ماذا يحتاج "الرئيس" الآن؟

ماذا يحتاج "الرئيس" الآن؟ - ماجد المذحجي

وصل الشأن الانتخابي اليمني، والسياسي بالضرورة، إلى نقطة حرجة، أو ما يُمكن وصفه ب "تعادل قوى"، حيث استنفد "الخصمان" الخيارات في مواجهة بعض لإجبار كل طرف على التنازل أكثر لصالحه. المؤتمر رفع السقف حتى الحد الأقصى، وقام بتشكيل "لجنة الانتخابات" منفردا،ً علاوة على القيام بتثبيت القانون القديم، متجاهلاً التعديلات (الهزيلة) التي تم الاتفاق عليها. "المشتركـ" استجاب لذلك، جمّد بالمقابل "الحياة السياسية"، والعلاقة مع المؤتمر، كما انسحب تماماً من العملية الانتخابية، بغض النظر عن الاسباب المختلفة للتفصيل الأخير، تاركاً "خصمه" يعمل منفرداً في مواجهة وضع يمني استثنائي وسيئ فعلاً، ومحاولاً، للمناكفة فقط، اعادة "إحياء" تحالفات قديمة مع أحزاب ميتة!
 إن ذلك وضع غير سوي بالنسبة للطرفين في المحصلة النهائية، ويحتاج إلى اختراق يكفل إنقاذه من الجمود الذي سيكون في استمراريته ثمن مكلف، وربما يشجع خيارات سياسية متطرفة لا يريد الجميع حتى الآن اتخاذها. بالضرورة في هكذا وضع يبدو "الرئيس" محل التعويل الأخير بالنسبة لكل الأطراف، مركزيته الشديدة في الحياة السياسية رهنت دوماً حل اللحظة الأخيرة بيده. حيث يمتلك القدرة على "القفز" بالجميع إلى المربع التالي دون أن يأبه للشروط "السياسية والقانونية!" التي تقيد الآخرين.
 يحتاج "الرئيس" بالتأكيد لأن تنفرج الحياة السياسية. حيث سيصبح إقدام "المؤتمر" على الدخول وحيداً في الانتخابات البرلمانية القادمة مُكلفاً للغاية وبشكل لا تتحمله طبيعة الأوضاع الآن. وهو لن يحبذ أن يضطر (المؤتمر) للتعامل وحده مع احتقان واسع، بالمعنى السياسي والاجتماعي والنفسي والأمني، في الجنوب، وآثار عميقة خلفتها حرب صعدة على المستوى الاجتماعي والمذهبي، إضافة لتبرم عام وواسع بسبب تدهور الأوضاع المعيشية على كافة الأصعدة. كل ذلك، علاوة على قوى ومصالح دولية لن تستيغ هذا الانفراد "المؤتمري"، حتى ولو كانت قد وجهت اللوم لـ"المشتركـ" سابقاً بخصوص ما صار إليه الشأن الانتخابي أخيراً.
إنها أوضاع معقدة فعلاً، والانتخابات تحتاج إلى أرضية سياسية أكثر استقراراً، ولا يستطيع "المؤتمر" تسويتها لوحده أو المغامرة بتحمل كلفة مواجهة كل ذلك منفرداً. ولذلك يحتاج "الرئيس" أن يمنح فرصة لحزبه للإفلات من هذه الزاوية، و"المشتركـ" أيضاً بالتأكيد، ويحرر اللحظة السياسية اليمنية من هذا الاحتدام الذي أدى بها إلى الجمود، وإشراك "المشتركـ" في تسوية الأرضية الانتخابية، بما يكفل تقاسمه، مع المؤتمر، كلفة التعامل مع أوضاع ساخنة. إنها ضرورات السياسة، كما يدركها بالتأكيد شخص خبرها جيداً مثل "الرئيس". لكن لتحقيق خطوات كهذه فهو يدرك أيضاً ضرورة دفع ثمن معقول للنجاح في إنجازها: توفير مناخ مُناهض للاحتقان، وإحداث انفراج سياسي على كل الأصعدة. يقع في مقدمة ذلك إطلاق المعتقلين دون استثناءات، وإلغاء المناخ الأمني المسيطر على الجنوب، ومعالجة تداعيات حرب صعدة وأسبابها. إنه ثمن ضروري يجب دفعه، خصوصاً بعد أن خسر فرصة شق "المشتركـ"، التي كانت مواتية أخيراً، وكسب الإصلاح منفرداً بالانتخابات.
لا يحبذ "الرئيس"، عادة، الوصول بالمواجهات السياسية إلى هكذا مستوى، ويطمئن دوماً إلى المراهنة الأخيرة عليه ليفرض الشروط على الجميع. إنها ورقته الرابحة التي يبدو أن الظروف الراهنة لا توفر لها أسباب النجاح كثيراً، أي القدرة على فروض شروطه، بسبب ممانعات لا يتحكم بها "المشتركـ" فقط، بل بيئة سياسية عامة تجبر الأخير على التمسك بها خشية الفشل السياسي وانفراط عقده.
لقد أوصلت السياسات الأمنية والاعتقالات الجميع إلى موقف صعب، وتسمم المناخ العام، وأصبح المعتقلون عبئاً على السلطة ذاتها في مواجهة الجميع: مطالب الأحزاب السياسية، والمجتمع، والمنظمات المدنية، والإطار الدولي. ويُمكن الآن بيسر استثمار الظرف الحالي واتخاذ مبرر الانفراج السياسي للتخلص من كل هذا العبء وإطلاق المعتقلين، وبما يكفل تحويل الأمر إلى مكسب سياسي لصالح "الرئيس" قد يُقابل لأجله بالامتنان أيضاً كونه وفر مخرجاً لائقاً للجميع!
maged