمهر متقاعدون في لحج كان الخيار المتوفر قرارات أمنية وعسكرية... (لا بد من ذكر نجاح صالح في الحد من استقطاب الطرفين لعوامل الصدام: الفعاليات الاحتجاجية من جهة، والتقديرات الأمنية والعسكرية من جهة ثانية. حيث وجه بإيقاف إطلاق الرصاص الحي على المتظاهرين، ونزل إلى عدن مذكرا بسياسته التي أوقفت الحرب بعد انتهاء دواعيها في 94، وأطلق السجناء، وأقر ترقيات عسكرية وكلف هلال ضمن فريق حكومي متميز الإشراف على تنفيذ توجيهاته وحمايتها من إرث دولته غير الإيجابي تجاه حقوق المواطنين وبخاصة من كانوا غير سياسيين).
لعل هلال لم يصطدم كوزير للإدارة المحلية بمعوقات صراعية تخص التوجهات التحديثية للحكم المحلي، فقد كان مصدر تلك المعوقات طيفا واسعا من الناس، ولم تكن تحتاج لقرارات عسكرية وأمنية، بل لم تلفت الانتباه أصلا من قبل التقسيم الأكثر فاعلية في استقطاب التمويل والانتباه الرئاسي (المحاور العسكرية).
لكنه مع انخراطه في لجنة إدارة الأزمة الأمنية بشأن تظاهرات المتقاعدين التي حاول البعض جرها –ولايزال- نحو إنتاج حرب 94، على أمل أن ينتصر المهزوم ويهزم المنتصر!
مع ذلك الانخراط، كان هلال وزملاؤه يصطدمون يوميا بالتقديرات الأمنية والعسكرية. وفيما كانوا ينجحون ميدانيا ويخدمون الرئيس علي عبدالله صالح عبر معالجة التوترات ومسبباتها، كانت التقديرات الأمنية والعسكرية تتجمع على طاولة القائد الأعلى للقوات المسلحة، ناسفة التأطير النظري للمعالجات، حتى أن تقريرا مثل تقرير لجنة صالح باصرة وهلال والصوفي تحول مع الوقت إلى وثيقة إدانة نظرية وإن أدى لمعالجات ميدانية.
وفيما انسحب باصرة إلى زاوية مرضه من دولة تأكل مقوماتها، فقد صار الصوفي محافظا لتعز، أما هلال فواصل أدواره بترؤس أول لجنة حكومية تجمع مدنيين وعسكريين تخص الحرب في صعدة؛ في دور يتطلب إقناع اللجنة التي أدارت الحرب في صعدة بأن السلام أقدر وأقل كلفة، وهي اللجنة الأمنية العليا التي يرأسها شخص رشاد العليمي نفسه وتضم رؤساء الأجهزة الأمنية والمحاور العسكرية التي تدير الحرب في الميدان.
لا يعني الأمر أن اللجنة ميالة للحرب، لكني أعتقد أن من الطبيعي أن تكون أميل للتقديرات العسكرية والأمنية، خاصة وقد تعاملت مع مليشيات الحوثيين والتي كل ما تحسنه هو استخدام السلاح واستهداف الجيش والأمن وبخلفية أيديولوجية لا تزال شديدة الحساسية في مناطق الحكم في اليمن منذ نوفمبر 67.
ومع أن الرئيس صالح كرر دعمه لعبدالقادر هلال حين احتاجت لجنة الإعمار والسلام لقرار حاسم يقرر من يقود المعالجات، هل خيارات عسكرية أم خيارات تنموية، فإنه كان يكرر الشيء ذاته مع ما حدث بشأن لجنة باصرة: يقر ميدانيا التقديرات الأقل أمنية، لكنه يتحدث بمنطقها بعد ذلك. ومن هنا بدا حديثه عن هلال بطريقة رفعت سقف الجاهزية لدى أجهزة المخابرات، والتي -في بلادنا ككل بلدان التخلف- تعمل على حماية مزاج الحاكم وتنفيذ توجهاته التي تقدرها بدلا من أن تلعب دورا فاعلا في حماية الحاكم ومستقبله مهما تطلب الأمر من تعكير للمزاج في لحظة ما.
