بدلاً من سفره لفحص الإنزيمات.. أخذوه إلى المعتقل لتعطيل إنزيمات المقاومة لديه: المحامي يحيى غالب.. حتى في معتقله يبحث عن العدالة لغيره

بدلاً من سفره لفحص الإنزيمات.. أخذوه إلى المعتقل لتعطيل إنزيمات المقاومة لديه: المحامي يحيى غالب.. حتى في معتقله يبحث عن العدالة لغيره

* «صنعاء»: "بابا ما قال لي ان في ناس زِفْت من صنعاء با يشلوه بثياب النوم في الظلمة 
* ما هي حكاية الاعتقال الذي تم أمام أنظار نائب الرئيس؟
 
  شفيع محمد العبد

بينما كان المحامي يحيى غالب الشعيبي يستعد للسفر إلى القاهرة لإجراء تحاليل للإنزيمات -بحسب التقرير الطبي الذي حصل عليه آخر مرة سافر فيها للعلاج بتاريخ 4/9/2007 واشترط (التقرير) العودة بعد ستة شهور- قامت أجهزة السلطة الأمنية والعسكرية في ليلة 31 مارس الماضي بتطويق حي "السعادة" بخور مكسر بمحافظة عدن، ونشر الجنود في مداخل العمارات المجاورة لمنزله المحاصر بالأطقم العسكرية والسيارات وعسكر يرتدون بدلات الكوماندوز وغيرهم بلباس مدني. شرعوا في قرع باب المنزل بكل ما أوتوا من قوة دون مراعاة لمشاعر الآمنين، حيث ذهبوا لترويع الأطفال والنساء. لم ينتظروا حتى يفتح، الباب بل استخدموا إحدى سياراتهم (هايلوكس) لكسر باب المنزل. عندها خرج نحوهم بلباس النوم، فهجموا عليه هجمة رجل واحد وحشروه في سيارة (سوزوكي) إلى أحد السجون في عدن، والذي لم يمض فيه سوى قليل من الوقت، إذ كانت طائرة (عسكرية) في انتظاره لنقله مكبلاً بالأغلال إلى صنعاء، وليس منها إلى القاهرة للحاق بموعد الطبيب، وإنما إلى زنزانة تحت الأرض في سجن الأمن السياسي.
يعاني يحيى غالب من فيروس الكبد البائي المزمن. وقد سافر إلى القاهرة عدة مرات للعلاج، وأوصى التقرير الذي حصل عليه في زيارته الأخيرة بإجراء -إضافة إلى تحليل الأنزيمات- تحاليل "لفيروس بي" بعد سنة، أي بعد شهر ونصف من الآن. فهل سيمضي الموعد دون أن يتمكن من العودة للعلاج، كما مضى الموعد الأول؟ سؤال تكشف الإجابة عليه الطريقة التي يعامل بها داخل المعتقل.
***
تقول طفلته "صنعاء"، 8 سنوات، بلغة حزينة مغلفة بحنق شديد: "أحب صنعاء كما أحبها بابا، وأسماني باسمها، وكنت أشتي أزورها، بس بابا ما قال لي إن في ناس زِفْت من صنعاء با يشلوه بثياب النوم في الظلمة". وأضافت بلهجة ملؤها الحزن: "أنا أكرههم كثير". وفي ختام حديثها قالت: "قولوا لصنعاء تخرج بابا وتعيده إلينا".
***
سلام مني للرؤوس المقنفة         ذي ما يوطيها سوى رب العباد
الحزب علمنا أصول المعرفة     والصبر علمنا علي صالح عباد
 أبيات شعرية هي أجمل ما جادت به قريحة المحامي يحيى غالب الشعيبي، بحسب تأكيده ذات يوم في مقال صحفي نشرته الزميلة "الأيام". الأبيات تلك قالها عقب حرب صيف 94، إعجاباً وفخراً واعتزازاً عندما كان الحزب الاشتراكي اليمني، والذي هو عضو في لجنته المركزية وسكرتير للدائرة القانونية بمنظمة عدن. يلملم أوراقه ويرتب صفوفه ويستعيد عافيته بفضل رجال لم ينحنوا أو تلين لهم قناة.
اليوم يقبع المحامي يحيى في زنازين الأمن السياسي منذ ليلة 31 مارس بمعية رفاقه قادة الحراك السلمي الجنوبي (حسن باعوم، علي منصر، احمد عمر بن فريد، علي هيثم الغريب، وآخرين). ومازالت الجهات ذات العلاقة تتجاهل وبتعنت شديد قرار المحكمة الجزائية الذي أصدرته في 2/6 والقاضي بنقل المعتقلين على ذمة الحراك الجنوبي إلى السجن المركزي.
يتمتع المحامي الشعيبي بمعنويات مرتفعة وصبر قوي في معتقله، وكأنه أنشد أبياته تلك لتوه من داخل المعتقل الذي يعامل فيه بصورة لا تليق بإنسانيته ولا تحترم آدميته وتنتهك حقوقه كسجين. وأثناء عرضه على المحكمة الجزائية بمعية رفاقه (باعوم والغريب) ظهر صلباً متماسكاً، وكان قد وضع هيئة المحكمة والنيابة في زاوية ضيقة عندما طالبهم بنقله إلى سطح الأرض ومن ثم محاكمته.
