الوجه الآخر لحرب صعدة

الوجه الآخر لحرب صعدة

* مصادر تتهم الهلال الأحمر بمحاباة الحكومة والتمييز بين المدنيين
* مئات الأسر نزحت إلى العراء والحرب تدفع أطفال صعدة إلى حافة الجنون
* مدير  صحة صعدة: الإجراءات الأمنية منعتنا من مساعدة ضحايا الحرب من المدنيين فرق «أطباء بلا حدود» غادرت صعدة بسبب إعاقة حركتها
 

 أعد الملف: بشير السيد
balsaeed
فيما الحرب تستعر في صعدة، واصلة إلى مناطق جديدة، تتعالى التحذيرات من خطورة الأوضاع الإنسانية هناك.
وفي الأسبوع الماضي انسحبت الفرق التابعة لمنظمة «أطباء بلا حدود» من عدة مراكز في صعدة، جراء عدم تمكنها من الوصول إلى المدنيين من ضحايا الحرب، خصوصاً أولئك الذين يسقطون في المناطق التي لا تسيطر عليها الحكومة.
الأوضاع كارثية في صعدة، والأطفال والنساء هم أبرز ضحايا الحرب الداخلية في جولتها الخامسة. وهؤلاء هم الأقل قدرة على الوصول إلى مراكز الإغاثة. وفي حين يضخ طرفا القتال عشرات البيانات حول انتصارات مزعومة، لايكاد أحد يلتفت إلى الكلفة الإنسانية الباهظة التي يدفعها سكان صعدة، بمختلف شرائحهم الاجتماعية والعمرية. حتى إن بعض العاملين في منظمات إغاثة دولية تساءل عن دلالات تدني حساسية اليمنيين، وبخاصة المنظمات الحقوقية والصحافة، حيال المأساة الانسانية في صعدة.
في هذا الملف الموحش، تقدم «النداء» رواية أخرى لحروب الجنرالات والأمراء، وصوراً لا يُراد لها أن تصل إلى الرأي العام، تلخص الوضع الإنساني في صعدة، الوضع الذي تمت إزاحته إلى الظل لكي لا يشوِّش على قداسة الحرب ونبل مقاصدها!
 
 

***
 

 قال إن فرق «أطباء بلا حدود» غادرت صعدة بسبب إعاقة حركتها
عمر مجلي مدير مكتب الصحة في صعدة:
الإجراءات الأمنية منعتنا من مساعدة ضحايا الحرب من المدنيين

 
 

في هذا اللقاء يعرض عمر مجلي مدير مكتب الصحة في محافظة صعدة صورة مأساوية عن الأوضاع الإنسانية، موضحاً أن عجز الجهات المختصة وفرق الغوث التابعة لمنظمات محلية ودولية عن الوصول إلى الضحايا سببه عدم مراعاة القانون الإنساني من قبل أطراف الحرب.
 