هذه الجاهزية، التي لم تحقق إنجازات في مواجهة مليشيات الحوثي، وجدت الطريق ذاته سهلا لتقارير أقرب للسياسية منها للأمنية، فهي تقوم بدعم معلومة صغيرة بتحليلات هشة طالما سمعت الرئيس ينطق بما يسهل اعتباره تلك التقارير إنجازات.
وفي السياق ذاته –وإن بدون يد للمخابرات هنا- كان على الرئيس ومعاونيه العسكريين والأمنيين استكمال الأداء بالوتيرة ذاتها، فكان أن عين المصري بدلا من هلال، حتى قبل أن تقبل استقالة الأخير(تقتضي تقاليد الحروب الاستخفاف بتقاليد السلم، لذا لا تقبل استقالة أي معين بل يتم تعيين شخص آخر في منصبه حتى دون الحاجة لإضافة فقرة للقرار تقول إنه يلغي ما سبقه).
وبعد الانتباه لكون المصري يناقض كليا ومطلقا مشروع سلطة محلية، ولو حتى بنظام التعاونيات، فهو أحد ثلاثة وزراء عارضوا وبشدة في اجتماعات مجلس الوزراء استراتيجية الحكم المحلي، وقع الخيار على الدكتور رشاد العليمي، الذي وإن كان رئيسا للجنة الأمنية، فإنه قد يكون خلفا معقولا لمواصلة مشروع الادارة المحلية.
غير أنه، وتأكيدا للارتباك، فقد ظل العليمي رئيسا للجنة الأمنية بصفته نائبا لرئيس الوزاء لشؤون الدفاع والأمن، وهو المنصب الذي تدارك به الرئيس صالح قراره إبعاده عن الداخلية وتولية شخص مناقض لتوجهاته خلفا له في الداخلية، كما في التعديل الحكومي قبل الأخير.
إنني حين أتحدث عن التناقض فإن حديثي عن معطيات موضوعية، ولا يحمل أي إدانة بل يكتفي بالتوصيف. فمثلا، مقابل اهتمام العليمي بنقل الداخلية وأجهزتها إلى أجهزة خدمة عامة أقرب للمدنية عبر تحديث آليات العمل، يميل المصري لاعتبار وزارته أقرب للقوات المسلحة. وعلى السياق ذات مثلما يميل هلال للشفافية السياسية ويتعامل مع الإعلام بوضوح وبتقدير، يميل العليمي للسطيرة على الأخير وبالكاد تجد له تصريحا ولصحيفة حكومية، فيما يمكنه أن يملأ الإعلام عبر التسريبات بدون مصادر، وهي إضافة إلى أنها قد لا تكون نافعة له تضر بوظيفة الإعلام.
إذن، استقالة هلال، ما لم تحدث مراجعات عميقة في علاقة الرئيس علي عبدالله صالح بالتقديرات الأمنية والعسكرية، وترتيبها ضمن سلم أولويات، فإن صالح سيجد نفسه عاجزا عن مواصلة معارك الانتخابات وأخواتها. ومن هنا فأظنه سيكون أقرب -يوما بعد يوم- لمشروع دولة الأمن التي تزيد من استهلاك قدرته كشخص وكدولة، ولكنها في بلد كاليمن لن تحقق أي إنجاز.
***
 
 
يا الله خَارِجنا من «بنات الصحن» ومن عيال السوء: 

الهلال الخَصِيبْ
فكري قاسم
fekry

«السلاح في الميدان السياسي هزيمة خالصة»*
                                                                       *عبدالقادرهلال 

 خلف تلك العبارة أعلاه يمكن للمرء أن يقرأ كثير أشياء في شخصية «هلال» القادم من السلك العسكري أولاً، وثانياً بوصفه «قبيلي» جاء من أكثر المناطق نفوذا في البلد: «سنحان».
يمكن أيضاً ملاحظة عديد أشياء مهمة:
رجل مبتسم دائماً، يتحرك بسلاسة في أخطر المربعات وأكثرها تعقيداً. وهو دوناً عن كل ذلك إنسان غزير الحضور ويتمتع برصيد حيوي وناجح مذ كان مديراً لناحية ماوية في تعز، ثم محافظاً لإب، وحضرموت من بعدها، وأخيراً عمله كوزير، خلال فترة وجيزة، جعل اسم «الإدارة المحلية» يتردد على كل لسان، تماماً مثل: «السلام عليكم».
