بلد فكري قاسم في حارة

بلد فكري قاسم في حارة - جمال جبران

< مقال لفكري قاسم في صحيفة " الثوري " أو " النداء "، أو حتى تلك السعودية " عكاظ ". مقال لفكري قاسم في أي جريدة في الدنيا يكفي لأن تفتح عينيك على السخرية في أبرز صورها. يكفي أن تلمس بأصابعك تلك الحياة العادية والبسيطة مكتوبة بلغة تقول كل شيء ولا تخاف. يكفي أن تجد الألم، وأنت لا تعلم، أو يبدو الأمر هكذا، متسرباً من تحت مقالة جعلت فكيك ينفتحان إلى أخرهما.
هذا هو فكري قاسم. كيس الضحك. ابن تعز المدينة، وصاحب "المدينة "، الصحيفة، (عجل الله فرجها).
< لكأنه (فكري)، كاتب ومسرحي وقاص مخلوق لمهنة البلياتشو. حيث الضحك في الواجهة، للناس ولهم. كما والسخرية من كل شيء. في حين يكون الوجع راقداً في الحديقة الخلفية. هو ذاك الوجع الذي لا يراه الناس. هو ذاته الوجع والألم الذي يكابده فكري حال الكتابة. وهنا نقطة أخرى. اعتقاد القارئ، أو الباحث عن نقص أو هنة، اعتقاد أن كتابة فكري قاسم الساخرة إنما تأتي من فعل سهل وبسيط لايرى مكابدة أو توجعا ولا يعيش فيها. وهي بالعموم فكرة منتشرة عن هذا الجنس الكتابي المعتمد على إثارة النكتة ووضعها بداخل قالب حكائي. أو الاعتماد على حدث ما، بسيط ومن ثم فعل الاشتغال عليه. لكن هذا لا يكون سهلاً أو مجانياً. حيث يتطلب الأمر جهداً وتركيزاً عالياً بهدف إخراج الواقعة من إطار المحكي إلى المكتوب. وهذه عملية يجيد فكري قاسم الإمساك بها وتطويعها كيما تخرج ممهورة بلغته الخاصة وطريقته الباهرة في الكتابة.
< نأتي، هنا، إلى نقطة أخرى فيما يخص هذا الإصدار الجديد " بلد في حارة " لفكري قاسم،الذي لايخفي كون تلك النصوص المنشورة على مساحة الكتاب إنما هي مجموعة مقالات تمت كتابتها خلال فترة من الوقت والأيام، على صفحات أكثر من جريدة، أبرزها صحيفة " الثوري ". لكن الملاحظ، وبالذات من قبل الذين كانوا قد قاموا بقراءة هذه المقالات الساخرة في وقتها حين نشرها. الملاحظ أنهم لم يغادروا ذات المتعة الأولى التي تذوقوها حين قراءتهم الثانية لذات المقالات وهي بين دفتي كتاب.
< نضع أيدينا هنا على فكرة تجاوز هذه المقالات لآنيتها ولحظتها وقت نشرها، على اعتبار أنها في الأساس عبارة عن مقالات صحفية تم نشرها بصفة اسبوعية. بمعنى أن روح القاص والمسرحي التي بداخل فكري قاسم تفرض نفسها على إيقاع الكتابة لتخرج هذه المقالات حاملة صفة ديمومتها وذلك عبر إسنادها لصنف الكتابة الأدبية المتجاوزة للآني واللحظي كما وبسبب الطريقة التي تمت بها كتابتها. وفكري حاذق وماهر في كل هذا.
< وهنا لا نروح بعيداً عما قالته القاصة البارزة هدى العطاس، مساء الأربعاء الفائت، في فعالية مؤسسة العفيف الثقافية الخاصة والمخصصة لتوقيع فكري قاسم كتابه الجديد. لا نروح بعيدا ونحن نعيد ماقالته فيما يخص روح القاص التي تحتل نصوص (مقالات) كتاب فكري قاسم الذي قالت، أيضا، أنها تخاف من طريقة سرده القصصي البديع، بما أنها قاصة.(كانت مداعبة هنا من هدى المحتفية بكتاب فكري قاسم).
< نختصر القول والكتابة هنا. ينبغي فعلنا هذا. بل ويجب. نرى أن أي كتابة مهما كانت عن هذا الكتاب، النص، الإنجاز، ستبقى ناقصة ومعاقة كما وبائرة. ستظهر أنها كتابة تود علوها عن طريق قولها في هذا الكتاب. ستظهر أنها كتابة ترغب صعودها على حساب غيرها. هو اعتذار هنا عن هذه الكتابة الناقصة والمريضة. هو اعتذار عن عدم قدرتها وعجزها عن ملامسة كل تلك الروح الكبيرة والكثيرة التي سينظر إليها القارئ حال معانقته " بلد في حارة ".
هل نقول بدعوة هنا لقراءة هذا الكتاب، الروح! لا نعتقد. وهذا لسبب بيسط وكبير في آن. وهذا لأن كتاب فكري قاسم في حد ذاته دعوة. دعوة تقول بكل مافي هذه البلاد من هموم وقضايا وإشكاليات تخصنا وتتماس معنا بشكل شخصي. وفكري، كما قلنا، ماهر وحاذق.. وفنان في فعل كل هذا، وأكثر.