 
* في ظل تجدد المواجهات المسلحة في محافظة صعدة بين الجيش والحوثيين منذ شهرين تقريباً. ماهو دور مكتب الصحة؟
- يفترض أن يشمل دورنا في أيام الحرب والنزاعات، تقديم الاسعافات الأولية للضحايا ونقل المصابين والجرحى من ساحة القتال، من كلا الطرفين دون تمييز، وأسعافهم، واستيعاب النازحين. كل هذا هو من مسؤولية مكتب الصحة بالمحافظة، والمنظمات المحلية والدولية المتواجدة في صعدة، لتقديم المساعدات. ولكن لا يسمح لنا بأداء واجبنا.
* لماذا؟
- لسبب واحد: عدم احترام مهام القطاع الصحي من قبل طرفي النزاع. لدينا كل الإمكانيات للقيام بهذا الدور: سيارات الإسعاف، فرق الغوث الميدانية، الأطباء الجراحون، الأدوية، الشعور بالمسؤولية تجاه ضحايا الحرب، لكن لا يُسمح لنا بدخول مناطق النزاع، ونقل وأسعاف المصابين والجرحى، وهو عمل أنساني.
* من الذي لا يسمح لفرقكم دخول مناطق النزاع؟
- لا أقصد «المنع» ولا أستطيع أن أحدد الطرف المعيق لعملنا. معروف في العالم أن فرق الغوث الطبية وسيارات الاسعاف عملها إنساني وتقوم بمهمتها الإنسانية أثناء الحروب دون أن تتعرض للأذى. ولكن ما يحدث في صعدة مختلف. على سبيل المثال تتوجه سيارة الإسعاف وفرق الغوث الطبية قاصدة مناطق القتال لأداء مهمتهم، لكنهم تصطدمو بنقاط أمنية في أطراف هذه المناطق. القائمون على هذه النقاط يقومون بتحذير الفريق من أن حياتهم معرضة للخطر، وأن الحوثيين سيعتبرون سيارة الأسعاف تابعة للدولة ويستهدفونها، ويقولو للفريق نحن لسنا مسؤولين إذا تعرضتم لأي مكروه.
* هل سبق أن تعرضت فرق الغوث لإستهداف؟
- لم يسبق أن تعرض فريق لآي اعتداء، لسبب واحد هو أنه طيلة المواجهات بين الجيش والحوثيين، منذ أربع سنوات، لم يُسمح لفرقنا دخول مناطق النزاع، ولم نسجل حتى الآن حالة واحدة قمنا بإسعافها من ميدان المعركة. المشكلة هي أن كل الجهات لا يحترمون رسالتنا الإنسانية، ولا يعترفون بأهمية دورنا في هذه الظروف.
* المناطق التي يسيطر الجيش عليها، هل تزاولون فيها مهامكم دون تعقيدات؟
- حركتنا غير مقيدة في المناطق الخالية من المواجهات. نحن نعرف المناطق المطلوب تواجدنا فيها، وهي ساحات المواجهات، حيث الضحايا من المقاتلين أو المدنيين الذين يحتاجون مساعدتنا. فرقنا لا تستطيع دخولها ويقولون لها المنطقة مغلقة أمنياً.
* هل تواصلتم مع الحوثيين للحصول على تطمينات بعدم استهدافكم؟
- لم نستطع التواصل مع الحوثيين. لكن المسألة كلها شكوك وعدم احترام دورنا الإنساني. نحن في مكتب الصحة والمنظات الدولية المحلية العاملة في صعدة: اللجنة الدولية للصليب الأحمر، جمعية الهلال الأحمر، منظمة أطباء بلا حدود، ومنظمة أطباء العالم، سبق أن قمنا بالتنسيق مع الجهات الأمنية والعسكرية بخصوص تسهيل مهام فرق الغوث وتحركاتهم مع سيارة الإسعاف، لكن في أقرب منطقة أمنية نواجه بنفس الكلام . يجب أن يعرفوا أن هذه الفرق وسيارة الإسعاف لا تحمل أسلحة ومتفجرات حتى يخافون منهما. هي تحمل رسالة إنسانية لمساعدة الضحايا: أدوية خاصة بالإسعافات الأولية وضمادات..الخ.
* قد تكون حياة الفرق فعلاً معرضة للخطر؟
- نحن نعرف وكل من يعمل في الجانب الإنساني في مناطق النزاعات أن حياته معرضة للخطر لكن هذا الخطر ليس عمداً. لدينا تجربة سابقة في الحرب الأولى. كان جماعة الحوثيين يتمركزون في «مران» وأبلغنا أحد موظفي المركز الطبي هناك أن المركز يعاني من نقص في الأدوية. تعاملنا مع الموضوع من زاوية إنسانية وتواصلت مع قيادة المحافظة والجيش وتمت الموافقة وقمنا بأرسال شحنة أدوية من «حيدان» إلى المركز الصحي في مران. في هذه الظروف يجب أن نتعامل بمعيار الإنسانية وننسى السياسة. كلنا يمنيون.
