سأسافر إلى سوريا وأكلم "ملكها"!

سأسافر إلى سوريا وأكلم "ملكها"! - إلهام مانع

"أريد أن اساعد".
قالتها لي صغيرتي سلمى اليوم وبحدة. في الثامنة من عمرها، وتريد أن تساعد!
نظرت إليها وأنا أريد أن أحتضنها بأهداب عيني.
"أريد أن أساعد". هذه المرة قالتها بتصميم، كأنها تصر على إقناعي أنها "ليست صغيرة". وأردفتْ: "يمكنني أن اسافر إلى هناكـ". و"هناكـ" تعني تحديداً سوريا. وتسألني: "ألا يوجد ملك هناك في سوريا؟".
ابتسمت، وقلت: "لا. بل رئيس. لكن في بلداننا لا فرق بين الرئيس أو الملك؛ ففي النهاية من يحكم، يملك الأرض وما فوقها".
ردت بجدية: "حسناً، إذن سأسافر إلى سوريا، وأحدثه".
تحدثه عن ماذا؟ تسألون؟
تحدثه عن قادة إعلان دمشق للتغيير الوطني الديمقراطي الاثني عشر (أحد عشر رجلاً وامرأة) يقفون في قفص الاتهام بتهمة "النيل من هيبة الدولة، وإيقاظ النعرات العنصرية والمذهبية وإنشاء جمعية بقصد تغيير كيان الدولة وترويج الانباء الكاذبة". تهم خطيرة يعرف من دوًنها وخطًها في عريضة الاتهام أنها عارية من الصحة.
وصغيرتي تريد أن تسافر إلى "ملك سوريا"، تريد أن "تتحدث معه"، وتريد أن "تقنعه".
وأنا، التي أدخلتها في الموضوع دون قصد عند حديثي عن مقال قرأته للمحامية والناشطة الحقوقية السورية رزان زيتونه في صحيفة الجريدة الكويتية، والتي تتولى مهمة الدفاع عنهم أمام محكمة الجنايات، وجدت نفسي أندم لأني طرحت أمامها موضوعاً "كبيراً" كهذا؛ فالصغيرة انفعلت وأنا اقص عليها كيف قُبض على المجموعة، ومنها المفكر والسياسي والناشط المدني والمعلم، قبض عليها رغم إيمانها بأن التغيير لا يتم إلا سلميا دون عنف، وإصرارها على الديمقراطية والتعددية كوسيلة لذلك التغيير، ثم إعلانها دوما حسن نيتها بعقد جلساتها بشكل علني.. كل مرة.
ورغم ذلك زُج بها في السجون.
لكنها دول تخشى من يؤمنون بالشمس نبراساً في العمل. تخشى منهم كثيراً، ولذلك زج بالمجموعة فى السجون.
وندمتُ أكثر أني حدثتها عن طبيعة الحياة في السجون في بلداننا العربية، وما ينتظر السجين هناك من "مظاهر ترحيبـ".
وانتبهت إلى عينيها المتسعتين، والألم، ثم الغضب، ثم تلك العبارة تخرج من قلب الطفولة "أريد أن أساعد".
وتصمم "سأسافر إلى هناك وأكلم الملكـ".
ولأنها كانت جادة، سألتها أنا الأخرى جادة: "وماذا ستقولين له؟"
ردت: "سأقول له: هم يتحدثون، وليس من الضروري أن تفكر مثلهم، لكن دعهم يتحدثون".
والغريب أنها لم تفكر أن تطلب منه أن يطلق سراحهم. كأنها أدركت بطفولتها، أنه متى ما ترك لهم حرية الرأي، فإن الحرية بمعناها الواسع ستلحق حتماً.
هذا ما قالته لي ابنة الثامنة؛ تريد أن تساعد، تريد أن تسافر، إلى هناك، سوريا، وتريد أن تقابل الملك، "ملكـ" سوريا، تقول له: "دعهم يتحدثون. ليس من الضروري ان تشاركهم الرأي. لكن دعهم يتحدثون".
وأنا من بعدها أردد: "وحبذا لو أطلقت سراحهم قبل ذلك!"
[email protected]