في عمله، كما في علاقاته مع الآخرين، غير منشغل بالسياسة ولؤمها قدر اهتمامه بالتنمية وبالعدالة.
مهذب جداً. وممتلئ من الداخل.. يوزع اهتمامه على الجميع كما وأنه آدمي متعاف تماماً من تفاهات: هذا معنا وهذا ضدنا. هذا سلطة وهذا معارضة. هذا من البلاد وهذا «من يقولوا لأبوه».
خلوق، ويهتم بأدق التفاصيل التي من شأنها إشعار الآخرين باحترامهم كونهم في الأول والأخير يمنيين مهما توزعتهم الأفكار والقناعات والاحزاب والمذاهب وصناديق الاقتراع.
إن إنساناً له كل ذلك الصفاء وكل تلك النزاهة الذهنية، لا بد- اذن- أن تطارده الدسائس والاحقاد اللئيمة.
هذه المرة قالوا إن عبدالقادر هلال مورط بعلاقة دعم للحوثيين، والأمارة «بنت الصحن».
قبل هذا العيار السخيف، ثمة أعيرة وضيعة و هبلاء صوبها الفاشلون، أصلاً، صوب قلب الرجل الخصيب.
مرة قالوا إنه متواطئ مع الحراك في الجنوب. قالوا ذلك لأن هلال، ولو لمرة واحدة طبعاً، لم يشتم أحداً من قيادات الحراك أو راح «يهنجم» فوق أحدهم «إهجعوا يا انفصاليين، ما كنتوش تلاقوا ما تأكلوا!» تماماً كما يفعل البعض.
أراد ثقافة الحوار وأرادوا ثقافة الطقم وثقافة «إسحبوا أبوه» اللتين لا يمكن لهما أن يطببا مواجع مجتمع مدني تم دكه ونهبه في الجنوب. (المشكلة من أساسها -طبعاً- تتطلب عدلاً واحتراماً للشراكة).
مرة غيرها -ولنفس الاسباب- قالوا إن «هلال» متواطئ مع المعارضة. ومرة رابعة يقولون إنه «هاشمي».
 بالله عليكم حتى هذه تصير تهمة؟!
الأمر لم يتوقف عند ذلك الحد. قالوا أيضاً إن «هلال» مندس في المؤتمر الحاكم، فيما هو أصلاً «إخوانجي» (نسبة إلى الإخوان المسلمين).
والآن ها هو «هلال» نفسه يطلع في الأخير «صَحنَنَجي» نسبة إلى ملعونة الوالدين (بنت الصحن).
مش عارف بعدها أيش ممكن يطَلعوه؟ كما أنني لا أعرف، تماماً، هل المشكلة هي في بنت الصحن، أم في كون عبدالقادر علي هلال مسؤولاً مُهذباً وابن ناس.
* أياً يكن الأمر، فإن ثمة «طحاطيح» اعتادوا أصلاً أن يهتكوا ولاء الناس ويشككوا بوطنيتهم عبر عيارات كتلك.
وهذه العيارات لن تتوقف عند هلال ولن تنتهي، ذلك لأنها، بسبب الآذان المفتوحة والعيون المغلقة، وجدت لنفسها في اليمن شهوة تتسع. وفي هذا اليمن المغمى عليه، فإن «تَشِعيَبة» هتك الانتماء تغدو، وبكل بساطة، ذخيرة حية، لنظام ميت من الداخل أصلاً.
> قبل أشهر من فضيحة «ووتر بنِت» (انسوا تماماً فضيحة ووترجيت)، تعرض «محمد ابو لحوم»، القيادي البارز في المؤتمر الحاكم، إلى عيارات من تلك الذخيرة نفسها.
لقد اتهموه بأنه يتخابر لصالح أحزاب المشترك؛ وبالنسبة لتهمة كتلك فإن جمع الادلة من أسهل ما يكون، على الاقل انطلاقا من «ما يقطع الله على والف».