* هل حاولتم إزالة العراقيل التي تحول دون تحقيق رسالتكم؟
- نعم، لأكثر من مرة نناقش وزارة الصحة حول ضرورة إزالة هذه العراقيل، ونبلغها اعتراضنا نحن في مكتب الصحة، واللجنة الدولية للصليب الأحمر وأطباء بلا حدود وأطباء العالم، ونطالبها بالتواصل مع الأطراف المعنية لتسهيل مهمة فرق الغوث الطبية وتحركاتها، واقترحنا تنسيق تحركات فرقنا مع الفرق الصحية العسكرية الموجودة في ساحات المواجهات. للأسف الجهات المعنية لم تستفد من الحروب السابقة، والمفروض أن يصل الجميع إلى قناعة هو تسهيل تحركات فرق الغوث الطبية وضرورة وصولها إلى كافة المناطق ويجب أن تتحرك سيارة الاسعاف بثقة، وأدعو الجهات المختصة الرسمية والأمنية دعم هذه الفرق وتسهيل تحركاتها للوصول إلى المتضررين.
* في ظل هذا الحصار ماهو المتاح أمامكم؟
- أولاً نحن غير راضين عن هذا الوضع. لا يمكن أن نتعامى عن المأساة الإنسانية الناجمة عن الحرب. كيف يمكن أن نتجاوز ضمائرنا ونحن نعرف أن هناك جرحى وهناك مصابين وهناك جثث وهناك صرخات استغاثة من أطفال ونساء وكبار السن ينتظرون من يساعدهم ونحن بإمكاننا مساعدتهم ولكن حركتنا مغلولة لا نستطيع التغاضي وهناك جروح وأنات. حالياً نضطر لنصب خيمة بالقرب من مناطق القتال وتجهيزها بغرفة عمليات أولية ونبرز شعار الفريق الطبي، ونقول أننا خدمات طبية.
* ماذا عن الوضع الصحي في المحافظة، إلى أي مدى تأثر في المواجهات؟
- نحن على أتم الاستعداد لاستقبال الحالات المرضية لكن المشكلة في المديريات البعيدة عن مركز المحافظة. هذه المراكز لم تكن مجهزة بما يكفي لاستقبال هذا الكم الهائل من النازحين وهي تعاني من ضغط كبير عليها. وأحد أسباب المشكلة أن هذه المراكز تعرضت لهجوم من الحوثيين في الحروب الأولى ما أثرَّ على فاعليتها.
* ماذا عن الوضع الصحي داخل مخيمات النازحين؟
- مخيمات النازحين قريبة من مركز المحافظة، حيث تتوفر المستشفيات والمركز الصحي وهي مجهزة لاستقبال الحالات المرضية وقمنا بتجهيز عيادات داخل المخيمات، وأيضاً وفرنا عيادة متنقلة داخل المخيمات ونقوم بإجراء الفحوصات وتقديم الأدوية، وقمنا بتشخيص العديد من الأمراض بين الأسر النازحة. وأثمنِّ هنا المجهود المبذول من قبل أصدقائنا في المنظمات الدولية والمحلية.
* هل لديكم مؤشرات أو مخاوف من إنتشار أوبئة وسط النازحين؟
- من خلال الفحوصات أتضح وجود أمراض محدودة مثل إلتهاب الجهاز التنفسي والإسهال وأمراض الجلد، بسبب الازدحام داخل المخيمات، وأمراض الجهاز الهضمي وسوء التغذية، وخصوصاً لدى الأطفال، بسبب شحة المواد الغذائية، وطالبنا وزارة الصحة بتكثيف جهودها لتوفير هذه المواد من الحكومة والمنظمات الموجودة في صعدة لتخفيف معاناة الضحايا.
* ماهو العدد التقريبي للنازحين وكم عدد المخيمات؟
- بحدود علمي يوجد خمسة مخيمات تنتشر في مدينة صعدة. لكن لا يوجد رقم محدد أو إحصائية ثابتة لعدد النازحين.
* ما مدى جاهزية مكتب الصحة لاستقبال ضحايا الحرب؟
- نحن في جاهزية عالية. كما قلت لك مهمتنا الأساسية في هذه الظروف معرقلة. وفرنا 8 سيارات أسعاف وعدد من فرق الغوث الطبي وأطباء جراحين وأدوية لكن تم تعطيل عملنا.
* علمت الصحيفة أن منظمة أطباء بلا حدود سحبت فريقها من صعدة، لماذا؟
- أطباء بلا حدود مثلنا، لم يستطيعوا أداء مهمتهم في مناطق النزاع بسبب تشديد الإجراءات الأمنية خلال الشهرين الماضيين تقريباً ما عرقل حركة فريق أطباء بلا حدود، بالإضافة إلى توقف وصول الإمدادات، وهو ما جعلهم يغادرون صعدة.
* هل تواجهون نقصاً في الأدوية؟
- بعضها فقط.
* هل توجد لديكم معلومات عن الطريقة التي تعتمدها جماعة الحوثيين في أسعاف مصابيهم.
- لا.
 

