قيامة الجنوب

قيامة الجنوب - سامي غالب

لكل حركة احتجاج أبطالها ورموزها وشعاراتها... وشهداؤها حتماً.
لكلٍ منطقها وقوانينها ومطالبها وآلياتها... وجغرافيتها أساساً.
لكلٍ جوهرهاالمبتكر وطابعها الانشقاقي وزخمها الاقتحامي... وطفرتها البيولوجية.
لكلٍ منظروها ومتطرفوها ومعتدلوها... وانتهازيوها أيضاً.
كل أولئك تتوافر عليه حركة الاحتجاجات في الجنوب. و«الحكم الرشيد» ذاك الذي يتكيف مع المطالب، ويسارع إلى إعمال معالجات موضوعية (هادئة وليست نتاج توتر وانفعالات) تحول دون انتقال الاحتجاج إلى عصيان، والغضب إلى كراهية، والتعبير السلمي إلى انتفاضة مسلحة.
في الشهرين الأخيرين أظهر الحكم إشارات على رغبته تدارك الاهتراء في علاقته بمواطنيه في الجنوب (!). محض رغبة فحسب، ذلك لأن التدارك رهن بإدراك سليم لأبعاد الحركة الاحتجاجية ووعي شمَّال لمحركاتها وحوافزها والبيئة الاجتماعية الحاضنة لها.
والحاصل أن لغة التهوين من شأن المظالم ما تزال على عهدها سيدة الشاشة المحتكرة لأهل السلطة والصحف الحكومية والموالية.
وإلى لغة التهوين، يواصل الحكم التمترس في خنادق الإنكار، وإذا حدث أن غادرها فلغرض استرضاء فئات محدودة، واستقطاب وجاهات، واصطناع زعامات طارئة قدرها أن تصطف إلى جوار زعامات أخرى عديمة الحيلة في «الواجهة الوطنية» للحكم.
المزري أن تتورط منابر إعلامية موالية في لعبة مناطقية، في مسعى من بعض دوائر الحكم لاستعادة ورقة «المضاربة المناطقية» في المحافظات الجنوبية والشرقية.
من أهم علامات «قيامة الجنوب» إسقاط ورقة «المضاربة المناطقية» من يد التسلطيين والوصوليين معاً. غير أن دوائر في الحكم تتطير من هذا التطور، لكأن شيوع التسامح في حيز جغرافي من أرض دولة الوحدة، يؤدي بالضرورة إلى حالة انفصالية.
أية ذلك المضايقات التي استهدفت هيئات المصالحة والتسامح فور تشكلها قبل عامين، وما يتعرض له الرئيس السابق علي ناصر محمد من حملات أعقبت الحوار الصحفي الذي أجرته «النداء» معه قبل أسبوعين.
كان علي ناصر أشار في الحوار إلى دعوته المبكرة إلى التصالح، مؤملاً أن تحظى فكرة وآليات التصالح والتسامح بدعم الجميع وفي المقدمة السلطة.
 الأحزاب السياسية، مدعوة إلى استثمار الحالة الجنوبية، وبخاصة بُعد المواطنة المتساوية فيها، وتعميمها إلى المحافظات الشمالية، بدلاً من الرهان على تكتلات «قبل وطنية» تقوم ضداً على المواطنة. وعين الحماقة أن تلجأ النخبة السياسية، في معاركها السياسية والانتخابية، إلى محاولة استنساخ «الحالة الجنوبية» في مناطق أخرى، متوسلة مكاسب سياسية.
 حماقة لأن الحالة الجنوبية، بطرح الخطاب الاتهامي للسلطة وبعض معارضيها جانباً، تجد تبريرها في مطلب المواطنة المتساوية، انطلاقاً من تصفية آثار حرب صيف 1994. في حين أن بعض التكتلات الطارئة خارج الجنوب قام ضداً على المواطنة المتساوية.
الثابت أن حالة الارتباك الناجمة عن تصاعد حركة الاحتجاجات جنوباً ماتزال سائدة في الأوساط الحاكمة والمعارضة. ولئن بادر الطرفان إلى التصعيد كسباً (هل أقول قتلاً؟) للوقت، فإن حركة الاحتجاجات تواصل تعظيم حضورها الشعبي، وتكريس رموزها وزعاماتها، وبلورة خطابها وبرنامجها. وأن الخطر الراهن على الحركة الاحتجاجية السلمية لا يهب من خارجها، بل ينبثق من أحشائها في حال دفع الشطط بعض رموزها إلى المقامرة بحمل «الخصوصية الجنوبية» إلى خارج «المواطنة المتساوية»، لأن ذلك يفقد الحركة تفوقها الأخلاقي، وتالياً شعبيتها، ويسلِّم أزمتها للانتهازيين.