> أدلة جناية أبو لحوم وفيرة: تطهره من لوث السياسة، هذا واحد. اثنين: تربطه علاقات إنسانية حميمة بعدد من قيادات المعارضة!
واضح جداً أن طحاطيح مراكز «ألعاب القوى» في هذا البلد الهش يعتقدون أن القطيعة مع الآخر و«شقَدفَةْ» أهالي اهاليهم، هي الوطنية بعينها!؟
يا رب، سَلَّمت شعباً بأكمله أمانة عند مِن؟
> لا أعرف عموماً سِر حكمة ضيق النظام القبيح بكل ما هو جميل فيه؟ ولماذا يقودنا خلفه إلى حيث لا ينبت شيئاً غير لعب دور السياسي الدميم!؟ وفي حالات الصفو، ينتقل وببراعة هي فطرته أصلاً، ليلعب دور العنكبوت التي يفزعها بقاء أي حي، عالقاً في شباكها الرخوة والمتُربة.
ولكأنه كان ينبغي على عبدالقادر هلال، كي لا يقع في فخ لزجٍ كهذا، أن يرأس لجنة إعمار صعدة متخففاً من دماثة أخلاقه.
يعني عل شان يثبت ولاءه لفخامة الرئيس وللوطن، كان لازم عليه «ينخط» و«يهنجم» فوق عباد الله، يشتم هذا، ويحبس هذا، ويهدد ذاك، ويخوِّن «أبتهم» من «شق يا طرف» ومن ثم يدعوهم للحوار والاحترام للنظام و«القولون».
> كان يفترض على «هلال» أن يرضي غرور بعض مراكز القوى ويبرِّد قلوبهم و«يخفع» الحوثيين ولو حتى بشتيمة واحدة على الطاير. ولأنه مسؤول يحترم مهمته الجراحية، ويحترم مواجع الناس ويحترم موقعه وقائده وبلده الموجوع أصلاً بحرب سخيفة كتلك، لم يشتم أو يتهم أحداً، كما وأنه من خلال ذلك، واشياء كثيرة غيرها، يظهر حرصاً شديداً على ألا يبدو كثير الحرص على عدم ظهور صورة فخامة  الرئيس داخل برواز غير أنيق.
> على فكرة، إن ثلة من معاوني الرئيس ومقربيه اعتادوا وبلا مبالاة، أن يصيروا بروازاً سيئاً وقبيحاً لصورة فخامته! حتى لم تعد صورة الرئيس أنيقة، ولا عاد قلبه يظهر أنه هو قلب ذاك الفلاح.
<<<
المهم، لأن عبدالقادر هلال -على مايبدو- يحترم كل ذلك، ولم يغرف من بئر السخافات أو يشتم أحداً خلال مهمة تطبيب جراح حرب صعدة صار سهلاً عليهم اكتشاف خطورة الرجل، وقالوا: هااااااااه! أمانة أنه حوثي يبّْسَقْ.
> وبيني وبينكم، امانة إنهم عباقرة من صدق. تصوروا، من مجرد هدايا عبارة عن «بنت الصحن» يخرب بيت اهلها. عرفوا سريعاً فصيلة دم الرجل المندَسّ؟! يا ساتر لا تكشف.
اللهم إني تبرأت، نهائياً، من بنت الصحن، ومن الكدم و«السلتة» ومن الروتي الفرنسي كمان.
اللهم استر علينا! الكدم أصله تركي، والسلتة أصلها تركي، والروتي أصله هندي، والمخابز فرنسية، وأنا مواطن غلبااااان ومش ناقص تُهم خيانة ولا ناقص- بكرة، بعده- تستدعيني النيابة الجزائية المتخصصة وترطعني تُهمة العمالة لصالح المخبز الفرنسي، أو.. لصالح فرن الكدم!
هذا الفرن آخر ما تبقى من العهد الإمامي البغيض.
يا الله خارجنا (وجميع المسؤولين الطيبين) من بنات الصحن، ومن عيال السوء.
***
على كل حال، كرامة الميت دفنه. وكرامة الإنسان الناجح -هنا- أن يبقى في بيته. تماماً كما فَضَّل «هلال»، وقدم استقالة حزينة من موقعه كوزير للإدارة المحلية.