***
 
 

الحرب تدفع أطفال صعدة إلى حافة الجنون
 

في صعدة لا تقتصر حاجة الضحايا على توفير الطعام والمأوى وتضميد الجراح فقط. فالمئات منهم أصبحوا منطوين على أنفسهم، أو صاموا عن الكلام، أو فقدوا القدرة على النوم، وبعضهم تزوره نوبات هلوسة وهذيان.
 أربع سنوات من القتال والقتل والتدمير، كانت كفيلة بتحويل المقاتلين إلى كائنات منزوعة الاحساس والعواطف. ولكن أيضاً بدفع 92٪_ من أطفال ومراهقي أبناء صعدة إلى حافة الجنون.
إلى أعمال العنف والنزوح القسري وفقدان الأهل والأحبه. تُخلِّف الحروب صدمات نفسية عميقة أضرارها أبلغ من الإيذاء الجسدي وأمدها أطول وآثارها يصعب التخلص منها.
في مسح ميداني حديث حول الوضع النفسي لأطفال ومراهقي أبناء صعدة نفذتها الجمعية الطبية الخيرية وهي منظمة غير حكومية ومولته منظمة الأمم المتحدة لرعاية الطفولة (اليونسيف) تبيًّن إن الاطفال والمراهقين في صعدة يعانون من صدمات نفسية نتيجة أستمرار المواجهات. وقال محفوظ الكدم المسؤول الاعلامي بالجمعية أن المسح ، الذي غطت مديريات صعدة ال15، خلص إلى أن أبناء مدينة صعدة بشكل خاص وكل أهالي المحافظة بشكل عام يعانون من مستويات عالية من أعراض الصدمة النفسية تمثلت بالكآبة، والقلق، ومشاكل سلوك عدواني فضلاً عن أعراض جسدية.
يدفع القصف المتواصل والقتل والأغتصاب وموت واحتجاز الأقارب، بالأشخاص الذين يصبح الشعور بالخوف من الموت جزءاً من حياتهم اليومية، إلى حافة الجنون.
لقد عايش معظم الذين شملهم المسح الاجتماعي النفسي أهوال الحرب وكانوا شهود على تدمير منازلهم ومنازل أصدقائهم وجيرانهم، ومنهم من فقد أحد أفراد أسرته (انظر الجدول).
 المؤكد أن الحرب الراهنة زادت من أعداد المصابين بالصدمة النفسية. علماً بأنه تم تنفيذه قبل تجدد القتال في صعدة. وفقاً لمحفوظ الكدم فإن المشروع الاجتماعي النفسي الذي نفذت الجمعية المرحلتين الأولي والثانية وهي المسح الميداني وتدريب70 شخصاً من أبناء المحافظة على كيفية التعامل مع الأشخاص الذين يعانون من مشاكل نفسية وهي المرحلة الثالثة.
 في الحروب والنزاعات المسلحة يكون أغلب الضحايا من الفئات الأكثر فقراً وضعفاً، وتحديداً من الاطفال واليافعين والنساء وكبار السن علاوة على المرضى. وتوكد دراسات في هذا الشأن أن ترك هؤلاء الضحايا من دون مساعدة يؤدي إلى إصابتهم باضطربات نفسية وجسدية واعاقات في النمو واخفاق في المستويات التعليمية والمهنية والاخلاقية، وإلى تدمير ماضي المصابين هؤلاء، و أيضاً تعريض مستقبلهم للضياع.

طبقاً للدليل الارشادي النفسي والاجتماعي بعد الكوارث، الصادر عن الجمعية الطبية الخيرية ومنظمة اليونسف، فإن تعرض الطفل لأحداث عنيفة مثل الحروب والنزاعات المسلحة ومشاهدة عمليات القتل والتعذيب والدمار أو وفاة أحد أحبائه من شأنه أن يؤدي إلى نمو مشاعر داخلية عميقة لدى الطفل وإنفعالات رهيبة مثل الرعب والخوف والقلق أو الحزن والاكتئاب والتوتر والغضب، وقد يقود ذلك إلى هروبه من المنزل ومن محيطة الاجتماعي.
 
