بعد حادثة "ذي ناخبـ".. هل يتخلى الحراك الجنوبي عن النضال السلمي؟

بعد حادثة "ذي ناخبـ".. هل يتخلى الحراك الجنوبي عن النضال السلمي؟ - فؤاد مسعد

كثير من الفعاليات نظمها قادة الحراك الجنوبي دون التلويح بالسلاح أو اللجوء إلى العنف. ورغم ما واجه فعاليات الحراك من أعمال قمع قامت بها أجهزة الأمن وبعض وحدات الجيش، إلا أن جماهير الحراك آثرت انتهاج الخط السلمي، وهو ما أكسبهم تعاطفا ملحوظا. إلا أن ما حدث قبل أيام في منطقة "ذي ناخبـ" بمحافظة لحج يعد تطورا لافتا في مسار الحراك الموصوف شعبيا وإعلاميا بالحراك السلمي، وهو التوصيف الذي لازمه منذ انطلاقته الأولى مطلع العام الفائت. تأكيدات بعض عناصر محسوبة على الحراك على عدم انجرارهم إلى طريق العنف وأن ما حصل ليس إلا ردة فعل غاضبة جراء محاولة السلطة اعتقال باعوم الذي حل ضيفا عليهم ولم يكن واردا في حسبانهم تسليمه أو التواطؤ على جريمة اعتقاله، وهو الذي أطلق سراحه الشهر الفائت بعفو رئاسي بعد ما أودع السجن ما يزيد عن خمسة أشهر، لا يعفي من طرح التساؤل المنطقي هنا: هل يتخلى الحراك السلمي عن سلميته التي عرف بها، وبالتالي يتحول إلى حركة تمرد مسلحة؟ وهل سيخدم قضيته التي ما فتئ يتحدث عن عدالتها وشرعية مطالبها وسلمية وسائل التعبير عنها؟ وفي حال انجرت عناصر الحراك لمثل هذا الطريق، هل بالإمكان أن يسارع قادة الحراك أو بعضهم لتدارك ما يمكن تداركه في سبيل الحفاظ على الحراك الجماهيري بطابعه السلمي، أم سينجر الجميع للسلاح ومعه للعنف وبعدها تترك العواقب لما ستفرضه النتائج على الأرض، لاسيما وأن هناك من يعول على مثل هذه الحلول خصوصا أولئك الذين ما زالوا ينظرون بإعجاب للتمرد الحوثي وما يطلقون عليه "خيار شحتور" (قائد مجموعة مسلحة تبنت مناهضة السلطة في أبين)؟
الخيار غير السلمي هو ما حذر منه كثيرا قادة الحراك. وهم يحثون الجماهير على النضال السلمي، لقناعتهم الثابتة التي طالما عبروا عنها، ومفادها أن السلطة تريد جر المواطنين للعنف وبالتالي يسهل قمعهم، كون اللجوء للعنف مبررا كافيا لقيام السلطة وأجهزتها بتوجيه ضربة موجعة للحراك وقاعدته التي توسعت يوما بعد يوم بفضل استخدامها وسائل التعبير السلمي طريقا للمطالبة بحقوقها والتعبير عن قضيتها.
في كلمته الأسبوع الماضي قال العميد ناصر النوبة إن "النضال السلمي هو طريقنا"؛ إلا أنه استدرك بالقول: "لكن اذا لم يجدِ..." وسكت تاركا الفرصة للجمهور الذي فهم مقصده، وسارع معظمهم للهتاف باسم السلاح والقتال، وهو ما عده متابعون مؤشرا إلى البدء في خطوة تالية قد يكون العنف أبرز ملامحها، لاسيما وأن بعض قادة الحراك طالما أتحفوا جماهيرهم بالقول إن الحراك سيتخذ وضعا آخر. وعلى الرغم من أنهم لم يشيروا لاستخدام السلاح ورفعه في وجه السلطة، إلا أن البعض يرى في هذه التلميحات ضوءا أخضر لحمل السلاح، مع تأكيد أن معظم أدبيات الجمعيات المكونة للحراك ما زالت تلح على عناصرها ضرورة التمسك بالخيار السلمي، وآخر تجليات هذا الخطاب جاءت من خلال تشكيل هيئة للنضال السلمي في محافظة لحج بقيادة النائب ناصر الخبجي.
ولعل من الأهمية بمكان الإشارة إلى أن الحراك الجنوبي مازال ينظر في النضال السلمي طريقه الوحيد، على الأقل في بيانات مكوناته وخطابات قياداته، باستثناء العميد النوبة، المعروف بجنوحه نحو التصعيد، وإن كان هذا التصعيد شطحات منفعلة لا تلبث أن تزول بانتهاء وقعها، ومنها إعلانه العام الفائت العزم على بدء العصيان المدني في يناير الماضي، وهو ما لم يتم، لإدراك الكثير من قادة الحراك تبعات اللجوء لمثل هذا النوع من التصعيد. كما تجدر الإشارة هنا إلى أن في كثير من خطابات قادة الحراك ما يكشف عن تذمرهم من الأسلوب الذي تقابل به السلطة أي حركة احتجاج سلمية، في حين تجنح للسلم إذا كان الطرف الآخر يرفع السلاح ويعلن الحرب عليها، مستدلين بما آلت إليه حروب صعدة، وما تمارسه السلطة من تدليل لبعض الحركات الجهادية وبعض المحسوبين على تنظيم القاعدة. إلا أن ذلك بطبيعة الحال لا يعني تفضيلهم خيار العنف، كون مثل هذا الطرح يقوله قادة أحزاب اللقاء المشترك وهم يدشنون نضالهم السلمي، بمعنى أن السلطة نفسها هي التي جعلت خصومها يجمعون على أنها تتعامل وفق معايير مختلفة إن لم تكن مختلة كما يصفها بعض المعارضين.
وإذا لم يكن من مصلحة الحراك أن ينجر إلى طريق العنف فليس من المعقول أيضا أن تظل السلطة تمارس كل أشكال القمع وهي تتكئ على عقول معارضيها الذين تدرك أنهم لن يتخلوا عن النضال السلمي، ما يعني أن إصرارها على استخدام وسائل القمع والتنكيل بحق مواطنين عبروا عن استيائهم من الطريقة التي تدار بها البلاد ربما يفتح أبوابا أخرى ليس من بينها النضال السلمي الذي أوشك أن يصل إلى طريق مسدود وفق ما يستنتج البعض.