اليمن يخسر دعماً دولياً لبناء قوة بحرية جراء إصراره على اعتماد صنعاء نقطة أمنية بحرية

اليمن يخسر دعماً دولياً لبناء قوة بحرية جراء إصراره على اعتماد صنعاء نقطة أمنية بحرية -

إصرار يمني على الفشل!!

أحمد الحاج
ألقت أزمة القرصنة في خليج عدن والبحر الأحمر بظلالها على علاقات اليمن بدول التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب، والولايات المتحدة بصفة خاصة. وتعيش علاقة البلدين، منذ أكتوبر الماضي، أسوأ حالاتها على إثر قرار صنعاء بالإفراج عن جمال البدوي المتهم بقضية "كولـ" والمطلوب للولايات المتحدة، ومعه جبر البنا، المتهمين بالانتماء لتنظيم القاعدة.
دوائر دبلوماسية غربية بصنعاء تساءلت عن دور جماعات صومالية تتواجد في مناطق بمحافظتي حضرموت والمهر، ويُعتقد أن لتلك الجماعات اليد الطولى في أعمال القرصنة البحرية في خليج عدن، بالإضافة إلى ارتباط تلك الجماعات والأشخاص بجهات وشخصيات يمنية عسكرية وأمنية نافذة.
هو اتهام ترفضه صنعاء بشكل قاطع. غير أن رئيس جهاز الأمن القومي ومدير مكتب رئيس الجمهورية، علي محمد الانسي، لم يستبعد قيام تنظيم القاعدة بتنفيذ عمليات إرهابية بحرية.
 وقال لصحيفة "الميثاق"، امس: "لا نستبعد أن يكون القاعدة قد وجد بيئة ملائمة له في الصومال لممارسة أنشطة إرهابية"، حيث سبق لتنظيم القاعدة أن حث عناصره على التوجه نحو السيطرة على المنافذ البحرية ونقل المعركة إلى البحر، كما جاء في بيان لهذا التنظيم في ابريل الماضي تحت ما اسماه "الإرهاب البحري ضرورة استراتيجية".
وبالعودة إلى محادثات صنعاء المتعلقة بعمليات القرصنة والدور اليمني فيها، خسر النظام في صنعاء –كعادته- واحداً من أهم المشاريع الأمنية والعسكرية الاستراتيجية الكبيرة، التي كانت ستؤسس لبنية تحتية متينة للبحرية اليمنية وقوات خفر السواحل على وجه الخصوص. وتتمثل تلك الفرصة الثمينة بمشروع أوروبي – أمريكي يهدف إلى إنشاء قوات لمواجهة أعمال القرصنة في خليج عدن، يكون لقوات خفر السواحل والبحرية اليمنية، بمختلف تشكيلاتها، النصيب الأكبر في ذلك المشروع، وهو ما سيساعد القوات اليمنية على الارتقاء بقدراتها الأمنية والقتالية التي طالما افتقدتها، إما بسبب الحروب الداخلية المدمرة كحرب 1986 وحرب 1994، وإما بسبب سوء الإدارة وانعدام معايير الكفاءة والخبرة عند اختيار القيادات الأمنية والعسكرية لشغل المناصب العليا في تلك الأجهزة.
حتى الشهر الماضي كان الأوروبيون، ومعهم الولايات المتحدة واليابان وماليزيا، يبحثون مع الجانب اليمني في الدور الذي يمكن أن تضطلع به قوات البحرية اليمنية في مواجهة أعمال القرصنة في خليج عدن بالتعاون مع القوات الدولية العاملة في المنطقة.
وفي 10 سبتمبر الماضي دعي سفراء دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية إلى اجتماع مع مسؤولين كبار في الحكومة اليمنية بشأن موضوع أعمال القرصنة.
كان السفراء الأجانب يتطلعون إلى مشروع يمني متكامل وواضح المعالم حتى تتمكن الدول المانحة من تبني المقترحات اليمنية وتوفير التمويل اللازم لها، لاحتواء المخاطر الناشئة عن اتساع أعمال القرصنة ومخاطرها في خليج عدن والسواحل الصومالية وبلوغها مستوى الذروة. غير أن ما تقدم به الجانب اليمني ممثلا بالدكتور رشاد العليمي نائب رئيس الوزراء، ومعه وزراء الدفاع والداخلية والنقل وآخرون من القيادات الأمنية والعسكرية، كان مخيبا للآمال.
وخلاصة المقترح إنشاء أربعة مراكز أمنية يتصدرها المركز الرئيسي بصنعاء وتتبعه ثلاثة فروع في كل من عدن والحديدة والمكلا، وتخصيص "ميزانية" لإنشاء غرفة عمليات مشتركة. وتضمن التصور اليمني إنشاء قوات للتدخل السريع من البحرية اليمنية وخفر السواحل تساعدها قوات التحالف الدولية في المنطقة على أن تقسم المنطقة إلى مناطق جغرافية تحدد فيها المسؤوليات بحسب إمكانيات كل طرف.
غير أن الجانب الأوروبي- الأمريكي لاحظ من خلال قراءته الأولية للتصور اليمني الذي طرح في الاجتماع أنه غير شفاف ويفتقد لمقترحات واضحة وصريحة تعالج جوهر المشكلة، وأنه ينحصر بـ"مطالب مالية أكثر منها دراسة جدوى عملية لمشروع كبير"، وفقاً لدبلوماسي غربي شارك في الاجتماع، مشيرا إلى أن الحال من بعضه، قائلا: "أستطيع القول أن مشروع قوات خفر السواحل أفرغ من محتواه، ونحن غير مستعدين اتكرار الخطأ".
