تعليقاً على مقابلة الارياني في قناة "الحرة".. لم يعد بوسعه التبرؤ من السياسات المعلنة والمخفية للسلطة

تعليقاً على مقابلة الارياني في قناة "الحرة".. لم يعد بوسعه التبرؤ من السياسات المعلنة والمخفية للسلطة - محمد عبدالسلام

الدكتور عبدالكريم الارياني، أحد أبرز منظري النظام والمدافعين عنه والمستفيدين منه، له حصة ثابتة في مجلس الوزراء والسفارات، وهو واحد من الذين تعرضوا إلى سهام أجهزة الإعلام الرسمي والممول، لتحجيمهم وكبح جماحهم... وهو ما دفعه الى وصف تلك الحملة، عندما كان يتولى رئاسة الحكومة، بأنها "مكافأة نهاية الخدمة".
رغم كل ذلك لا يتواني د. الارياني في اتخاذ مواقف وإطلاق تصريحات، في اتجاه خصوم الرئيس ومنتقديه، بلغة هي أبعد ما تكون عن حقيقة ما يسر به أصدقاءه من نقد لاذع واستنكار لمجريات الأمور. وهو صاحب التصريح الأخطر إلى وكالة "رويترز" قبل أكثر من خمسة أشهر بأن "أمام اليمن ثلاث سنوات لإصلاح أوضاعها وإلا واجهت كارثة محققة"!!
في الفترة التي تلت خروجه من رئاسة الحكومة في العام 2001، تفرغ الارياني للنشاط في حقل المؤتمرات الخارجية والندوات الدولية، لكنه ظل قريبا من الرئيس، يبدي له المشورة حين يطلبها منه. لكنه لم يعد يجتهد في طرح رأي أو فكرة، لأنه، على حد ما يقول أصدقاء له، لم يعد يعتقد أن للرأي أو النصيحة مجال في دائرة الرئيس، الذي استبدله وأقرانه بمجموعة منتقاة من المقربين الذين لا يجرؤون على مخالفة آرائه، ولا يكترثون كثيرا بما ستؤول إليه الأوضاع في البلاد.
لعلنا نستذكر كلمة الارياني في مهرجان إب الانتخابي، عندما رفع الرئيس إلى مصاف الأنبياء والقديسين. وكان مستهجنا أن يقوم شخص بقيمته العلمية والثقافية وإرث أسرته، بلعب دور لا يليق به، بل ويحط من قدره أمام أصدقائه قبل أعدائه. ثم أنهى العام المنصرم بقبول التوقيع على وثيقة الدوحة، وهو لا يعلم أي شيء عن مجرياتها، ولا يدرك حتى اللحظة لماذا بدأت وكيف انتهت، فهو يقوم بما يمليه عليه الرئيس دون تردد ولا حتى سؤال، حماية لمواقع أبناء أسرته وأصهارهم. حتى عندما كلفه، مع عبدالعزيز عبدالغني، بإدارة حوار مع عبدالرحمن الجفري، قبل لعب الدور رغم إداركه أن النتيجة ستكون صفرا جليا، لأنه يعرف أن الجفري لا يملك ما يساوم السلطة عليه ولا ما يضغط به عليها، والارياني مقتنع بأن الحزب الذي يرعاه الجفري لا يمتلك ما يقدمه للسلطة، وبالتالي كان حوارا لتمضية الوقت، لم ولن ينتج عنه شيء، سوى ترتيب أوضاع شخصية، وإعادة ممتلكات منهوبة.
يوم الاثنين الماضي استضاف برنامج "حديث الخليج"، على قناة "الحرة" (الذي يقدمه الكاتب السعودي سليمان الهتلان)، الارياني في حوار حول الأوضاع الداخلية اليمنية. وكان واضحا من إجاباته أن عمد إلى تسطيح القضايا، والتهجم على المعارضة في الخارج، واستخدم ألفاظا يعاقب عليها القانون. لكنه كعادته تقمص الدور الذي لا يحيد عنه في العلن، وهو ألا يُغضب الرئيس، وأن يهبّ للدفاع عنه، رغم تناقض ذلك مع فكر رجل بحجمه التاريخي والثقافي.
في المقابلة تناول الارياني عدة قضايا، مثل هيئة حماية الفضيلة، والمعارضة الجنوبية، والوضع الاقتصادي في البلاد، وحرب صعدة.
كان هجومه على هيئة حماية الفضيلة، قاسيا ومتسقا مع قناعاته الفكرية، ولم يدافع عن الرئيس مطلقا، بل فضل استخدام لغة تحرجه إن كان قد تورط (وتلك حقيقة يعلمها الارياني علم اليقين). مسألة الهيئة هي القضية الوحيدة التي لم يخش فيها الارياني غضب الرئيس، لأنه يدرك أنها مجرد محاولة هزلية لشق حزب الإصلاح وخلق شقاق داخل اللقاء المشترك، أي أنها في المحصلة عمل لا يمكن أن يكون الرئيس جادا في تركه للزنداني والذارحي، إذ أن أول الخاسرين من عمل الهيئة هي الفئة التي تستفيد من إغراق الأسواق بالمواد التي يرغب "الفاضلان" في محاربتها.
