العمل بنكهة الألم

العمل بنكهة الألم - منى صفوان

"النداء" والشقائق الأسبوع الماضي كانا على طاولة واحدة، يخبراننا المزيد عن نشاطهما المؤلم في جمع الآلام، لحوادث الاختفاء القسري، ليكون الملف الذي تفردت به "النداء"، مجسدا في منصة القاعة، متحولا من ورق وحبر إلى بشر يؤثرون بقوة في من حضر.
ما لا يمكن تجاهله هو وجود الشقائق و"النداء" معا، في وقت عندما نتحدث فيه عن الصحافة المهنية نتحدث عن "النداء", وعندما نتحدث عن النشاط الحقوقي نتحدث عن "الشقائق". النداء والشقائق رغما عنهما تخصصا في جمع الآلام.
لاشيء سار يمكن لنشاط حقوقي أو صحفي أن يوثقه، لذا فاجتماع الاثنين يحقق معادلة الطبيعة لجعل الفعالية بإنسانيتها مؤلمة حد البكاء. هما لا يقفان عند مهمة ذرف دموع الحاضرين بمهارة، بل سيستغلون ذلك لعمل جاد سيوظف كل تلك العاطفة التي انسكبت في الندوة، لتحقيق نصر قانوني للملف الذي وإن فتح بأوراق ناصرية إلا أنه أوراق بقصص أخرى لا تقل ألما.
لتقدم الصحيفة مرة أخرى تجربة تجدد بها طريقتها في التعامل مع القضايا الإنسانية، فلن تقتصر مهمتها عند مستوى النشر، فما بعد النشر يأتي العمل التكاملي مع متخصصين حقوقيين، كالشقائق الذي يتقن مهمة "مهنية العمل المدني الحقوقي".
مشروع النداء وإن بدأ كمشروع صحفي، أراد الابتعاد عن سلطة الحزب، ليكون حر نفسه، ليس عليه الاستمرار كذلك. وليس مشروع الشقائق تفرغ ناشطة، تحرص على إنصاف الحقوق، وإن جلب لها هذا النشاط المكانة الاجتماعية.
كلاهما قدما من ذات الإرث الحزبي، ولا يعد نجاح المشروعين مكسبا لهذا الإرث. المشروعان يقدمان نفسيهما لأكثر من جيل لاهث وراء المجتمع الذي نريد، كنموذج لهذا المجتمع.
وإن وجود صحافة حرة مهنية ومجتمع مدني فاعل ومنصف هو وجود لحلقة الوصل بين الحكومة والناس، وخدمة للطرفين. لذا ترفع "النداء" سقف الحرية الصحفية التي تدافع بها عن حرية الرأي في المجتمع، ترفعه بأدائها المتزن المثقل بالاحترام لنفسها أولا, ويساعد الشقائق الناس على اعتناق ثقافة الحقوق التي يمكن الحصول عليها بالمطالبة.
وحتى لا يتورط هذا الموضوع في دعاية غير مدفوعة الأجر, قد تجعل أحدهم ممتنا، يجب التحدث أيضا عن عيوب الشقائق والنداء. فلا يعني ما سبق أن لدينا منتجا خاليا من العيوب. ولكن كيف يمكن زيادة أسطر حول هذا، دون أن تفقد أصدقاءك؟ ستكون المهمة أبسط من المتوقع، مع أشخاص قد تتعمق صداقتك معهم، كلما أوضحت لهم رأيك السلبي حول ما يقومون به. ولنبدأ إذن في تعميق الصداقة.
التخصص في مهمة الدفاع عن حقوق المهدورين، ليس عليه أن يكون بإغراء الدافع الشخصي، وكون كلا المشروعين أجادا الاستقلالية، لعدم جواز ربطهما بأية مصالح سياسية لأي طرف، إلا أنهما وقعا في فخ الشخصنة. متى يمكن التعامل مع الصحيفة والكتابة لها، دون اعتبارات تتعلق بمن هو صاحبها؟ وكيف يمكن النظر للشقائق دون أن تكون أمل موجودة في الصورة؟
الاعتيادي أن يمر مشروع خاص بهذا الفخ، والخروج منه سريعا يضمن له الاستمرار، بالطريقة غير الاعتيادية.
هذه المسألة يمكن الجزم أنها تأخذ مساحتها الطبيعية عند الشخصين المخولين بحل التباسات كلا المشروعين، لكن إلى متى يبقى الأمر مهمتهما الخاصة؟ إفساح الحوار لمشاركة الآخرين، وعدم التفرد بسلطة القرار، وصفة يمكن استخدامها هنا، خاصة بعد معرفة النداء والشقائق من الداخل. الداخل الذي يخبر بصمت عن العمل الذي يُعطى نكهته الخاصة. فالمكان هنا يتسع لاختلاف وجهات النظر، والتي قد لا يؤخذ بالكثير منها بعد ذلك.
ف"النداء" ليست هي فقط أوراق الصحيفة التي قد تستطيع الحصول عليها صباح الخميس في بعض الأحوال, وليس الشقائق فقط تقارير ماجد المذحجي التي تتزاحم في بريدك الالكتروني. الأشخاص الذين يحتلون مساحات مكانية في شقة الصحيفة المتواضعة، أو مكاتب الشقائق المزدحمة، يحتلون أيضا الدور الأهم في إنجاح المهمة التي لن تستمر شخصية.
مراقبة سير العمل فرصة جد نادرة لمعرفة السر من الداخل. سر مجتمع الوسط الذي يحتل موقعة بهدوء، للتعامل مع أشد المواقع حساسية، لفتح مواضيع قد تغضب طرفا ما. عمل بسهولة يجلب الأعداء، وبعضهم قد يكونون أصدقاء سابقين. ولا يعني هذا أننا نراقب خلية نحل منظمة ودقيقة، فالعمل يتعرض لاختلاف الآراء الذي قد يفسد قضية الود، ولفترات فتور وركود، وشد وضغوط، وضيق تنفس مصاحبة لحالات توتر وتلف أعصاب. هؤلاء وما يحدث بهم ومعهم، يجعل النداء لا تكون "سامي" والشقائق لا يكون "أملـ" فقط.
ولكن "النداء" "الأوراق"، تستحق الانتظار طيلة أسبوع وإن تأخرت عن موعدها لتأخذ من وقت تصفحك السريع لتقحمك بتأنٍّ في ما ليس لك شأن به. والشقائق "الفعاليات" التي تنتظرك لتشارك، وتوضح لك مساحة دورك الجديد، في قضايا لم تعد تخص أصحابها.
monasafwanMail