من السهل تمرير كل هذا الدم اليمني تحت أقدام الجميع!

من السهل تمرير كل هذا الدم اليمني تحت أقدام الجميع! - ماجد المذحجي

أصبحت صعدة الآن سبباً للاصطفاف الطائفي والسلالي، ينقسم الناس تبعاً له إلى "شيعة" و"سنة"، "زيود" و"شوافع"، "سادة" و"قبائلـ"... وعلى المرء التعايش مع ذلك باعتباره مسلمة بسيطة. الجنوب أيضاً أصبح سبباً لاصطفاف مناطقي وسياسي، حيث يجب أن ينفرز الجميع بسبب ما يحدث فيه إلى "شماليين" و"جنوبيين"، "وحدويين" و"انفصاليين"... باعتبار ذلك حال الأمور، وهو ما يجب التسليم به أيضاً.
بالطبع يسهل استدعاء اصطفافات تاريخية أخرى تورطنا بها دوماً، ليس أقدمها بالضرورة الفرز القائم بين "أصحاب مطلع" و"أصحاب منزلـ" مثلاً!
لقد تورط اليمنيون –باستمرار- في اصطفافات الشك، واحتكارات "الوطنية"، ومختلف أشكال الفرز البدائية فيما بينهم. وتمكنوا من التعايش بسهولة مع هكذا انقسامات خطرة، بدون أسئلة أو اتخاذ موقف، رغم ما تقود إليه من دورات دم يدفع الجميع ثمنها المكلف فعلياً. إنه أمر مرعب، كونه شائعا وتم الاستسلام له، ولكون الجميع يتخفف من عبء التعامل معه والتنبيه إليه.
بالطبع لم تنقذ الدولة الجميع من كل هذه الاصطفافات والمواجهات، بأن تكون محل شراكة وإجماع ووفاق، ينتهي إليه الحق الوحيد في فض النزاعات وتسوية الخلافات وتنظيم المصالح وإنشائها. بل تلاعبت بالأمر باستمرار، وغذت الاصطفافات والتمايزات والعنف الأهلي، لإضعاف الجميع، ولضمان أن تبقى بعيدة عن المشاركة العامة وحقا للناس كلهم. ذلك مرده، في مستوى أساسي، إلى كون الدولة مجالا مُحتكَرا من عصبية واحدة، صغيرة ومتماسكة، حولتها إلى محل للتكسب وإنشاء النفوذ وممارسة التعسف، وهو ما يجعلها خصماً متوقَّعاً بالنسبة للجميع، ويفض الإجماع العام من حولها، كما أنه يثير النزاع عليها و بسببها!
لقد تغذت الدولة –باستمرار- على المخاوف، لذلك تقوم بتعميم خصومتها، فيتحول نزاعها مع مجموعة صغيرة من الناس إلى نزاع مع فئة كاملة من المجتمع. يصبح الحوثي –بذلك- كل "الهاشميين" و"الزيود"، وفق ما هو حاصل الآن. وعلى الأخيرين إثبات العكس، وإلا فسيظلون مجرد مشتبه بهم، وأعداء محتملين باستمرار! إنها لا تكتفي بذلك، بل تقوم بتحويل خصمها السياسي إلى خصم للناس جميعاً، عبر التلاعب بالمخاوف الصغيرة لديهم، والتي يتم تضخيمها، ليصبح هذا الخصم وحشاً بالنسبة للكل. بهذا يتحول الحوثيون أيضاً، وكل الزيود، إلى "شيعة اثنا عشرية"، والهاشميون إلى "إماميين" بالضرورة. ذلك مُجدٍ لإثارة المخاوف المذهبية لدى الغالبية السنية، ولجعلها تقف في المواجهة ضد الحوثيين، وبالمعية ضد كل "الهاشميين" و"الزيود" المشتبه بهم جميعاً وفق عقيدة الأجهزة الأمنية. وهي إثارة مذهبية تلقى عوناً من ذوي البأس من السلفيين والوهابيين في مواجهة الأخطار الشيعية، التي يظنونها موجودة باستمرار وتهدد تصورهم عن مجتمع يمني نقي مذهبياً!
يصح هذا القياس أيضاً على الجنوبيين، حيث يصبح كل من يطالب بحق في الجنوب -بالنسبة للدولة- مشروعاً انفصالياً صغيراً يجب التعامل معه بصرامة. وهي تقوم بتضخيم المخاوف منهم ليصبح كل جنوبي "انفصاليا" بالضرورة، وبالتالي عدوا لمصالح اليمنيين كلهم.
يستسلم الجميع لعنف الدولة ضد فئات كاملة من المجتمع حين يتم وفق تصنيفات مذهبية أو مناطقية أو غيرها. بل يشارك فيه البعض، ويعقدون تحالفات غير مُعلنة مع هذا العنف، ضمن مصالح مختلفة، منها أيديولوجي وسياسي ومذهبي... العنف مغرٍ ضمن التبريرات والدوافع المعلنة التي توفرها الدولة، أو تلك الصامتة التي يعتمدها شركاؤها، ويتم تبريره وتسويقه عبر لغة ميتة وغير أخلاقية تقتات من الاختلافات بين الناس لتبرر قتلهم، سواء باعتبارهم "شيعة" أم "انفصاليين". نخب بأكملها تقف بصمت أمام هذه الممارسات والعنف الذي تُحدثه، والضحايا الكثر الذين تخلفهم، سواء كقتلى أم في المعتقلات؛ لأسباب تتعلق بالتحالفات والمصالح، أو لانخفاض في الحساسية الأخلاقية، أو ربما لمخاوف أمنية أيضاً. وبهكذا صمت –بالطبع- يصبح من المثير فعلاً اكتشاف كم هو سهل تمرير كل هذا الدم اليمني تحت أقدام الجميع!
maged