تلك الإستقالة لا تخبر كم أن الرجل يعاني فحسب، بل تكشف أيضاً كم أن بضعة مراكز قوى يغرقون هذا البلد المنهك أصلاً في وحلٍ من التفاهات، وكم أن هذا النظام يخسر -واحداً بعد آخر- أنبل رجالاته.
***

 العبارة قرأتها مرة في إجاباته على أسئلة مقابلة شيقة
عبر منتدى الحوار.
 
***
البقاء للأسوأ..!
عمر باضاوي

لا يُنكر مطلقاً حُسن اختيار فخامة الأخ رئيس الجمهورية لكبار موظفيه ممن تولوا العمل المدني في حضرموت من غير أبنائها. ولا شك أن هؤلاء تميزوا باحترامهم لكرامة الإنسان, ليصنعوا نموذجا حسناً؛ لذلك أحبهم المواطنون - وهو ما يعنيني.
غير أنه يكون النقيض من ذلك تماماً عندما يُستًوزر حضرمياً, أكان عمله في منصب عالٍ أم في إطار محافظة حضرموت.
ينحصر تقييمي هذا على انعكاسات ذلك المسؤول على محافظته من خلال ماضيه وحاضره. فتجد مثلا أحد كبار أولئك المسؤولين قرر أن يكون ديك حضرموت الأوحد وليكون جميع أبناء حضرموت دجاجاً, ليصبح هو الممثل الوحيد لحضرموت، حتى حاول أن يقطع أعراف جميع الدِيكة, لكي لا يصرخ ديكٌ من حضرموت، وليستأثر وحده بذلك. لقد صرخ كثيراً حتى استنفد وحدات الصراخ لديه.
بدأ حملته هذه من قريته بعد أن أقصى خيرة رجالها من مناصبهم العلمية الأكاديمية والوظيفية دون سبب, ليزحف على البلدات الحضرمية، الأقرب فالأقرب، مطبقا في ذلك الحديث الشريف "خيركم خيركم لأهله", ولكن بصورة معكوسة... وكأن لسان حاله يقول: "الأقربون أولى بالأذية".
هذه الاستراتيجية في التعامل صنعت مدرسة حَظيِت مخرجاتها بحصد الوظائف العليا والمتوسطة في الجهازين الإداري والحزبي ليطبق هؤلاء سياسة أستاذهم.
أما النموذج الثاني فيمثله أشخاص عدوانيون, جعلهم ماضيهم أتعس الناس, منعت ضمائرهم أعينهم من الاكتحال بالنوم, صورُ الماضي تُسيطرُ على تفكيرهم, صور مشايخ القبائل والعلماء وهم يُمثلون بهم, يسحبونهم بالجرارات, ويجزون رؤوسهم بحراب البنادق ويقذفون بها مثل الكرة في نوافذ أهل الضحايا وذويهم الذين صادر أولئك المسؤولون عليهم حتى مظاهر الحزن والحداد على آبائهم, ممن قام هؤلاء بسحلهم.
بعد الوحدة المباركة كان القتلة يخجلون حتى من مقابلة الناس, لذلك تجدهم لا يدخلون مدنهم وقراهم إلا متخفين, أشبه بالمطاريد, يهيمون على وجوههم, حتى أنهم سكنوا منازل وأقبية تحت الأرض, لم يرضَ بمشاركتهم العيش فيها إلا الفئران والقوارض والخفافيش, كانوا يخافون ظلهم, تطاردهم العزلة لتحاصرهم حتى خارج البلد, يحسبون كل صيحة عليهم, أجساد الكهول والشيوخ الذين جردوهم من ملابسها, بلحاهم الكثة البيضاء المخضبة بدمائهم, بأجسادهم العارية جراء سحبهم في الطرقات, الأطفال الذين أرغموا على مشاهدة ميلاد يُتمهم, ورؤية آبائهم وأجدادهم حين مُثل بهم، الثكالى النائحات بعبراتهن المخنوقة, بأعينهن الجاحظة, بأجنتهن المجهضة... الرجال وتلاميذ المدارس الذين أرغموا على رؤية هذه المشاهد, كل هؤلاء كانوا يطاردونهم في اليقظة وفي المنام, في داخل البلد وخارجه, فهم لا يطيقون العيش إن صحت ضمائرهم, الصمتُ يُخيفهم, الضوضاءُ تخطف أسماعهم, النورُ يغشي أبصارهم, يستأنسون بالظلام مثل مصاصي الدماء, حتى الموت، عزّ عليهم حين تمنوه… وعندما كانوا كذلك امتدت إليهم يد السلطة, "كيدٍ من خلال الموج مُدت لغريق"، تطبيقا لقوله تعالى: {إن الملوكَ إذا دخلوا قريةً أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة وكذلك يفعلون}.