لكن الارياني خلع قفاز الملاكمة عندما بدأ بالحديث عن قضية الجنوب، والمعارضة الجنوبية في الخارج. هنا استخدم ألفاظا لا تليق به، ولا يجوز تصنيف المعارضة بها.
خلال المقابلة تعمد الارياني، عند تناوله للقضية الجنوبية، تسطيحها، وإظهار الأمر وكأنما هو صراع على مصالح ذاتية ضيقة. إن هذا التسطيح للمسألة هو الذي يغري السلطة بمواصلة سياستها في إغراء الكثيرين بما تقدمه لهم من أراض ووظائف وأموال وسيارات، مقطوعة قيمتها من مشاريع التنمية الحقيقية.
لا بد أن الدكتور الارياني يعلم أن الأمر ليس صراعا حول مصالح شخصية، وإلا لما لجأت السلطة الى القمع وملء السجون بقيادات جنوبية لم تبحث يوما لتدبير أمرها. ثم هو يقول إن الذين عادوا يبحثون عن مشاركة السلطة. وهو قول مردود عليه، لأن الذين استطاعت السلطة إغواءهم واستبعادهم من قائمة الستة عشر سيئة الصيت، صاروا وحدويين ويقفون الآن في قمة الهرم التنظيمي للحزب الحاكم. بل إن الأرياني نفسه يحاور الجفري، وهو نائب رئيس الجمهورية المجهضة في الجنوب عام 94م.
لعلي استخدم تعبير الارياني في المقابلة "يا سبحان الله!"، بن دغر وحدوي، والعطاس "انفصالي حتى العظم"، لماذا؟ الجواب، الذي يعرفه الارياني، هو أن العطاس قيمة تاريخية في اليمن، ولا يقبل أن يكون أمر عودته مرهونا بضمانة يضعها الارياني، وهو –يقينا- غير مقتنع بقدرته على الوفاء بها. كما أن هذا الطرح لا يبني موقفا سياسيا، لأن القيادات التي عادت، لم تتم معاملتها بلياقة تتناسب مع مواقعها الوطنية والرسمية. الدكتور ياسين سعيد نعمان، مثالا، وهو رئيس مجلس نواب سابق ورئيس وزراء سابق، هل تتم معاملته معنويا وماديا كأقرانه الشماليين، ومنهم الارياني نفسه؟ الجواب في جعبة الارياني، وهو لا يجرؤ على الإفصاح عنه.
أما مقارنة الارياني حنق وغضب الجنوب بحنق أهل إب، فهو يستطيع أن يقوم بحسبة بسيطة لعدد الوزراء من إب، وليقارنهم بوزراء الجنوب وتعز والحديدة! ثم أن الجنوب كان دولة تنازلت قياداتها عن كل سلطاتهم وثروات إقليمهم مقابل الوحدة، أليس من العدل والمنطق أن تعامل بصورة تمنحهم الشعور الحقيقي بالمشاركة في السلطة والثروة؟! أما الذين يدعي أنهم يمثلون الجنوب، وتقوم السلطة بمحاولات بائسة لرفع قيمتهم داخل أقاليمهم، فهو يدرك أن السلطة متشبثة بهم لأنهم طيعون ولا يهمهم سوى جمع المزيد من الأموال والأراضي، وتثبيت مواقعهم وأبنائهم.
أما زلة لسانه بوصم المعارضة في الخارج، بـ"النباح"، فلا أدري كيف يشعر الآن بعد أن استمع للمقابلة، وهل أسف لهذا اللفظ الخارج عن أصول اللياقة، ولا يستخدمه إلا قلة في السلطة!! هؤلاء (المعارضة في الخارج) هم أبناء اليمن، ولهم الحق في اختيار موطن إقامتهم كما يتراءى لهم. وليس من حق الارياني أو غيره أن يلقي عليهم المحاضرات في الوطنية والشرف والنزاهة، وكان حريا به أن يتحدث عن الفساد الذي تسبب في الفقر الذي يهدد به المملكة العربية السعودية.
عبدالكريم الارياني، العالم والسياسي والقاضي والانسان، لا بد وأنه يعلم أن الفساد هو مشكلة اليمن الأولى والأخيرة، وأن الفقر هو سمة تلازمت معه. فهل نسي أن اليمن بها مسجد تستطيع أن تضع صورته في طوابع البريد، وإلى جواره يقع مستشفى يئن مرضاه لعدم توفر الدواء والعناية الطبية؟! هل سبب ذلك هو الفقر؟ أم سببه الفساد!
بشأن صعدة، كان حديث الارياني واضحا منه عدم معرفته بما يدور، وقد حاول أن يخفي مرارته من الإهانة التي وجهت إليه بإجباره على التوقيع مع هبرة في الدوحة، وهو الاتفاق الذي وصفه مسؤول كبير في الدولة بأنه "مُذلّ"، محملا الارياني مسؤوليته، رغم أن الأخير ما كان ليجرؤ على التوقيع قبل حصوله على موافقة الرئيس على كل حرف فيه.
لقد كان الكل يتوقع أن يخرج الارياني بكلمة حق، أو أن يصمت؛ لكنه فضل الحديث والدفاع عن السلطة، التي لم يعد بإمكانه أن يتبرأ من أفعالها وسياساتها المعلنة والمخفية.