يوم الجمعة الماضي جاء الرد الحاسم من بروكسل، عندما قررت ست دول أوروبية، من بينها فرنسا رئيسة الدورة الحالية للاتحاد الأوروبي، تشكيل قوات خاصة من تلك الدول لمواجهة أعمال القرصنة في خليج عدن والسواحل الصومالية، ما اعتبره المراقبون في صنعاء تخلياً أوروبياً أمريكياً عن فكرة الدور اليمني المفترض. فيما اعتبرت صنعاء تلك الخطوة مؤامرة دولية تستهدف دول المنطقة.
ونقلت وسائل إعلام محلية عن مصادر سياسية رفيعة أن الزيارة التي قام بها رئيس الجمهورية علي عبدالله صالح إلى الأردن ثم مصر، تأتي على خلفية تعاظم القلق ومخاوف صنعاء مما يلوح في الأفق من مخطط أمريكي- أوروبي يستهدف تدويل البحر الأحمر وخليج عدن إثر إعلان عدد من الدول الأوربية تشكيل قوات للتدخل السريع لمكافحة أعمال القرصنة في خليج عدن والبحر الأحمر. وذكرت المصادر أن الرئيس صالح عقد في عمان مع الملك عبدالله محادثات بهذا الشأن.
فيما أبدى دبلوماسيون غربيون أسفهم لإهدار اليمن فرصة أخرى لتطوير قواتها البحرية وتضييعها لدور مهم في البحر الأحمر وخليج عدن، معتبرين اتهام اليمن للدول الغربية بإنشاء قوات للتدخل السريع لمواجهة أعمال القرصنة، بأنه رد فعل غير واقعي أملته رغبة الحكومة اليمنية في تغطية فشلها في الاستفادة من الدعم المقدم من الغرب لتطوير قواتها البحرية.
صحيح القول هنا أن صنعاء حذرت منذ وقت مبكر من مخاطر القرصنة البحرية، وتقدمت بمذكرة رسمية إلى أمين عام الأمم المتحدة أواخر 2004 لمواجهة المشكلة، وفي العام 2005 انعقد اجتماع لدول إقليمية طرحت فيه بعض معالجات لمواجهة تلك المشكلة، وخلصت طاولة الحوار إلى رؤيتين: قصيرة المدى ركزت على أهمية التعاون الأمني والاستخباري بين دول المنطقة وتبادل المعلومات والقيام بضربات وقائية ضد زوارق وتجمعات القراصنة، وبعيدة المدى اعتمدت على الحل الذي يهدف إلى إعادة تأهيل الصومال ودعم استقراره الأمني من خلال دعم وبسط نفوذ الدولة.
وصحيح أيضاً انه في العام 2006 عقد اجتماع لدول المنطقة في العاصمة العمانية مسقط وتمخض عنه اتفاق لمواجهة الظاهرة، وقدمت فيه اليمن مذكرة تفاهم تضمنت تصوراتها للحل واقترحت إنشاء مركز إقليمي في صنعاء؛ ولكن عدداً من الدول حينها لم تُبدِ اهتماماً بذلك ولم تظهر رضاها عنه، بسبب أن الشيطان يختبئ في التفاصيل.
واللافت أنه حينما استؤنفت الحوارات مؤخراً مع دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية كانت الأمور على الأرض قد اختلفت كثيراً، وكان على الجانب اليمني أن يتعاطى مع المستجدات بجدية أكثر ليحظى بثقة المانحين ويحصل على التمويل اللازم لمشروع كبير تتجاوز كلفته ملايين الدولارات. غير أن النظام ظل متمسكاً بوهم إمساكه بزمام الأمور، واعتقد أن الفرصة قد حانت لإخضاع المانحين للأمر الواقع واستغلال حاجتهم إلى وضع حد لأعمال القرصنة بما يدفعهم إلى القبول بالمقترحات والمطالب اليمنية (ابتزاز).
غير أن حسابات النظام كانت خاطئة وقاصرة، ولم يكن ذلك بالأمر المستغرب للكثير من المراقبين والمتابعين لسياسة النظام على مدى الأعوام الأخيرة، بل ومنذ الهجوم الانتحاري الذي استهدف المدمرة الأمريكية "كولـ" في أكتوبر 2000 وما تلاه من هجمات في الحادي عشر من سبتمبر بالولايات المتحدة 2001، حيث فوّت النظام الكثير من الفرص ولم يستفد من الدعم الدولي لمكافحة الإرهاب بما يخدم المصلحة العامة للبلاد، وإنما سعى خلال تلك الفترة لتوظيف الدعم الدولي لتعزيز أمنه الخاص والتلبية المحدودة لمصالح دول التحالف الغربي وبالذات الولايات المتحدة، وجرى إخضاع ذلك التعاون لمصلحة المربع الأمني الضيق الممثل برأس النظام.
والأخطر من ذلك أن النظام استغل في أوقات كثيرة قضية مكافحة الإرهاب فزاعة لابتزاز الأمريكان والغرب عموماً من خلال الإمساك بالعصا من الوسط خدمة لأغراض سياسية داخلية ضيقة وآنية في الغالب، ما ساعده -إلى حين- في تضليل الخارج، والأمريكان بدرجة رئيسة، وبخاصة على صعيد التعاطي مع "القاعدة" وأخواتها، لكن تلك السياسات أظهرت فشلها بتأكيد الوقائع التي تفيد بتنامي الفكر التكفيري واتساع نفوذ تلك الجماعات وتفاقم عملياتها الانتحارية التي تهدد أمن واستقرار البلاد ودول الجوار.