 
***
 
 

مصادر مستقلة اتهمت الهلال الأحمر بمحاباة الحكومة، وقالت إنه لا يهتم بالمدنيين
قلق في برنامج الغذاء العالمي من احتمال عدم وصول المساعدات إلى السكان
 
 لا يوجد منتصر في صعدة.
 لكن مقاتلي الجيش والحوثيين أظهروا على مدى أربع سنوات من المواجهات المسلحة، مهارات قتالية عالية ضد المنازل وقاطنيها و مباني المحافظة.
منذ بدء القتال في 2004، ومديريات صعدة ال15 تعيش حالة عزاء متصل، واضطرت آلاف الأسر ترك منازلهم قسرياً نازحين إلى مآوي آمنة.
وفقاً لتقديرات فرق الغوث الإنسانية وصل عدد النازحين في صعدة إلى 100 ألف شخص تقريباً أواخر ابريل الفائت. منهم 7 ألف نازح توزعوا في خمسة مخيمات في مدينة صعدة وأطرافها.
حالياً وبعد مضي 8 أسابيع فقط من الجولة الخامسة للحرب، فقد بلغ عدد النازحين في المخيمات ذاتها قرابة 16 ألف شخص طبقا لمصادر موثوقة في جمعية الهلال الأحمر اليمني في صعدة.
 المصادر أفادت أن مخيمات النازحين تشهد منذ الأسبوع الأول من مايو تدافع أعداد كبيرة من الأسر الهاربة من جحيم المعارك، وقالت إن غالبية تلك الأسر من مديريات حيدان، ساقين، سحار، وأن فرق الغوث من الصليب الدولي و الهلال الأحمر تعمل بشكل متواصل لتقديم المساعدات ومعالجة المرضى وتقديم العون لهم.
لكنها أشارت إلى أن المخيمات حالياً صارت تستوعب أكبر من طاقتها ما أدى إلى إزدحام كبير فيها.
المصادر أشارت إلى اعتزام المنظمات إقامة مخيم للنازحين في منطقة الملاحيظ، وقالت: كثير من الأسر النازحة لم تتمكن قبل تجدد المواجهات الأخيرة من العودة إلى منزالهم بسبب تدمير الحرب لها.
لقد أثبت المتقاتلين قدرتهم على قنص الأهداف حين لا تكون تابعة للخصم. والمحقق أن صعدة باتت أرضاً خصبة لتحفيز غريزة الشر.
وقالت مصادر متطابقة في فرق الغوث الإنسانية التابعة للمنظمات الدولية والمحلية إن سبب نزوح عشرات الآلاف ناجم عن سقوط قذائف وصواريخ الجيش على مناطقهم.
وأضافت إن غالبية مديريات صعدة تشهد شللاً كلياً في مظاهر الحياة. وأن الحرب دمرت العديد من المنازل والمزارع والأسواق، كما وتوقف التعليم في 90٪_ من مدارس المحافظة.
وأوضحت أن مديريات: حيدان، سحار، الصفراء، ساقين، كتاف، مجز، وضحيان، هي المديريات الأكثر تضرراً من المواجهات، ويمثل نازحوها 60٪_ من عدد النازحين تقريباً.
وتحاول المنظمات الإنسانية المحلية الدولية مواصلة تقديم خدماتها الإنسانية للضحايا، وغالبيتهم من النساء والأطفال. وكانت اللجنة الدولية للصليب الأحمر طالبت الشهر الماضي رفد ميزانية مكتب اليمن ب8 مليون فرنك سويسري، جراء تدهور الوضع الإنساني في صعدة.
 وعلمت «النداء» من مصدر في برنامج الغذاء العالمي الذي تعمل فرقه في صعدة لتوزيع المساعدات الغذائية. أن البرنامج أبلغ الحكومة مخاوفه من عدم قدرة على إيصال المواد حال استمرت المشاكل الأمنية في الطريق الرابط بين صنعاء وصعدة. وأضاف أن فرق البرنامج تقوم منذ 5 أيام بتوزيع معونات غذائية من مخازن البرنامج في صعدة، فيما ثلاث شاحنات محملة بالغذاء ترابط في الخط وتنتظر فض مشاكله لتمر إلى صعدة.
ووصل عدد النازحين المستفيدين من المساعدات الغذائية لبرنامج الغذاء العالمي قرابة 50 الف شخص وتشمل المساعدات: البر، زيت الطعام، البقوليات، السكر، البسكويت عالي الطاقة.
وتنفذ الجميعة الطبية الخيرية برنامج إغاثة منذ العام 2005، وتقوم بتقديم المساعدات الغذائية والطبية للضحايا في صعدة بالتنسيق مع منظمة الأمم المتحدة لرعاية الطفولة (اليونسيف) شملت مديريات كتاف، الصفراء، سحار، مجز، مدينة صعدة، حيدان، ساقين.
وطبقاً ل محمد عبدالعزيز الحميري رئيس الجمعية الطبية الخيرية، فإن الجمعية تعمل في ثلاثه محاور: التعليم المستمر، تخفيف المعاناة، والتدقيق الصحي. وقال لـ«النداء»: إن معاناة ضحايا المواجهات في صعدة هي من مسؤولية الجهات المعنية بالخدمات الإنسانية. موضحاً أن الخدمات المقدمة في صعدة غير كافية وتتطلب مزيداً من الجهد، والتنسيق مع المنظمات الدولية. من أجل تخفيف معاناة المتضررين.
إلى ذلك، انتقدت مصادر خاصة مهتمة بالأوضاع الانسانية في صعدة، أداء جمعية الهلال الأحمر اليمني، وقال إن الجمعية لا تبذل أي جهد لانقاذ الجرحى من المدنيين الذين يسقطون في مناطق يسيطر عليها الحوثيون واتهمت الجمعية بمحاباة الحكومة، عازية ذلك إلى عدم استقلالية المنظمة اليمنية التي نشأت في كنف الحكم منذ عقود.
 

