أقزام جبابرة!!

أقزام جبابرة!! - سكينة حسن زيد

جاءت جارتنا التي تأتي من حين لآخر للزيارة، أو المساعدة في أعمال المنزل (تبادل خدمات بيننا وبينها). تعيش ظروفا قاسية: زوج لا يعمل، وبيت إيجار، وأطفال لا تنتهي طلباتهم. تتكفل هي بتحمل كل هذه الظروف، وتكيف نفسها على العمل في أكثر من مكان: مشرفة على الأولاد في باص مدرسة خاصة، تساعد الجيران في أعمال المنزل من حين آخر، وهكذا.
وتراها دائماً على عجلة من أمرها كي لا تتأخر على زوجها الذي ينتظر "حق القات". والحقيقة أنها ليست وحدها التي أعرفها تعيش ظروفاً هكذا، أعرف العشرات ممن يعملن في البيوت والزوج ينتظر منها "حق القات" يومياً، وهي لا تجرؤ على التأخير أو التذمر، خوفاً من غضبه أو أن يطلقها أو... أو...
لكن الجديد الذي استفزني هو منظر جارتي هذه حين جاءت آخر مرة، كانت مضروبة!!
مضروبة ضرباً مبرحاً تسبب في إجهاضها. كانت تبكي وتطلب من الجميع المسامحة!!!
تطلب المسامحة، خوفاً من أن يأتيها الموت ويسألها الله عما فعلته بنا!!
ترى ماذا عساها قد فعلت؟!!
السؤال معكوس: كيف سيسألنا الله عنها إن هي ماتت، بل إن هي عاشت ثم ماتت مظلومة أمام أعين المجتمع الذي ألف الظلم، وأصبح جزءاً من ثقافته؟!!
لا نستنكر إلا ما يهمنا من الرذائل، بعضنا يستنكر "الحرية في المجتمع"، البعض الآخر يستنكر "تقييد الحريات".
نرفع أصواتنا عالياً أمام ظلم السلطة الذي أجده أكثر عدلاً من ظلم بعضنا لبعض، السلطة تظلم من يعارضها، أو من تعتقد أنه خطر على قوتها وتماسكها وهيبتها. أما هؤلاء الأقزام فيظلمون نساءهم لمجرد أنه لا يوجد من يدافع عنهن، لمجرد أنه يستطيع أن يفعل ما يشاء دون مساءلة من القانون ولا من المجتمع.
سألت نفسي: ألا يغضب الله لهؤلاء المستضعفات من النساء والأطفال؟
كيف نستطيع أن نناصر هؤلاء النسوة؟
كيف نجيب إن سألنا الله عن منكر لم نغيره؟
أحسست أنها منطقة شائكة ووعرة أكثر خطورة من نقد للحكومة أو الرئيس؛ إنه المجتمع الذي ماتت فيه النخوة واختلت الموازين: رجال عاطلون ومجتمع مدمن على القات وبشر تعودوا على التغاضي عن العيب هرباً من تحمل المسؤولية، وعلقوا كل المصائب على حكومة فاشلة، وسلطة لم تنجح في شيء، ونسوا أنه: "كما تكونوا يولى عليكم".
وقلت لنفسي: لو أن العدل رجلاً فقد رحل من بلادي ولا أدري متى يعود.