ماجد المذحجي يكتب: السلام في صعدة لا يحتمل السلفيين!

ماجد المذحجي يكتب: السلام في صعدة لا يحتمل السلفيين!

يخوض السلفيون معركة غير نزيهة في صعدة: إشعال الحرب مرة أخرى! هذا هو حال الأمر في المحافظة المنكوبة التي يبذل فيها هؤلاء كل جهودهم لإعادة الأمور إلى مربع العنف، بوعي تطهيري يرى في الآخرين من "الزيود" مجرد "روافض" فقط، ضمن محاولة لاستعادة وتوظيف كل التراث الإسلامي في الاقتتال المذهبي لتغذية حرب سادسة في شمال اليمن!
الحرب في صعدة تتعدى المواجهة مع "مخربين" معزولين وفق أدبيات السلطة، لتنفتح رغماً عنها على البعد المذهبي بشكل كبير، وفي مستوى رئيسي تم تحويل تداعياتها الأمنية إلى مواجهة بين الدولة و"المذهب الزيدي"، وهو ما يشكل خطورة فعلية على "الوحدة الوطنية" أكثر من أي شيء آخر. إيقاف الحرب يُمكّن من إيقاف هذا الاستنفار المذهبي بين اليمنيين، مع التأكيد على خطوات إضافية وضرورية، مثل إطلاق المعتقلين. ولكن ما يقوم به السلفيون سيؤدي إلى إشعال الحرب وبصيغة طائفية أكثر خطورة وتفجراً هذه المرة.
بالضرورة يجب تأكيد تفصيل واحد على الأقل: صعدة حاضرة "الزيدية" في اليمن منذ أكثر 1000 عام، وهي لا تحتمل مغامرات ذات بعد طائفي تريد تطهيرها من "الزيود"! إن النشاطات السلفية في صعدة تقوم باستنفار الناس وتهييجهم، خصوصاً وهي تبدو مندمجة في الإطار الرسمي، أو جزء منه. لا يمكن ادعاء وقوف الدولة بشكل محايد في الأمر، أو عدمها علمها بالموضوع، خصوصاً مع الدعم المتزايد للسيطرة السلفية على مساجد صعدة، علاوة على الحديث عن رواتب أكثر من 200 إمام، أو داعية، من السلفيين تم إيقافها بعد الحرب الأخيرة لشهر واحد فقط ضمن الخطوات غير المعلنة لإنهاء الحرب وتهدئة النفوس، ليعاد الآن دفع الرواتب مرة أخرى بقرار غير مفهوم. لقد تم توزيع منشورات في صعدة تصف الآخرين، من غير السنة بالطبع، بـ"الروافض"، وقيل أنه تم لصقها على سيارات تابعة للجيش أيضاً. وإضافة لذلك حدث أن تم اعتقال الكثير من الناس في مساجد صعدة في رمضان من قبل قوات عسكرية، كونهم يقيمون حلقات ذكر وقراءة قرآن ولا يقومون بصلاة التراويح! مع العلم بأن الزيود لا يقومون بصلاة التراويح، وهي سنة وليست فرضاً لدى المذاهب السنية، ويكتفون بقراءة القرآن. كل تلك هي ممارسات لا تنبئ عن نوايا طيبة أو بريئة، بل هي ممارسات عدائية تماماً وتوفر بيئة خصبة لعودة المعارك.
استمرار السلام في صعدة يحتاج لتنقيتها من دعاة الحرب والفتنة الطائفية. وشخص مثل "عسكر زعيلـ" يُتَّهَم تماماً بأنه أحد الفاعلين السلفيين فيها، والخطورة بالنسبة له هي في تداخل وعيه السلفي مع موقعه المهم كمدير لمكتب اللواء علي محسن الأحمر، قائد المنطقة الشمالية الغربية وقائد الفرقة الأولى مدرع. لقد أدى ما قيل عن محاولة قتله، بالحادث الدموي الذي تعرض له جامع سلمان، لتفجير الحرب الخامسة في صعدة، وتبدو جهوده الحالية مفتاحاً لحرب سادسة لن يحتملها الجميع. إن استثارة النزاعات الطائفية بخطب الجمعة في جوامع صعدة بتسمية "الروافض" هو تحريض خطير ضد طائفة كبيرة من اليمنيين. إن ذلك كله يجب وقفه ليستمر السلام في صعدة. وعلى ما يبدو فإن هذا الأمر لم يكن بعيداً عن رئيس الجمهورية، الذي أصدر قرارين بنقل "عسكر زعيلـ" من صعدة، ولكن لم يتم تنفيذهما لأسباب لا نعلمها.
جهود السلفيين في صعدة لإعادة الحرب، لها شراكات غير بريئة في صنعاء. ذلك ما يمكن فهمه من موقف صحف محسوبة على الإصلاح تلعب دوراً تحريضياً ضد السلام في صعدة. هل يمكن ببراءة تلقي النبرة ذات الطابع الطائفي في صحيفة مثل "الأهالي" حيث يستضاف عدد من "شيوخ" جامعة الإيمان ككتاب في أعمدتها، واستثمارها اللافت للحوادث ذات الطابع المذهبي لتقوم بتحريض لا يتم فيه التفريق بسهولة بين "الزيود" و"الحوثيين". ما تقوم به "الأهالي" يتم بدون حساسية أو مسؤولية أخلاقية يفترض أن تكون حاضرة في أي موضوع يخص صعدة، بغرض الحفاظ على السلام وصون دم اليمنيين. ويبدو أن هذه الممارسة المهنية المنافية لدور الصحافة تحدث ضمن موقع أيديولوجي طائفي في المستوى الصامت منه يتخذه القائمون عليها أثناء قراءتهم للأحداث.
تحتاج صعدة للسلام، ويحتاج اليمنيون لمنح الاهتمام لقضايا أخرى غير النزاعات المذهبية. وبالتأكيد يجب على الحوثيين الالتزام بالسلام والاستجابة لأي خطوات تؤدي لتعزيزه، كما يجب على الدولة أن تتحمل مسؤوليتها في نزع أي أسباب لعودة الحرب، وترشيد سلوك أجهزتها الأمنية الحاصل خارج القانون، ووقف استهداف الناس ضمن خلفيتهم المذهبية، ولجم الممارسات السلفية ذات الطابع التحريضي في صعدة.
maged