***
 

قياس الجوع بالأساور
 
تقوم فرق الغوث الطبية في مخيمات النازحين بقياس محيط سواعد الأطفال دون الخامسة مرتين في الأسبوع، مستخدمة أساور كأداة قياس. وعندما يكون قياس محيط ساعد الطفل أقل من 110 ميليمتر، فهذا يعني أن الطفل يعاني من سوء تغذية حادة. أما اذا كان القياس من 110 إلى 124 ميلمتراً فإن الطفل يعاني من سوء تغذية معتدل.
خلال الشهور السبعة الماضية حافظ الرقم 110 مليمتر على صدارة الترتيب في صعدة.
 في مخيمات النازحين يزداد أعداد الاطفال المصابين بسوء التغذية يومياً. لقد دمرت الحرب منازلهم ومصدر دخل أسرهم (المزارع)، فارضة على المنطقة حصاراً شبه محكم أعاق وصول المواد الغذائية.
ومطلع أبريل الفائت شرعت جمعية الاصلاح الاجتماعية الخيرية بتقديم مساعدات غذائية للأطفال وأمهاتهم في مخيمات النازحين في إطار مشروع يستمر لعام واحد تموله منظمة الامم المتحدة لرعاية الطفولة (اليونيسف)، فضلاً عن التجمعات السكنية في عدد من المناطق منها: الظاهر، سحار، الصفراء. وكان محمد سالم مدير الجمعية أطلق تحذيرات جراء تزايد أعداد الأطفال المصابين بسوء التغذية في مخيمات النازحين.
 كثير من الأسر النازحة اضطرت إلى بيع بعض ممتلكاتها لشراء الطعام، حسب مصادر في فرق الغوث. وتشهد أسواق المحافظة نقصاً حاداً في السلع الغذائية. وفي بعض مناطق النزاع كحيدان ومران بلغ سعر كيس القمح قرابة 23 ألف ريال.
المشهد الإنساني قاتم في صعدة وفي حين تنغمس الحوثيون والحكومة في حرب مجنونة، زاخرة بالإدعاءات والبطولات الزائفة، يهيم سكان المحافظة في العتمة جراء انقطاع الكهرباء نهائياً منذ 5 أيام، وتفيد المصادر أن مادة الديزل لم تعد تصل إلى محطات التوليد الكهربائية، وأن كلفة الانتقال من منطقة إلى أخرى بلغت أرقاماً خيالية، مع تجاوز سعر دبة البنزين خط ال3 آلاف ريال.