أي خدمة قدمتها السلطة للمعارضة بعد أن أخذت كُناسة الحزب الاشتراكي التي أثقلت كاهله!؟ يحق للوطنيين اليوم أن يكونوا أكثر جماهيرية بعد أن تحرروا مما يصم جبينهم من المرحلة التي كانوا يُعيّرون بها... وليأكل الطَُعم من يأكله.
هؤلاء الذين أسرفوا في القتل لا يحبون العيش إلا محاطينً بسياج من زبانيتهم الذين يكبتون لهم صحوة ضمائرهم, ويزينون ويبررون لبعضهم تلك الأفعال. ورغم قلتهم إلا أنهم الأكثر تكاتفا بسبب وحدة مخاوفهم. عندما يعاقر أحدهم السلطة تجده يصنع لنفسه سياجا من الذين هم على شاكلته. بدا ذلك جليا في تنسيق ذلك السفاح الذي رافق فخامة رئيس الجمهورية في هذه الزيارة التي نتج عنها أن سُلمت مهمة توزيع مواد الإغاثة لزبانيته، في محاولة يائسة لتلميعهم، وهو ما استفز الناس وما نتج عنه من ذهاب هذه المعونات في غير مصارفها.
الناس يُكبرون لفخامة رئيس الجمهورية زيارته لحضرموت خلال نكبتها والتي تجشم فيها الصعاب من أجلهم، إلا أنه باصطحابه أحد هؤلاء السفاحين الذين لا يمنعهم أن يتحالفوا مع الشياطين ليعيدوا (أيديولوجية) الصراع الطبقي, وليعصفوا ثانية بالمجتمع في حضرموت ويمزقوا ما التحم منه خلال غيابهم. هل أراد فخامته في هذه الزيارة تعزية الناس بتذكيرهم بنكبة (السحل) هي الأبشع, حتى يخفف معاناتهم في هذه النكبة؟ هل أراد فخامته لصورته أن تبدو أكثر وضوحاً باختياره خلفية حالكة؟... أسئلة كثيرة لم أجد لها إجابة، ولكن هناك نتيجة واضحة هي أن هذه الرفقة قوَّضت هذه الزيارة وجعلت نتائجها عكسية تماماً, أوجدت احتقانات واسعة الأفعال والنطاق، بل إنها خلقت جفوة وخصومة بين الدولة والمواطن ليصل ذلك إلى حد التلاسن والتلاعن مع أكبر المسؤولين المشرفين على حملة الإغاثة رغم وجهه الذي لا يبدو إلا بشوشا متبسما على الدوام. قام المواطنون في ساه والقطن برشق هؤلاء المسؤولين بالحجارة.
 هناك سؤالٌ يطرح نفسه بقوة, وهو بيت القصيد: ألا يوجد في حضرموت الا سيِّئون, أو عديمو إرادة ليتم استوزارهم؟  أم أن هذه هي المواصفات المطلوبة للوظيفة العامة في بلدي؟ والأغرب من ذلك أنه إذا خرج من هذه القاعدة مسؤولٌ أراد أن يعمل بشكل صحيح فإن صلاحياته تصادر وجهوده  تقوَّض، مما يجعله أمام أهله وموظفيه أشبه بالعاجز الذي لا حول له ولا قوة؛ إن لم يطلقوا عليه نياباتهم المسعورة لإغراقه في قضايا كيدية ملفقة.