يضيف نجله محمد، 18سنة، بثقة وإيمان مطلق بعدالة القضية التي يناضل والده من أجلها: "زرت والدي آخر مرة يوم السبت الماضي. وجدته أكثر صلابة، ومعنوياته تعانق هام السحابـ". يضيف: "المرض ينهش جسم والدي في ظل تجاهل لحالته".
***
يحيى غالب عضو نقابة المحامين بمحافظة الضالع، وعضو اتحاد المحامين العرب. مثّل حضورا قويا وفاعلا في الحراك السلمي الجنوبي منذ لحظات ميلاده الأولى، مناضلاً بالكلمة والقلم والقانون. وقد نذر نفسه للدفاع عن ضحايا الحراك ووكيلاً ومحامياً لأولياء دم الشهداء والجرحى؛ فهو وكيل ومحامٍ لأسر شهداء منصة الحبيلين (عبد الناصر حمادة، فهمي محمد، محمد نصر هيثم، شفيق هيثم)، وأيضاً وكيل ومحامٍ لأسرة شهيد التصالح والتسامح صالح ابوبكر اليافعي. كما كان محامي أبناء شهداء 13 يناير أثناء قيام السلطة بنبش المقابر في معسكر طارق لبناء مشروع تجاري خاص. وإزاء ذلك فقد كان هدفاً للسلطات، حيث تعرض للاعتقال مرات عديدة أولها في 27 نوفمبر 2006 بعد ترافعه عن منظمة الحزب الاشتراكي بعدن للدفاع عن مقر المنظمة بمنطقة القلوعة والذي تعرض للهدم بالكامل في إطار مسلسل استهداف الحزب واستجابة لأصوات مافيا الأراضي التي اجتاحت عدن ومحافظات الجنوب بعد حرب صيف 94. وقد تعرض وأسرته بسبب موقفه للتهديد بالتصفية الجسدية من أحد النافذين المدعومين من الأمن.
***
تعرض لهجمة إعلامية شرسة من قيادة محافظة عدن والحزب الحاكم فيها. وطالته تُهم لا أخلاقية وصلت حد التشكيك في مؤهلاته وعدم حصوله على عضوية نقابة المحامين، واتهامه بالمتاجرة بدماء الأبرياء... ذلك لم يثنه عن مواقفه وقضيته التي يناضل من أجلها والتي هي قضية شعب يريد استعادة حقوقه المنهوبة.
 ***
ومن المرات التي اعتقل فيها صبيحة 2 أغسطس 2007، وقبل بدء الاعتصام السلمي الذي دعا إليه مجلس التنسيق الأعلى لجمعيات المتقاعدين العسكريين والأمنيين والمدنيين، تعرض للاعتقال مع رفيقه شلال علي شائع. وقد تحدث مدير أمن عدن، عبد الله قيران، مع يحيى غالب  وشلال علي شائع عبر هاتف قائد الحملة العسكرية بخورمكسر، وطلب منهما الحضور إلى مكتبه. وعند وصولهما إلى المعسكر وجدا مدير الأمن وبجواره نائب رئيس الجمهورية عبد ربه منصور هادي، فقام الجنود مباشرة بإيداعه هو وشلال بالقوة في الزنزانة.
***
 لم يكن النضال غريباً ولا مستغرباً على شخص مثل يحيى غالب؛ فقد جاء من أسرة عشقت النضال ورفضت الظلم والقهر وضياع الحقوق، وربت أبناءها على ذلك. فوالده المرحوم غالب احمد، سُجن كرهينة في شبابه لدى السلطات الاستعمارية في سجن لحج، كما شارك في معركة التصدي لقوات الاحتلال البريطاني في الشعيب عام 1950، وساهم مع رفاقه في المعركة بإسقاط طائرة حربية في جبل العوابل – الشعيب. ثم لجأ وأسرته مع الشيخ السقلدي شيخ الشعيب إلى مريس في "الشمالـ". وكانت والدته من قيادات التنظيم السري النسوي للجبهة القومية في الشعيب أثناء الكفاح المسلح ضد الاستعمار، وهي حاصلة على ميدالية مناضلي حرب التحرير. وشقيقه الأكبر (محمد) لا يخفى على أحد.
يحيى غالب احمد السقلدي
 - من مواليد قرية "بخالـ" بمديرية الشعيب في محافظة الضالع، عام 1965.
- متزوج و أب ل: محمد 18 سنة، هائلة 14سنة، خالد 12 سنة، صنعاء 8 سنوات، اديس 3 سنوات.
- درس الابتدائية في الشعيب. وتخرج في ثانوية التواهي بعدن، يوليو 84.
- بعد إكماله دراسته الثانوية التحق مباشرة بالأمن كجندي. وفي الفترة نفسها التحق بكلية الحقوق في جامعة عدن، حيث تخرج فيها عام 91/ 92، وحصل على البكالوريوس.
- بعد الوحدة عمل في الأمن السياسي بصنعاء وحجة.
- آخر رتبة عسكرية في الأمن "ملازم أولـ".
- أحيل إلى التقاعد الإجباري عام 2002.
Hide Mail