ومحسن العمودي عن " إنتقاء الأضعف "

ومحسن العمودي عن " إنتقاء الأضعف "

في الانظمة الحاكمة «الرخوة» المفتقدة للرؤى والمشاريع لإدارة بلد ما أو مؤسسة ما، تُعتمد معايير في اتخاذ قرارات التعيين التي تصدرها، بدءاً من الحاشية المقربة والتي في معظمها من العسكر أو الحواريين، فيتم الانتقاء بعناية فائقة وبمبدأ الولاء الأعمى و الطاعة اولاً وأخيراً، رغم ذلك وكامتداد لعقلية إدارة العصابات الاجرامية ك «المافيا» مثلاً يتبقى على أفراد هذه الدائرة أن تكون العيون راصدة لبعضها بعضاً، ويعمل دوماً على غياب التجانس والتناغم بين افرادها حتى لا تقوى شوكتها وتشكل يوماً ما خطراً يذكر على النظام الرخو او على قيادة «المافيا».
في العالم الثالث، واليمن جزء أصيل منه، يُعتمد الاسلوب أعلاه في كل مؤسسات السلطة وداخل المنظومة السياسية «سلطة ومعارضة» لأن هاجس الرأس وهمه الاكبر أن يبٍقى متسيداً ومتسلطاً، ويبقى هم الدائرة المقربة أن يستمر الوضع ويدوم طالما ان مصالحها الشخصية مستمرة، وطالما أنها أيقنت بأنها لن تستطيع حلحله او إزالة الرأس، وبالتالي ما عليها إلا الرضوخ والاستكانة، والعمل قدر الإمكان على تلبية حاجات ورغبات الرأس، ضماناً لإستمرارية الرضى عنها وعن أدوارها حتى وإن اقتضى الأمر تجميل القبح وتسفيه الآخر وتدميره، إن اقتضى الأمر.
أحزاب سياسية تتواجد على امتداد الساحة اليمنية، ولديها فروع في معظم، او كل، محافظات الوطن، ويبقى المركز في صنعاء والبعض منها في الخارج متسيداً ومهيمناً، وتبقى الفروع امتداداً هزيلاً له طالمابقيت مسبحة بحمد الرئيس والأمين العام. سلوكيات مستهجنة من مؤسسات «نخبوية» تزعم أنها جديرة بقيادة وطن والنهوض به، حتى وإن قبعت في ذيل المعارضة السياسية، فكيف ان تسنت لها الفرصة للوصول إلى سدة الحكم؟! وهي لن تصل.
تبقى الفرصة سانحة للإنضواء والاستمرار في مثل تلك الكيانات، طالما كنت «إمعة» أو لديك الإمكانية على فهم عقلية الرأس، والأهم نفسيته، وبالتالي المقدرة على مسايرته في الصواب والخطأ، وتنزيهه عن الخطأ إن وقع وتأليهه عن الصواب إن حدث، وهو المصيب دوماً، وإن تحقق ذلك على حساب ارزاق الناس وارواحهم ومصائر ابنائهم وأحفادهم.
مثل تلك الكيانات الرخوة تبقى قابلة للانهيار والتخبط والاضمحلال بمجرد تعرضها لأي هزة قوية او أي مواجهة حاسمة مصيرية، فالفئران عادة هي أسرع الحيوانات فراراً بمجرد تعرض السفينة لبوادر الغرق، وكل المعطيات في بلادنا توحي بأن الغرق قادم لا محالة، إلاإذا انتابت الرأس صحوة قوية مفاجئة، واستطاع ان ينجو بسفينة الوطن إلى شاطئ الامان، وأن بقي الثمن غالياً ومكلفاً حتى وإن حدثت معجزة النجاة.
فسياسة انتقاء الاضعف، التي مازالت تدار بها البلاد، اصبحت عبئاً ثقيلاً على الوطن والمواطن،بل قد لا أكون متجاوزاً إن قلت بأنها اصبحت عبئاً على اهل السلطة نفسها، ولكن يبقى الرجوع عنها خيراً من الاستمرار فيها، فإدارة الدول والمؤسسات لم يعد مجدياً معها التعامل باساليب «الفهلوة» او الأمزجة الشخصية، فالفارق يبقى كبيراً بين قيادة دولة وإدارة شركة تضامنية، فتبعات انتهاج هذه السياسات ادت إلى أن يتحول أمثال «الأصنج والحسني» من أركان نظام حاكم إلى قطبي معارضة مقلقة في الخارج، لا يتورعان عن الحديث عن معاناة الجنوب والجنوبيين بل تجاوزا ذلك إلى أحقيتهما تمثيل حضرموت وابنائها، والطابور في الداخل طويل لأمثالهما بمجرد فقدانهم مصالحهم الشخصية.