لا شك أن هناك خللاً في التقارير التي تقدّم عن أهل حضرموت الذين يعبرون عن غيظهم واحتجاجاتهم بطرق قد لا تدركها تلك القراءات الخاطئة التي تقدم لفخامته, وبلا شك لن يكون غيظهم أقل زمجرة من غضب الطبيعة لديهم..!
كنت أعتزم إرفاق صور عملية السحل, والضحايا المُمثَّل بهم وهم عراة كيوم ولدتهم أمهاتهم, محاطا بهم من قبل المليشيات، وصور أخرى للمسؤولين المنفذين للعملية؛ غير أني تقززت من ذلك وأشفقت على القارئ, كما أنه من الناحية الأخلاقية، وبسبب بشاعة الصور، يلزمُني الإذن من أهالي الضحايا حتى لا أنكأ جراحهم, ولكنني سأكتب موضوعا آخر أكثر تفصيلا مدللاً بالصور بعد السماح لي بنشرها ولو بإضافة سواتر على عوراتهم عن طريق (الفوتوشب). لم أقصد التشهير بأحد, لذلك لم أذكر أسماء، ولكنني قصدت الاعتبار حتى لا يحصل التكرار.
***
 
استقالة هلال إسفين في سفينة الأمل
محمد السقاف
في عهده حققت حضرموت قفزات واسعة في كثير من الميادين تعد من أهم إنجازات عهد الوحدة المباركة, لقربه من المجتمع، ولأنه يشعر بهمومه ويستشعر مسؤولياته تجاهه, وبذلك كان أحب المحافظين إلى أهل حضرموت منذ أن عرفت البلاد هذا المسمى. وقد استطاع بحنكته وكياسته ولطفه وقوة شخصيته ونظرته الثاقبة احتواء كافة فئات المجتمع وكسب احترامهم ومحبتهم، وقد وفق في توظيف كل ذلك لخدمة اليمن الكبير. كما أنه أوجد حلولا جذرية للكثير من القضايا ومعوقات التنمية، وتميز بتجاوز الخنادق والمطبات الاصطناعية والطبيعية منها, وعاش عموم المحافظة في عهده أوج الحركة المتكاملة الشاملة والثقافية منها على سبيل المثال لا الحصر, مما صعب مهمة خلفه كثيراً في هذا المضمار. وفي عهده لم يكن صوت النعرات الانفصالية ليظهر على السطح ولم يجرؤ أحد على رفع هذا الصوت النشاز، لغياب الدوافع إلى ذلك أصلا, فقد كان مسموع الكلمة ومحبوب ومهاب الشخصية عند جل من عرفه، لتضلعه في فقه "سددوا وقاربوا". وبهذا الفقه العظيم كفى الدولة والمواطنين الكثير من المهاترات والجهود والمواجهات التي لا طائل منها.
كتابتي هنا عن هذا الرجل الفاضل كما ترون، وأنا من أبناء حضرموت، لدامغة كبرى على نجاح هذا الرجل في إرساء ثوابت الوحدة اليمنية في القلوب قبل اللسان.
الحقيقة أنه بهذه الإنجازات التي لا تقدر بأي ثمن ولا ميزانية وموازنة, قد صعب على خلفه مهمته كما أسلفت، فالمقارنة فيما يبدو ستكون في الغالب لصالح عبدالقادر هلال، لأنه تجتمع فيه صفات وخصائص قل أن تجتمع معاً في نظير له, فقد كرس مفاهيم  أخلاقية ووطنية وإدارية عالية المعايير مبنية على مسؤولية دينية وحس وطني وولاء لولي الأمر, انصهرت في وجدانياته كابرا عن كابر، فهو من بيت علم وفضل وفضيلة، والشيء من أصله لا يستغرب, هذه بعض صفات وخصائص الأستاذ عبدالقادر هلال، الذي فوجئنا اليوم بنبأ استقالته. نعم، "نبأ"! وهذه المفردة لا تستخدم في القرآن الكريم إلا في أمر جلل (قل هو نبأ عظيم).
