د. سعودي علي عبيد يتحدث عن " اختلال ميزان العدالة لـ«علوني» في مدريد و«الحيدري» وزملائه في جعار

د. سعودي علي عبيد يتحدث عن " اختلال ميزان العدالة لـ«علوني» في مدريد و«الحيدري» وزملائه في جعار

منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001م، صار العالم بمجمله يعيش حالة من عدم الاتزان والتوازن وفقدان التفكير السوي، أي أنه صار في حالة ذعر دائم، ونحن لا نحتاج إلى جهد استثنائي لكي نكتشف سبب ذلك، بل إن الأمر يكمن بالضبط وفقط، في أن الذي وقع عليه الجرم في ذلك التاريخ المذكور، هي اقوى دولة عسكرية واقتصادية في العالم، وهي القوة التي حققت الانتصار في معركة الحرب الباردة، واصبحت القطب الاوحد الذي يتحكم في هذا العالم، إنها الولايات المتحدة الامريكية، ولكن هل يمكن ان تكون ردة الفعل كما حدثت، وكما هي عليه حتىاللحظة، لو كان شعب او مجتمع او بلد آخر، هو من استهدف في صباح ذلك اليوم من سبتمبر 2001م؟! بالطبع لا، والتاريخ مليء بالشواهد.
لقد تجلت حالة عدم الاتزان وفقدان التفكير السوي على النحو الآتي:
1- لقد تم الخلط -بتعمد مفرط- بين الارهاب ونضال الشعوب من اجل حريتها.. والأمثلة عديدة، فصار الفلسطيني ارهابياً والاسرائيلي مدافعاً عن حياته وأمنه، مع ان الاخير محتل ومغتصب.
2- كانت ردة الفعل التي نفذتها أمريكا علىالهجمات التي تعرضت لها في سبتمبر 2001م، فوق المتوقع بكثير، هذا اذا افترضنا انها كانت تملك حق رد فعل مباشر.. فقد سمحت لنفسها معاقبة نظام طالبان (أفغانستان) وتغيير نظامها السياسي بالقوة، مع مقتنا لذلك النظام. كما ذهبت امريكا بعيداً حين قررت بمفردها إسقاط نظام العراق بالقوة ايضاً، وبذرائع ثبت عدم مصداقيتها كلياً. وفي حالة العراق فقد وقف حينها العالم اجمع في ناحية وامريكا بمفردها في الناحية الثانية وكان لامريكا ما ارادت.
3- ولأنها القوة الأعظم في العالم، فقد وظفت امريكا امكانات هيئة الامم المتحدة ومنظماتها المختلفة لتقف خلفها صفاً واحداً، «لمحاربة» الارهاب وفقاً للمفهوم الامريكي. وبذلك تم اعطاء تعريف قاصر للإرهاب، وحددت الجهة المصدرة له، وتم إعلان قوائم بالمنظمات والمؤسسات والهيئات والجمعيات والأشخاص.. واتخذت قرارات مجلس الأمن غير قابلة للمناقشة أو النقض.
4- لقد تأثرت الحريات بانواعها وكذا حقوق الانسان، بفعل مجموعة القرارات والاعمال والاجراءات ا لتي تم اتخاذها على اعتبار أنها اجراءات ستفضي إلى القضاء على الارهاب او الحد منه. وقد تم فعل ذلك اولاً في تلك البلدان التي تتباهى وتتماهى بالدفاع عن الحريات وحقوق الانسان، وهي الولايات المتحدة والبلدان الغربية. اما الانظمة السياسية الاستبدادية، فإن الامر بالنسبة لها صار بمثابة منحة او هدية، فكانت فرصتها التي لا تعوَّض للانقضاض على ما تبقى من حريات وحقوق الانسان في مجتمعاتها، هذا اذا افترضنا ان هناك شيئاً من هذا القبيل.. وبسبب ذلك سقط الكثيرون تحت اقدام العدالة الغائبة. وما تيسير علوني في مدريد، واحمد عبدالرحمن الحيدري وزملاؤه في اليمن سوى نماذج، بغض النظر عن تباعد البلدين واختلاف النظامين السياسيين.
وبعد احتجاز دام سنوات، تمت محاكمة مراسل قناة الجزيرة الفضائية الإعلامي تيسير علوني (سوري الأصل، اسباني الجنسية) وقد حكم عليه القضاء الاسباني بالسجن سبع سنوات، وغرامة مالية، والتهمة هي علاقته بالارهاب بشكل عام، وتنظيم القاعدة بشكل خاص. مع ان القضاء برأه من تهمة العلاقة المباشرة بالقاعدة، إلا أنه ادانه بالتعاون معها. وكانت المستمسك الوحيد ضده، هي المقابلة الصحفية التي أجراها مع اسامة بن لادن، مع ان الدلائل المادية على ذلك التعاون غير متوافرة. ولأن تيسير علوني من اصل عربي، ومسلم الديانة، ولأن قناة الجزيرة كان لها دور متميز في تغطية الحرب على أفغانستان والعراق فيما بعد، ولأن «الجزيرة» ايضاً قناة عربية، ولأن الارهاب تم تصنيفه غربياً وامريكياً، باعتباره ذا منبع عربي واسلامي؛ فقد كان الحكم على تيسير علوني مرتكزاً على هذه الاسس كلها؛ ولذلك صنف الحكم من قبل المراقبين على انه حكماً تأديبياً وسياسيا، وليس قانونياً.
أما في حالة احمد عبدالرحمن الحيدري وزملائه، فالمشكلة معقدة؛ والسبب أنهم في «اليمن» ولأنهم أيضاً من «الجنوب» حيث المواطنة الناقصة، إن لم تكن معدومة.
وحكاية هؤلاء الشباب مثل غيرهم من اولئك الذين انخرطوا في جماعات الاسلام السياسي (مجاهدو افغانستان، وجيش عدن- ابين، وجماعات الجهاد، وغيرها من تلك الجماعات)، وكلها صنيعة «نظام صنعاء» قبل الوحدة وبعدها. إلا أن السحر انقلب على الساحر، وهذه قصة معروفة لكل متابع. فأرادت السلطة مرة اخرى ان تعيد «العفريت» الى قمقمه، فاخترعت روبوتاً بشرياً يدعى «الهتار» لغسل ادمغة هؤلاء الشباب. وقد حققت السلطة هدفها المتمثل في تخلي هؤلاء الشباب عن مقاومتهم لسلطة النظام الحالي. ولا يهمنا كيف تم الامر، المهم ان هؤلاء الشباب اختاروا طريق السلام او السلامة، وبدأوا التصالح مع مجتمعهم. إلا أن السلطة نفسها لم تتركهم لحال سبيلهم، فأعادت اعتقالهم، وطبعاً بتهمة واهية لا علاقة لهم بها، وملخصها ان بعض من شاركوا في تنفيذ بعض العمليات العسكرية في العراق، ثبت ان لهم علاقة بجيش عدن- ابين.
وطبعاً تم التحقيق مع الحيدري وزملائه وتم تصويرهم بأوضاع مختلفة، (يقال ان محققين امريكيين قد اشتركوا في تنفيذ تلك التحقيقات). وحتى الآن لم يطلق سراحهم، ومازالوا في سجن «البحرين» بجعار، ولم توجه لهم أي تهمة، وتم التحقيق معهم بدون وجود محامين، وكلها اجراءات غير دستورية، وغير قانونية.
إنها لجريمة كبرى أن تداس كرامة الإنسان على هذا النحو المقيت؛ ولكنها الحرب ضد الإرهاب والولاء لأمريكا من قبل ومن بعد.