استقالة عبدالقادر هلال لها حيثيات ومدلولات ظاهرها أقل خطورة من باطنها، لأنها تتجاوز شخص عبدالقادر هلال ذاته لتصل إلى عموميات الوطن. وكما علمنا أنه قال عقب استقالته: "أنا مواطن صالح"، ونحسبه كذلك، لأنه من مدرسة الرجل الصالح, فعندما يكون مصير الصالحين من النخب والكوادر الوطنية مواجهة الطريق المسدود لأنهم لا يعرفون جغرافية الدهاليز السفلية, فهذا إعلان للملأ بأن كل جهد وإخلاص وإنجاز مصيره تحت الأقدام ولا اعتبار له، عندها توأد في النفوس كل الدوافع والحوافز والطموحات الشريفة.
لم يكن وليس لي بالأمس فضلا على اليوم غاية أو عرض من أعراض الدنيا الفانية على الإطلاق عند عبدالقادر هلال، ولم أزره، بل لا أعرف أين يكون مكتب المحافظ أو وزارة الحكم المحلي؛ ولكني  أكبرت الرجل جما، لاهتمامه بالأمور والمرافق الثقافية كثيرا، وليس هي فقط ولكن هذا في حد ذاته معيار ومؤشر هام إلى سمو وعظمة الشخصية، ويمكن القياس عليه في أمور كثيرة، إن كان ذلك بالفطرة لا بالتصنع.
إن رسوخ وطنية عبدالقادر هلال وثبات انتمائه لليمن ونزاهته وإخلاصه لولاة الأمر واضح بلا ضبابية لكل من عرف هلال، كما لمست وعرفت, إلى درجة تجعل الرجل بعيداً كل البعد عن التشكيك، والطعن فيه أمر بالغ الصعوبة وأمام شخصية بهذه القامة والشموخ يجب ألا يلتفت فيها للوشاة والمغرضين إلا ببينة جلية، وأن تكون الحيطة منهم أكثر من أي شي آخر، فهذا ديدنهم منذ القدم، وما أكثر ذلك، خاصة في البلاطات والقصور وبين أهل السياسة والقيادة وحتى العلماء! فالوشاة لا نهاية لغاياتهم بل تتجدد وتستعر غيرتهم وحقدهم عند بروز ونجاح خصمهم ومدى قربه من صاحب القرار وثقته فيه. وعلى هذا فنحن أمام أمرين: إما أن نحاربهم للقضاء عليهم, وإما أن يكون الحال كما يريدون هم سرمديا وبلا حدود ولا نهاية لغاياتهم الخبيثة مهما كان الثمن والضحية, لأن التساهل والسطحية في هذه الأمور له انعكاسات على كل رجالات الدولة والصفوف الأولى قبل التالية منهم،  وليس عليهم فحسب بل على الوطن عموماً, ورجالات الصفوف الأولى يدركون كل شيء من ذلك، ويأخذون العبرة والحيطة والحذر، ولكن في صمت وطاعة عمياء ولا يبدون ما يخافون وما يخفون. كما أن ذلك له وقع شديد على تثبيط العزيمة والهمم والإنجازات، فيكون هذا الهم هو أهم ما يشغلهم على مدار الساعة. وبالتأكيد كل ذلك على حساب أمور كثيرة تمس الغاية من الوظيفة ذاتها، فيكون عطاؤهم في أقل الحدود لواجباتهم لمجرد البقاء في الوظيفة، ويموت حينها في النفوس الاجتهاد والإبداع، ويتحولون بهذه العبر والسيف المسلط على رقابهم كل حين كقطعان من الأنعام, أو كالثلاثة (...) الواضعين أيديهم واحد على عينيه لا يرى والثاني على أذنيه لا يسمع والثالث على فيه لا يتكلم.
لذا فإخفاء خلافات عاصفة كهذه أمر أساسي ومن ثوابت الحكم والحكمة. كما أن للشفافية الواعية دورا في تعزيز الثقة بين الجميع. عبدالقادر هلال لم يكن المواطن الصالح فحسب، بل الوزير الصالح الذي يستحق أن نقف كثيراً أمام مسار حياته الوظيفي وإنجازاته الكبيرة. إنه أنموذج وطني عز نظيره لأنه أحد التلاميذ النجباء لمدرسة الرجل الصالح.